
والضيق عن الكافر أعرض عن ما جاءه من عند الله تعالى ولم يؤمن به وبعد من الإجابة إلى ما دعي إليه.
ومعنى " بجانبه ": قال السدي: أعرض: صد بوجهه، ونأى بجانبه: تباعد عن القبول.
ثم قال: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ﴾، أي: وإذا مسه الضر والفقر والجهد ونحوه فهو ذو دعاء (كثير إلى ربه. فأن الرجل إذا كان في نعمة تباعد عن ذكر الله ودعائه، فإذا مسه الشر فهو ذو دعاء) عريض، أي كثير.
قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله﴾ - إلى آخر السورة.
أي: قل يا محمد للمكذبين للقرآن، أرأيتم إن كان هذا القرآن الذي كذبتم به ولم تؤمنوا به من عند الله ثم كفرتم به ألستم في فراق للحق وبعد من الصواب. وهو معنى قوله: ﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ إلا أنه جعل الخبر في مكان التقدير وفي الكلام حذف، والتقدير: ثم كفرتم به أمصيبون أنتم أم ضالون.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ﴾، أي: سنرى هؤلاء المكذبين بما أنزلنا آياتنا في الآفاق، يعني: وقائع النبي ﷺ بالمشركين.

قال السدي: هي ما يفتح الله للنبي عليه السلام وقوله: ﴿وفي أَنفُسِهِمْ﴾، يعني: ما يفتح للنبي ﷺ من مكة وهو اختيار الطبري.
وقال ابن زيد: آياتنا في الأفاق يعني: في السماوات ونجومها وشمسها وقمرها.
وقيل: معنى " وفي أنفسهم " هو: سبيل الغائط والبول وقيل المعنى: سيرون ما أخبرهم به (النبي ﷺ أنه سيكون من فتن وفساد وغلبة الروم فارس، وغير ذلك مما أخبرهم به) أنه سيكون لهم حتى يبين لهم أن كلما أخبرهم به أنه هو الحق.
وقيل: " المعنى: سنريهم آثار صنعتنا في الآفاق الدالة على أن لها صانعاً حكيماً، وفي أنفسهم من أنهم كانوا نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً إلى أن بلغوا وعلقوا حتى يتبين لهم أن الله هو الحق لا ما يعبدون من دونه ".

وعن ابن جبير أن معنى " في الآفاق " هو ظهور النبي ﷺ على الناس سوى قريش، وفي أنفسهم: ظهوره على قريش، وهو اختيار النحاس.
وقيل معنى الآية: سنريهم آثار من مضى من الأمم ممن كذب الرسل من قبلهم وآثار خلق الله تعالى في البلاد، وفي أنفسهم، يعني: أنهم كانوا نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم عظاماً ثم كسيت لحماً، ثم نقلوا إلى التمييز والعقل. وذلك كله (يدل على) توحيد الله تعالى وقدرته حتى يعلموا أن ما أنزلنا على محمد ﷺ حق.
ثم قال تعالى ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، أي: أو لم يكف ربك أنه شاهد على كل شيء مما يفعله خلقه لا يعزب عنه علم شيء منه. و " إنه " في موضع رفع بدل من " ربك " على الموضع.
ويجوز أن يكون في موضع خفض على البدل من " ربك " على اللفظ. ويجوز أن يكون في موضع " أن " نصباً على معنى الآية.

ومعنى الاية: أو لم يكف ما دل من قدرته وحكمته، ففي ذلك كفاية.
(وقيل: المعنى: أو لم يكف ربك في معاقبة الكفار وقيل: المعنى: أو لم (يكف ربك يا محمد) أنه شاهد على أعمال هؤلاء الكفار ففي ذلك كفاية لك.
ثم قال تعالى ﴿أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ﴾، أي: في شك من البعث بعد الموت، والمجازاة على الأعمال.
ثم قال تعالى ﴿أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيط﴾، أي: ألا إن الله محيط بعلمه بكل شيء خلقه، لا يعجزه علم شيء منه.