
قبل الولادة، قبل صفته، ولا يعلم أحد بعد وضعه، كم أجله. وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ يعني:
يدعوهم، أَيْنَ شُرَكائِي يعني: الذين كنتم تدعون من دون الله، قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ يعني: أعلمناك، وقلنا لك: ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ يعني: يشهد بأن لك شريك تبرؤوا من أن يكون مع الله شريك. وقالوا: ما منا من أحد يشهد لك أنه عبد أحد دونك. وقال القتبي:
هذا قول الآلهة التي كانوا يعبدون في الدنيا. وما منا من شهيد لهم كما قالوا. وادعوه في الدنيا فينا. وَضَلَّ عَنْهُمْ يعني: بطل عنهم، مَّا كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ في الدنيا، وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ يعني: علموا، واستيقنوا ما لهم من ملجأ، ولا مفر من النار.
قوله تعالى: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ يعني: لا يمل الكافر. قال الضحاك: نزلت في شأن النضر بن الحارث. مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ يعني: من سؤال الخير. يعني: العافية في الجسد، والسعة في الرزق.
وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ يعني: أصابته الشدة، والبلاء، والفقر، فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ يعني: آيساً من الخير، قانطاً من رحمة الله تعالى. ويقال: لا يمل من دعاء الخير، وإذا نزلت به شدة.
يقول: اللهم عافني، وإذا مسه الشر فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ يعني: آيساً من معبوده.
وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا يعني: أصبناه عافية منا، وَغِنًى، مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ يعني:
من بعد شدة أصابته، لَيَقُولَنَّ هذا لِي يعني: أنا أهل لهذا، ومستحق له. ويقال: أنا أحق بهذا. ويقال: هذا بعملي، وأنا محقوق به.
وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً يعني: ما أحسب القيامة كائنة، وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي يعني: يوم القيامة، إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى يعني: الجنة ولئن كان يوم القيامة، كما يقول محمد صلّى الله عليه وسلم فلي الجنة.
يقول الله تعالى: فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: لنخبرنهم، بِما عَمِلُوا من أعمالهم الخبيثة، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ يعني: لنجزينهم، مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ يعني: عذاب شديد لا يفتر عنهم.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٥١ الى ٥٤]
وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤)

قوله تعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ يعني: أعرض الكافر، فلا يدعو ربه. وقال الكلبي: أعرض عن الإيمان. وَنَأى بِجانِبِهِ يعني: تباعد بجانبه عن الدعاء، وعن الإيمان. وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ يعني: أصابته الشدة فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ قال مقاتل والكلبي: يعني: كثيراً. ويقال: يعني: طويلاً. فإن قيل: قد قال في موضع. وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ وقال في موضع آخر: فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ مرة ذكر أنه يَؤُوس، ومرة أُخرى ذكر أنه يدعو، فكيف هذا؟ قيل له: هذا في شأن رجل، وهذا في شأن رجل آخر، ويجوز أن يكون في شأن إنسان واحد. وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ عن كل معبود دون الله، فيدعو الله دائما.
فقال عز وجل: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني: إن كان هذا الكتاب من عند الله، ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ يعني: جحدتم أنه ليس من عند الله، ماذا تقولون؟ وماذا تجيبون؟ وماذا تحتالون. إذا نزل لكم العذاب يوم القيامة؟
مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ أي: في خلاف طويل، بعيد عن الحق.
قوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ يعني: عذابنا في البلاد، مثل هلاك عاد، وثمود، وقوم لوط، وهم يرون إذا سافروا، آثارهم، وديارهم. وَفِي أَنْفُسِهِمْ يبتلون بأنفسهم من البلايا. ويقال: من قتل أصحابهم الكفار في الحرب، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ يعني:
إن الذي قلت هو الحق، فيصدقونك. وقال مجاهد: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ يعني: ما يفتح الله عليهم من القرى، وَفِي أَنْفُسِهِمْ قال: فتح مكة. وقال الضحاك: معناه أن أبا جهل قال للنبي صلّى الله عليه وسلم: ائتنا بعلامة، فانشق القمر نصفين. فقال: أبو جهل للنبي صلّى الله عليه وسلم: إن كان القمر قد انشق، فهي آية. ثم قال: يا معشر قريش، إن محمداً قد سحر القمر، فوجهوا رسلكم إلى الآفاق. هل عاينوا القمر؟ إنْ كان كذلك، فهي آية وإلا فذلك سحر، فوجهوا. فإذا أهل الآفاق، يتحدثون بانشقاقه. فقال أبو جهل عليه اللعنة: هَذَا سِحْرٌ مُسْتَمِر. يعني: ذاهباً في الدنيا. فنزل سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ وقال بعض المتأخرين. سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ ما وضع في العالم من الدلائل، وفي أنفسهم ما وضع فيها من الدلائل، التي تدل على وحدانية الله تعالى، وأن محمدا صلّى الله عليه وسلم صادق ينطق بالوحي فيما يقول. وهذا كما قال: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ.
قوله تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ شاهداً أن القرآن من الله تعالى، أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أي: عالم بأعمالهم، بالبعث وغيره. وقال الكلبي: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ يعني: أنه قد أخبرهم بذلك، وإن لم يسافروا. ويقال: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ ومعنى الكفاية هاهنا، أنه قد بيّن لهم ما فيه كفاية، بالدلالة على توحيده، وتثبيت رسله.

ثم قال: أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ ألا: كلمة تنبيه. يعني: اعلم أنهم في شك من البعث، أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ يعني: ألا إن الله تعالى عالم بأعمالهم، وعقوبتهم، والإحاطة إدراك الشيء بكماله. يعني: أحاط علمه سبحانه وتعالى بكل شيء من البعث، وغيره، والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده وآله وسلم.
صفحة رقم 234