
وقوله: فَالَّذِينَ يعني بهم الملائكة هم صافون يسبحون. و: عِنْدَ في هذه الآية ليست بظرف مكان وإنما هي بمعنى المنزلة والقربة، كما تقول زيد عند الملك جليل وفي نفسه رفيع. ويروى أن تسبيح الملائكة قد صار لهم كالنفس لابن آدم. و: يَسْأَمُونَ معناه: يميلون ثم ذكر تعالى آية منصوبة ليعتبر بها في أمر البعث من القبور، ويستدل بما شوهد من هذه على ما لم يشاهد بعد من تلك، وهي آية يراها عيانا كل مفطور على عقل. وخشوع الأرض هو ما يظهر عليها من استكانة وشعث بالجدب وصليم السموم فهي عابسة كما الخاشع عابس يكاد يبكي، والماء المنزل: هو المطر، واهتزاز الأرض: هو تخلخل أجزائها بالماء وتشققها للنبات. وربوها: هو انتفاخها بالماء وعلو سطحها به.
وقرأ الجمهور: «وربت». وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: «وربأت» : بألف مهموزة، ورواها الرؤاسي عن أبي عمرو، وهو أيضا بمعنى: علت وارتفعت، ومنه الربيئة، وهو الذي يرتفع حتى يرصد للقوم ثم ذكر تعالى بالأمر الذي ينبغي أن يقاس على هذه الآية والعبرة، وذلك إحياء الموتى.
وقوله تعالى: إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عموم، والشيء في اللغة: الموجود.
قوله عز وجل:
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٤٠ الى ٤٣]
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣)
هذه آية وعيد. والإلحاد: الميل، وهو هاهنا عن الحق، ومن الإلحاد: لحد الميت، لأنه في جانب، يقال لحد الرجل وألحد بمعنى.
وقرأ الجمهور: «يلحدون» بضم الياء من ألحد. وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش: «يلحدون» بفتح الياء والحاء من لحد.
واختلف المفسرون في الإلحاد الذي أشير إليه ما هو؟ فقال قتادة وغيره: الإلحاد بالتكذيب. وقال مجاهد وغيره: الإلحاد بالمكاء والصفير واللغو الذي ذهبوا إليه. وقال ابن عباس: إلحادهم هو أن يوضع الكلام غير موضعه، ولفظة الإلحاد تعم هذا كله.
وقوله: لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أي فنحن بالمرصاد لهم وسنعذبهم، ثم قرر على هذين القسمين أنهما خير، وهذا التقرير هم المراد به، أي فقل لهم يا محمد أَفَمَنْ. قال مقاتل: نزلت هذه الآية في أبي جهل وعثمان بن عفان، وقيل في عمار بن ياسر، وحسن التفضيل هنا بين الإلقاء في النار والأمن يوم القيامة وإن كانا لا يشتركان في صفة الخير من حيث كان الكلام تقريرا لا مجرد خبر، لأن المقرر قد يقرر خصمه

على قسمين: أحدهما بين الفساد حتى يرى جوابه، فعساه يقع في الفاسد المعنى فيبين جهله، وقد تقدم نظير هذه الآية واستيعاب القول في هذا المعنى، ولا يتجه هنا أن يقال خاطب على معتقدهم كما يتجه ذلك في قوله: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الفرقان: ٢٤] فتأمله.
وقوله تعالى: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ وعيد في صيغة الأمر بإجماع من أهل العلم، ودليل الوعيد ومبينه قوله: إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ. يريد قريشا. و «الذكر» : القرآن بإجماع.
واختلف الناس في الخبر عنهم أين هو؟ فقالت فرقة: هو في قوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت: ٤٤] ذكر النقاش أن بلال بن أبي بردة سأل عن هذا في مجلسه وقال: لم أجد لها نفاذا، فقال له أبو عمرو بن العلاء: إنه منك لقريب أُولئِكَ يُنادَوْنَ [فصلت: ٤٤]. ويرد هذا النظر كثرة الحائل، وإن هنالك قوما قد ذكروا بحسن رد قوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ [فصلت: ٤٤] عليهم. وقالت فرقة:
الخبر مضمر تقديره: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ هلكوا أو ضلوا. وقال بعض نحويي الكوفة الجواب في قوله: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ حكى ذلك الطبري، وهو ضعيف لا يتجه، وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن هذا، فقال عمرو معناه في التفسير: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ كفروا به وَإِنَّهُ لَكِتابٌ، فقال عيسى بن عمر: أجدت يا أبا عثمان.
قال القاضي أبو محمد: والذي يحسن في هذا هو إضمار الخبر، ولكنه عند قوم في غير هذا الموضع الذي قدره هؤلاء فيه، وإنما هو بعد حَكِيمٍ حَمِيدٍ وهو أشد إظهارا لمذمة الكفار به، وذلك أن قوله:
وَإِنَّهُ لَكِتابٌ داخل في صفة الذكر المكذب به، فلم يتم ذكر المخبر عنه إلا بعد استيفاء وصفه، وهذا كما تقول: تخالف زيدا وهو العالم الودود الذي من شأنه ومن أمره، فهذه كلها أوصاف.
ووصف تعالى الكتاب بالعزة، لأنه بصحة معانيه ممتنع الطعن فيه والإزراء عليه، وهو محفوظ من الله تعالى، قال ابن عباس: معناه كريم على الله تعالى، قال مقاتل: منيع من الشيطان. قال السدي: غير مخلوق.
وقوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ قال قتادة والسدي: يريد الشيطان، وظاهر اللفظ يعم الشيطان وأن يجيء أمر يبطل منه شيئا.
وقوله: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ معناه ليس فيما تقدمه من الكتب ما يبطل شيئا منه. وقوله: وَلا مِنْ خَلْفِهِ أي ليس يأتي بعده من نظر ناظر وفكرة عاقل ما يبطل أشياء منه، والمراد باللفظ على الجملة: لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات. وقوله: تَنْزِيلٌ خبر ابتداء، أي هو تنزيل.
وقوله: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون تسلية للنبي عليه السلام عن مقالات قومه، أي ما تلقى يا محمد من المكروه منهم، ولا يقولون لك من الأقوال المؤلمة إلا ما قد قيل ولقي به من تقدمك من الرسل، فلتتأسّ بهم ولتمض لأمر الله ولا يهمنك شأنهم. والمعنى