
والحزن من حزونة الوقت، ومن كان راضيا بما يجرى فلا حزن له في عيشه. والملائكة يبشرونهم بأنهم لا حزونة في أحوالهم، وإنما هم في الرّوح والراحة.
«وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ» : أي بحسن المآب، وبما وعد الله من جميل الثواب.
والذي هو موعود للأولياء بسفارة الملك موجود اليوم لخواص عباده بعطاء الملك فلا يكون لأحدهم مطالعة في المستقبل من حاله بل يكون بحكم الوقت فلا يكون له خوف لأن الخوف- كما قلنا من قبل- ينشأ من تطلع إلى المستقبل إمّا من زوال محبوب أو حصول مكروه، وإن الذي بصفة الرضا «١»
لا حزونة في حاله ووقته.
ويمكن القول: «أَلَّا تَخافُوا» من العذاب، «وَلا تَحْزَنُوا» على ما خلفتم من الأسباب، «وَأَبْشِرُوا» بحسن الثواب في المآب.
ويقال: «أَلَّا تَخافُوا» من عزل الولاية، «وَلا تَحْزَنُوا» على ما أسفلتم من الجناية، «وَأَبْشِرُوا» بحسن العناية في البداية.
ويقال: «أَلَّا تَخافُوا» مما أسلفتم، «وَلا تَحْزَنُوا» على ما خلّفتم، «وَأَبْشِرُوا» بالجنة التي لها تكلفتم.
ويقال: «أَلَّا تَخافُوا» المذلّة، «وَلا تَحْزَنُوا» على ما أسلفتم من الزلّة، «وَأَبْشِرُوا» بدوام الوصلة.
قوله جل ذكره:
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢)
الولاية من الله بمعنى المحبة، وتكون بمعنى النصرة.

وهذا الخطاب يحتمل أن يكون من قبل الملائكة الذين تنزلوا عليهم، ويحتمل أن يكون ابتداء خطاب من الله.
والنصرة تصدر من المحبة فلو لم تكن المحبة الأزلية لم تحصل النصرة في الحال.
ويقال: «نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا»
بتحقيق المعرفة، «وَفِي الْآخِرَةِ»
بتحصيل المغفرة.
ويقال «نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا»
بالعناية، «وَفِي الْآخِرَةِ»
بحسن الكفاية وجميل الرعاية.
«فِي الْحَياةِ الدُّنْيا»
بالمشاهدة، «وَفِي الْآخِرَةِ»
بالمعاينة.
فى الدنيا بالرضاء بالقضاء، وفي الآخرة باللقاء في دار البقاء.
فى الدنيا بالإيمان، وفي الآخرة بالغفران.
فى الدنيا بالمحبة، وفي الآخرة بالقربة.
«وَلَكُمْ فِيها»
أي في الجنة «ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ»
: الولاية نقد، وتحصيل الشهوات وعد، فمن يشتغل بنقده قلّما يشتغل بوعده «١».
«وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ»
: أي ما تريدون، وتدعون الله ليعطيكم.
«نُزُلًا» : أي فضلا وعطاء، وتقدمة لما يستديم إلى الأبد من فنون الأفضال ووجوه المبارّ «٢».
أريدك لا أريدك للثواب... ولكنى أريدك للعقاب
فكل مآربى قد نلت منها... سوى ملذوذ وجدى بالعذاب
(٢) فتكون (نزلا) منصوب على المصدر أي أنزلناه نزلا. وقيل: على الحال. وقيل هو جمع نازل أي لكم ما تدعون نازلين.