آيات من القرآن الكريم

نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺ

الرؤساء الذين يدعون إلى الضلال، فيعطي كلا منهم ما يستحقه من العذاب والنكال، بحسب عمله وإفساده، كما قال تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ، بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النحل ١٦/ ٨٨].
ما وعد الله به أهل الاستقامة
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢)
الإعراب:
أَلَّا تَخافُوا إِنَّ: مفسرة بمعنى أي أو مخففة من الثقيلة، وأصله: بأنه لا تخافوا، والهاء: ضمير الشأن.
وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ
ما
: اسم موصول، وعائده محذوف تقديره: تدّعونه. ونُزُلًا: إما منصوب على المصدر، وإما منصوب على الحال من الكاف واللام في وَلَكُمْ
. وهو جمع «نازل» كشارف وشرف، وتقديره: ولكم فيها نازلين. والأظهر أن يكون نُزُلًا في هذه كقوله تعالى: هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [الواقعة ٥٦/ ٥٦] لا جمع «نازل» أي ما أعدّ لهم من الجزاء، وهو حال من ما تَدَّعُونَ.
المفردات اللغوية:
قالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته ثُمَّ اسْتَقامُوا ثبتوا وداوموا على الاستقامة في العمل الصالح والإقرار بالوحدانية ومقتضياته. وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى

صفحة رقم 221

الاستقامة من الثبات على الإيمان، وإخلاص العمل، وأداء الفرائض فجزئياتها. وقوله ثُمَّ للتراخي عن الإقرار بالربوبية في المرتبة والفضل، من حيث إن الإيمان مبدأ الاستقامة تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن، أو تتنزل بالبشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وإذا قاموا من قبورهم بألا تخافوا ولا تحزنوا، لا تخافوا من الموت وما بعده، ولا تحزنوا على ما خلّفتم من أهل وولد، ونحن نخلفكم فيه، والخوف:
غم يطرأ على النفس لتوقع مكروه في المستقبل، والحزن: غم يطرأ على النفس لفوات نفع في الماضي.
أَوْلِياؤُكُمْ
أعوانكم في شؤونكم، نحفظكم ونوفقكم لما فيه الخير، ونلهمكم الرشد والحق فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
بدل ما يفعل الشيطان بالكفرة وَفِي الْآخِرَةِ
بالشفاعة والكرامة حتى تدخلوا الجنة، وحيثما تتعادى الكفرة وقرناؤهم وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
من اللذائذ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
تتمنون وتطلبون، مأخوذ من الدعاء بمعنى الطلب، وهو أعم من الأول نُزُلًا ما أعدّ لهم من الجزاء الحسن، وأصل النزل: الطعام المعدّ للضيف.
سبب النزول: نزول الآية (٣٠) :
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أن المشركين قالوا: ربنا الله، والملائكة بناته، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، فلم يستقيموا. وقال أبو بكر: ربنا الله وحده لا شريك له، ومحمد ص عبده ورسوله، فاستقام.
وأخرج الترمذي والنسائي والبزار وغيرهم عن أنس بن مالك: أن رسول الله ص قرأ: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ، ثُمَّ اسْتَقامُوا قال: «قد قال الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن مات عليها، فهو ممن استقام».
المناسبة:
هذه الآية شروع في بيان أحوال المؤمنين ومصيرهم، بعد بيان أحوال المشركين وعاقبتهم، ليتبين الفرق بين المؤمن والكافر، وبين الطيب والخبيث.

صفحة رقم 222

فبعد أن أطنب الله تعالى في وعيد الكفار، أردفه بهذا الوعد الشريف للمؤمنين، كما هي سنة القرآن في إقران وإتباع أحدهما بالآخر، مثل نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ [الحجر ١٥/ ٤٩- ٥٠].
التفسير والبيان:
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا أي إن الذين أقروا بربوبية الله وتوحيده، فهو الله وحده لا شريك له، ثم داموا على التوحيد، فلم يلتفتوا إلى إله غير الله، واستقاموا وثبتوا على أمر الله، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته، حتى ماتوا، وهذا يشمل التزام أحكام الشرع الحنيف في العقائد والعبادات والمعاملات والمحظورات قولا وفعلا، لأن الاستقامة لفظ عام. وقد ذكر في حديث بعض مظاهرها،
أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، فقال: «قل: ربي الله، ثم استقم» قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تخاف علي؟! فأخذ رسول الله ص بطرف لسان نفسه ثم قال: «هذا».
وكذلك ورد عن الخلفاء الراشدين تفسير الاستقامة ببعض جزئياتها، فقال أبو بكر رضي الله عنه: استقاموا فعلا كما استقاموا قولا. وقال أيضا: ثُمَّ اسْتَقامُوا: لم يشركوا بالله شيئا. وقال عمر رضي الله عنه وهو يخطب على المنبر: استقاموا والله على الطريقة لطاعته، ثم لم يروغوا روغان الثعالب. وقال عثمان رضي الله عنه: ثم أخلصوا العمل لله.
وقال علي رضي الله عنه: ثم أدّوا الفرائض.
وأقوال التابعين بمعنى ما ذكر.
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ

صفحة رقم 223

تُوعَدُونَ
أي تتنزل عليهم الملائكة بما يشرح صدورهم، ويدفع عنهم المخاوف والأحزان، كالبشارة بالنجاة في مواطن ثلاثة: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث، وإزالة الخوف من أمور الآخرة، وإذهاب الحزن عما فاتهم من أمور الدنيا من أهل ومال وولد. وإذا أزيلت مخاوف المستقبل وأحزان الماضي، فقد زالت المضار والمتاعب بالكلية، وحدثت الطمأنينة والسعادة.
وتقول لهم الملائكة: أبشروا بدخول الجنة التي وعدتم بها في الدنيا على ألسنة الرسل، فإنكم واصلون إليها، مستقرون بها، خالدون في نعيمها.
ثم أخبر عما تقوله الملائكة للمؤمنين، فقال تعالى:
نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ
أي نحن المتولون لحفظكم ومعونتكم في أمور الدنيا وأمور الآخرة، نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة، نؤنسكم من وحشة القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمّنكم يوم البعث والنشور، ونجاوز بكم الصراط المستقيم، ونوصلكم إلى جنات النعيم. وهذا من قول الملائكة أو من قول الله تعالى، وهو في مقابلة ما ذكر سابقا في وعيد الكفار حيث قال تعالى: وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ.
وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ
أي ولكم في الجنة من جميع ما تختارونه من صنوف اللذات وأنواع الطيبات، ومهما طلبتم وجدتم، وكل ما تتمنون حصلتم عليه، حال كونه معدا لكم ضيافة وعطاء وإنعاما، من غفور لذنوبكم، رحيم بكم، رؤف بأحوالكم، حيث غفر وستر، ورحم ولطف. وقد تقدم أن قوله: وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
أعم مما سبقه.

صفحة رقم 224

فقه الحياة أو الأحكام:
دلت هذه الآيات دلالة قطعية على أن الجزاء منوط بالعمل، فمن أقر بالربوبية والوحدانية والألوهية لله عز وجل، واستقام على أوامر الله وطاعته، واجتنب معاصيه وسخطه وغضبه، له الجزاء المفضل في الدنيا والآخرة.
فتلهمه الملائكة ما تقرّ به نفسه وينشرح له صدره، ويزيل مخاوفه، ويبدد أحزانه، وتقول له الملائكة الذين تتنزل بالبشارة: نحن قرناؤكم الذين كنا معكم في الدنيا، نحفظكم ونلهمكم الحق، وإذا كان يوم القيامة لا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة. وهذا إما من قول الملائكة، أو من قول الله تعالى، والله ولي المؤمنين ومولاهم، ومن كان الله وليه فاز بكل مطلب، ونجا من كل مخافة.
ولكم في الآخرة كل ما تشتهيه أنفسكم من الملاذ، ولكم كل ما تسألون وتتمنون، رزقا طيبا، وضيافة كريمة، ونعمة عظيمة، من الله الغفار الستّار لذنوب عباده التائبين، الرحيم الرحمن الرؤوف بعباده في جميع الأحوال.
وقد دلت هذه الآية على أن كل هذه الأشياء المذكورة جارية مجرى النزل، والكريم إذا أعطى النّزل، فلا بد وأن يحقق السعادة للمعطي، وتلك السعادة تحدث عند رؤية الله عز وجل والتجلي والكشف التام.

صفحة رقم 225
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية