آيات من القرآن الكريم

وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰ

ولعل تخصيص إرادة الخلق والجعل والبركة... إلخ بالأرض للإشارة إلى الاعتناء بأمر المخاطبين فكان الأجدر ألا يحصل منهم كفر ولا شرك ولعل تخصيص الاستواء بالسماء دون الأرض مع أن الأمر المترتب لهما معا. جبرا لخاطرها واكتفاء بذكر تقدير الأرض وتقدير ما فيها السابق.
قالتا- أى: الأرض وما فيها، والسماء وما فيها-: أتينا طائعين، وهذا تمثيل لسرعة الانقياد، وتصوير لكون وجودهما كما هما عليه جاريا على مقتضى الحكمة البالغة والإرادة السامية.
وهذا تفسير وتفصيل لتكوين السماء الذي أجمل ذكره فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ أى: خلقهن خلقا متقنا، وأبدع أمرهن حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية في وقتين الله أعلم بمقدارهما.
وأوحى إلى أهل كل من السموات والأرض أوامره، كلفهم بما يليق بهم، وزين السماء الدنيا بالنجوم التي هي كالمصابيح، وحفظها من كل شيطان رجيم.
ذلك المذكور الذي يعجز القلم عن وصفه، وكيف يصفه إنسان لا يدرى كنه نفسه؟! ذلك تقدير العزيز القوى القادر العليم الخبير البصير.
وليس في الآية ما يثبت أن الأرض خلقت قبل السموات، فليس هناك تعارض أبدا بين هذه الآية والآيات الأخرى مع هذا التأويل.
تهديدهم بمثل ما حل بعاد وثمود [سورة فصلت (٤١) : الآيات ١٣ الى ١٨]
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧)
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨)

صفحة رقم 329

المفردات:
أَنْذَرْتُكُمْ الإنذار: هو التخويف بنزول العذاب صاعِقَةً المراد بها هنا:
الهلاك والعذاب يَجْحَدُونَ: ينكرون ويفكرون صَرْصَراً: ريحا شديدة البرد أو شديدة الحر أو شديدة الصوت إذ يحتمل أن تكون الكلمة مأخوذة من الصر، أى:
البرد، أو الصر، أى: الحر أو صر يصر صريرا إذا صوت، ومنه صرير الأقلام، وعليه قوله تعالى: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ نَحِساتٍ المراد: مشئومات عَذابَ الْخِزْيِ: عذاب الذل الْعَذابِ الْهُونِ: الهوان فَاسْتَحَبُّوا: اختاروا.
المعنى:
قل لهؤلاء المشركين: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فإن لم يؤمنوا وكفروا فسق لهم الحجة القوية الواضحة بأنه خلق الأرض والسماء وقدر في الأرض أقواتها: وبارك فيها، وخلق السموات سبعا شدادا وأوحى في كل سماء أمرها، وزينها للناظرين، كل ذلك في ستة أيام سواء للسائلين. فهل يليق بكم أن تشركوا به شيئا؟

صفحة رقم 330

فإن أعرضوا ولم يقبلوا الحجة المعقولة وركبوا رءوسهم واستوحوا العناد من شياطينهم فقل لهم: إنى أنذركم صاعقة تنزل بكم وعذابا شديدا يحل بكم مثل العذاب الذي نزل بعاد وثمود وقت «١» أن جاءتهم الرسل تبشرهم وتنذرهم وتدعوهم إلى الهدى ودين الحق، وقد سلكوا معهم كل الطرق وأتوهم بجميع وجوه الحيل، جاءتهم الرسل بالوحي والشرائع بألا «٢» تعبدوا إلا الله وحده ولا تشركوا به شيئا.
فماذا قالوا ردّا على هذه الدعوة؟ قالوا: لو شاء ربنا إنزال رسل من عنده للناس لأنزل ملائكة تكون رسلا له لكنه لم يشأ ذلك، وعلى ذلك فإنا بما أرسلتم به- على زعمكم أيها الرسل- لكافرون وغير مؤمنين أبدا فإنكم بشر مثلنا، ولا فضل لكم علينا.
فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وهذا تفصيل لما حصل لكل من قبيلة عاد وثمود مع رسلهم بعد ذكره بالإجمال، وبدأ بذكر عاد لأنهم أقدم زمنا من قبيلة ثمود، فأما عاد فكانوا قوما يبنون بكل ريع ومرتفع من الأرض آية بها يعبثون وكانوا يتخذون مصانع لظنهم أنهم مخلدون، وكانوا إذا بطشوا بطشوا جبارين، فهم لذلك قوم مستكبرون، استكبروا في الأرض بغير الحق وكذبوا بالرسل واستهزءوا بنبيهم وقالوا مغترين: من أشد منا قوة؟ قالوا ذلك عند ما أنذرهم رسولهم بالعذاب.
عجبا لهؤلاء وأى عجب؟ أغفلوا ولم يعلموا أن الله الذي خلقهم ورزقهم هو أشد منهم قوة وقدرة فليس العذاب الذي يخوفون من عند الرسل، لا، ولكنه من عند خالق القوى والقدر، الإله القوى القادر على كل شيء، وكانوا بآيات ربك الكثيرة يكفرون.
فأرسلنا عليهم صرصرا شديدة تهلك بحرها أو ببردها أو هي ريح قاصفة تهلك بصوتها، جاءتهم في أيام نحسات سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ «٣» ؟ أرسلنا عليهم لنذيقهم

(١) إذ هنا طرف لصاعقة الثانية لأنها بمعنى (عذب) وقيل: هي حال منها لأنها خصصت بالإضافة.
(٢) أن هذه يصح أن تكون مفسرة لأن مجيء الرسل بالوحي والشريعة يتضمن معنى القول، و (لا) ناهية. ويصح أن تكون مصدرية، ولا ناهية أيضا على قول، ويصح أن تكون مخففة واسمها ضمير الشأن وفيه تكلف وبعد.
(٣) - سورة الحاقة الآيتان ٧، ٨.

صفحة رقم 331

عذاب الخزي المذل لأولئك المستكبرين المتعاظمين عن اتباع الرسل، ولعذاب الآخرة بالنسبة لهذا العذاب المبين أشد وأخزى وهم لا ينصرون في الدنيا ولا في الآخرة، وأما ثمود فقد هداهم ربك إلى الطريقين، طريق الخير وطريق الشر، طريق العمى وطريق الهدى، فاختاروا وآثروا طريق الضلال طريق الكفر واستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب المهين بما كانوا يكسبون، وقد كانوا قبل ذلك في جنات وعيون وزرع ونخل طلعها هضيم «١» وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا فارهين «٢» فلما كذبوا وكفروا أهلكهم ربك بالطاغية وهم ينظرون، وأما الذين آمنوا فالله نجاهم من العذاب بسبب إيمانهم وخوفهم من عذاب الله.
فانظروا يا آل مكة أين أنتم من هؤلاء!
روى أن الملأ من قريش وأبو جهل معهم قالوا: قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الكهانة والشعر والسحر، وعلمت من ذلك علما لا يخفى على إن كان كذلك، قالوا: ائته فحدثه فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال له: يا محمد أنت خير أم قصى ابن كلاب؟ أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فيم تشتم آلهتنا، وتضلل آباءنا وتسفه أحلامنا وتذم ديننا؟ فإن كنت إنما تريد الرياسة عقدنا إليك ألويتنا فكنت رئيسنا ما بقيت، وإن كنت تريد الباءة زوجناك عشر نساء من أى بنات قريش شئت، وإن كنت تريد المال جمعنا لك مالا تستغني به أنت وعقبك من بعدك، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا من الجن قد غلب عليك بذلنا لك من أموالنا في طلب ما تتداوى به أو نغلب فيك. والنبي صلّى الله عليه وسلّم ساكت، فلما فرغ من كلامه قال:
(قد فرغت يا أبا الوليد) قال: نعم. (قال فاسمع منى) :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا.. إلى قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ فوثب عتبة ووضع يده على فم الرسول، وناشده الرحم ليسكتن، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قريش، فجاء أبو جهل فقال له: أصبوت إلى محمد؟ أم أعجبك طعامه؟ فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا. ثم قال: والله لقد تعلمون أنى من

(١) لين متكسر، مأخوذ من هضم يهضم. [.....]
(٢) أى: حالة كونهم حاذقين ونشطين.

صفحة رقم 332
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية