آيات من القرآن الكريم

وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ

وزعم بعضهم أن القوة عرض ينزه الله تعالى عنه لكنها مستلزمة للقدرة فلذا عبر عنها بها مشاكلة.
وأورد في حيز الصلة خَلَقَهُمْ دون خلق السماوات والأرض لادعائهم الشدة في القوة، وفيه ضرب من التهكم بهم وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ أي ينكرونها وهم يعرفون حقيتها وهو عطف على فَاسْتَكْبَرُوا أو قالُوا فجملة أَوَلَمْ يَرَوْا إلخ مع ما عطف هو عليه اعتراض، وجوز أن يكون هو وحده اعتراضا والواو اعتراضية لا عاطفة.
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً قال مجاهد: شديدة السموم فهو من الصر بفتح الصاد بمعنى الحر، وقال ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي: باردة تهلك بشدة بردها من الصر بكسر الصاد وهو البرد الذي يصر أي يجمع ظاهر

صفحة رقم 364

جلد الإنسان ويقبضه والأول أنسب لديار العرب، وقال السدي أيضا وأبو عبيدة وابن قتيبة والطبري وجماعة: مصوتة من صريصر إذا صوت، وقال ابن السكيت: صرصر يجوز أن يكون من الصرة وهي الصيحة ومنه فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ [الذاريات: ٢٩] وفي الحديث أنه تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا عليهم قدر حلقة الخاتم ولو فتحوا قدر منخر الثور لهلكت الدنيا، وروي أنها كانت تحمل العير بأوقارها فترميهم في البحر فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ جمع نحسة بكسر الحاء صفة مشبهة من نحس نحسا كعلم علما نقيض سعد سعدا.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو والنخعي وعيسى والأعرج «نحسات» بسكون الحاء فاحتمل أن يكون مصدرا وصف به مبالغة، واحتمل أن يكون صفة مخففا من فعل كصعب. وفي البحر تتبعت ما ذكره التصريفيون مما جاء صفة من فعل اللازم فلم يذكروا فيه فعلا بسكون العين وإنما ذكروا فعلا بالكسر كفرح وأفعل كأحور وفعلان كشبعان وفاعلا كسالم، وهو صفة أَيَّامٍ وجمع بالألف والتاء لأنه صفة لما لا يعقل، والمراد بها مشائيم عليهم لما أنهم عذبوا فيها، فاليوم الواحد يوصف بالنحس والسعد بالنسبة إلى شخصين فيقال له سعد بالنسبة إلى من ينعم فيه، ويقال له نحس بالنسبة إلى من يعذب، وليس هذا مما يزعمه الناس من خصوصيات الأوقات، لكن ذكر الكرماني في مناسكه عن ابن عباس أنه قال: الأيام كلها لله تعالى لكنه سبحانه خلق بعضها نحوسا وبعضها سعودا، وتفسير نَحِساتٍ بمشائيم مروي عن مجاهد وقتادة والسدي، وقال الضحاك: أي شديدة البرد حتى كأن البرد عذاب لهم، وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد:
كأن سلافه مزجت بنحس وقيل: نحسات ذوات غبار، وإليه ذهب الجبائي ومنه قول الراجز:

قد اغتدي قبل طلوع الشمس للصيد في يوم قليل النحس
يريد قليل الغبار، وكانت هذه الأيام من آخر شباط وتسمى أيام العجوز، وكانت فيما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء، وروي ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء، وقال السدي: أولها غداة يوم الأحد، وقال الربيع بن أنس: يوم الجمعة لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أضيف العذاب إلى الخزي وهو الذل على قصد وصفه به لقوله تعالى: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة، فإنه يدل على أن ذل الكافر زاد حتى اتصف به عذابه كما قرر في قولهم: شعر شاعر، وهذا في مقابلة استكبارهم وتعظمهم. وقرىء «لتذيقهم» بالتاء على أن الفاعل ضمير الريح أو الأيام النحسات وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه.
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ قال ابن عباس وقتادة والسدي: أي بينا لهم، وأرادوا بذلك على ما قيل بيان طريقي الضلالة والرشد كما في قوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: ١٠] وهو أنسب بقوله تعالى: فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى أي فاختاروا الضلالة على الهدى فالظاهر في أنه بين لهم الطريقان فاختاروا أحدهما، وصرح ابن زيد بذلك فقد حكي عنه أنه قال: أي أعلمناهم الهدى من الضلال، وفسر غير واحد الهداية هنا بالدلالة أي فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل فاختاروا الضلال ولم يفسروها بالدلالة الموصلة لإباء ظاهر فَاسْتَحَبُّوا إلخ عنه.
واستدل المعتزلة بهذه الآية على أن الإيمان باختيار العبد على الاستقلال بناء على أن قوله تعالى: (هديناهم) دل على نصب الأدلة وإزاحة العلة، وقوله تعالى: فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى إلخ دل على أنهم بأنفسهم آثروا العمى.

صفحة رقم 365

والجواب كما في الكشف أن في لفظ الاستحباب ما يشعر بأن قدرة الله تعالى هي المؤثرة وأن لقدرة العبد مدخلا ما فإن المحبة ليست اختيارية بالاتفاق وإيثار العمى حبا وهو الاستحباب من الاختيارية، فانظر إلى هذه الدقيقة تر العجب العجاب، وإلى نحوه أشار الإمام الداعي إلى الله تعالى قدس سره، ومعنى كون المحبة ليست اختيارية إنها بعد حصول ما تتوقف عليه من أمور اختيارية تكون بجذب الطبيعة من غير اختيار للشخص في ميل قلبه وارتباط هواه بمن يحبه، فهي نفسها غير اختيارية لكنها باعتبار مقدماتها اختيارية، ولذلك كلفنا بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي طوق الحمامة لابن سعيد أن المحبة ميل روحاني طبيعي، وإليه يشير قوله عزّ وجلّ: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها [الأعراف: ١٨٩] أي يميل فجعل علة ميلها كونها منها، وهو المراد
بقوله عليه الصلاة والسلام: «الأرواح جنود مجندة»
وتكون المحبة لأمور أخر كالحسن والإحسان والكمال، ولها آثار يطلق عليها محبة كالطاعة والتعظيم، وهذه هي التي يكلف بها لأنها اختيارية فاعرفه. وقرأ ابن وثاب والأعمش وبكر بن حبيب «وأما ثمود» بالرفع مصروفا.
وقد قرأ الأعمش وابن وثاب بصرفه في جميع القرآن إلا في قوله تعالى: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ [الإسراء: ٥٩] لأنه في المصحف بغير ألف. وقرأ ابن أبي إسحاق وابن هرمز بخلاف عنه والمفضل، قال ابن عطية: والأعمش وعاصم وروي عن ابن عباس «ثمودا» بالنصب والتنوين، وروى المفضل عن عاصم الوجهين والمنع عن الصرف للعلمية والتأنيث على إرادة القبيلة، ومن صرفه جعله اسم رجل، والنصب على جعله من باب الإضمار على شريطة التفسير، ويقدر الفعل الناصب بعده لأن أما لا يليها في الغالب إلا اسم. وقرىء بضم الثاء على أنه جمع ثمد وهو قلة الماء فكأنهم سموا بذلك لأنهم كانوا يسكنون في الرمال بين حضرموت وصنعاء وكانوا قليلي الماء فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ أي الذل وهو صفة للعذاب أو بدل منه، ووصفه به مصدرا للمبالغة وكذا إضافة صاعقة إلى العذاب فيفيد ذلك أن عذابهم عين الهون وأن له صاعقة، والمراد بالصاعقة النار الخارجة من السحاب كما هو المعروف، وسبب حدوثها العادي مشهور في كتب الفلسفة القديمة وقد تكلم في ذلك أهل الفلسفة الجديدة المتداولة اليوم في بلاد الروم وما قرب منها فقالوا في كيفية انفجار الصاعقة: من المعلوم أن انطلاق الكهربائية التي في السحاب وهي قوة مخصوصة في الأجسام نحو قوة الكهرباء التي بها تجذب التبنة ونحوها إليها إنما يحصل باتحاد كهربائية الأجسام مع بعضها فإذا قرب السحاب من الأجسام الأرضية طلبت الكهربائية السحابية أن تتحد بالكهربائية الأرضية فتتبجس بينهما شرارة كهربائية فتصعق الأجسام الأرضية، وتتفاوت قوة الصاعقة باختلاف الاستحالة البخارية فليست في جميع البلاد والفصول واحدة، وأوضحوا ذلك بكلام طويل من أراده فليرجع إليه في كتبهم، وقيل: المراد بالصاعقة هنا الصيحة كما وردت في آيات أخر، ولا مانع من الجمع بينهما.
وقرأ ابن مقسم «الهوان» بفتح الهاء وألف بعد الواو بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من اختيار الضلالة على الهدى، وهذا تصريح بما تشعر به الفاء وَنَجَّيْنَا من تلك الصاعقة الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ بسبب إيمانهم واستمرارهم على التقوى، والمراد بها تقوى الله عز وجل، وقيل: تقوى الصاعقة والمتقي عذاب الله تعالى متق لله سبحانه وليس بذاك وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ شروع في بيان عقوباتهم الآجلة بعد ذكر عقوباتهم العاجلة، والتعبير عنهم بأعداء الله تعالى لذمهم والإيذان بعلة ما يحيق بهم من ألوان العذاب وقيل: المراد بهم الكفار من الأولين والآخرين.
وتعقب بأن قوله تعالى الآتي: فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [فصلت: ٢٥] كالصريح في إرادة الكفرة المعهودين، والمراد من قوله تعالى: إِلَى النَّارِ قيل: إلى موقف الحساب، والتعبير عنه بالنار للإيذان بأن النار عاقبة حشرهم وأنهم على شرف دخولها، ولا مانع من إبقائه على ظاهره والقول بتعدد الشهادة فتشهد

صفحة رقم 366

عليهم جوارحهم في الموقف مرة وعلى شفير جهنم أخرى، ويَوْمَ إما منصوب باذكر مقدر معطوف على قوله تعالى: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً [فصلت: ١٢] أو ظرف لمضمر مؤخر قد حذف إيهاما لقصور العبارة عن تفصيله، وقيل: ظرف لما يدل عليه قوله تعالى: فَهُمْ يُوزَعُونَ أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا وهو كناية عن كثرتهم، وقيل: يساقون ويدفعون إلى النار، والفاء تفصيلية. وقرأ زيد بن علي ونافع والأعرج وأهل المدينة «نحشر» بالنون «أعداء» بالنصب وكسر الأعرج الشين. وقرىء «يحشر» على البناء للفاعل وهو الله تعالى ونصب «أعداء الله» وقوله تعالى: حَتَّى إِذا ما جاؤُها أي النار جميعا غاية ليحشر أو ليوزعون أي حتى إذا حضروها، وما مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور لأنها تؤكد ما زيدت بعده فهي تؤكد معنى إذا، وإِذا دالة على اتصال الجواب بالشرط لوقوعهما فى زمان واحد، وهذا مما لا تعلق له بالنحو حتى يضر فيه أن النحاة لم يذكروه كما شنع به أبو حيان وأكد لأنهم ينكرونه، وفي الكلام حذف والتقدير حتى إذا ما جاؤوها وسألوا عما أجرموا فأنكروا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ واكتفى عن المحذوف بذكر الشهادة لاستلزامها إياه، ولا يأبى التقدير تأكيد الاتصال إذ يكفي للاتصال وقوع ذلك في مجلس واحد، والظاهر أن الجلود هي المعروفة، وقيل: هي الجوارح كني بها عنها، وقيل: كني بها عن الفروج، قيل: وعليه أكثر المفسرين منهم ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وفي الإرشاد أنه الأنسب بتخصيص السؤال في قوله تعالى: وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا فإن ما تشهد به من الزنا أعظم جناية وقبحا واجلب للخزي والعقوبة مما يشهد به السمع والأبصار من الجنايات المكتسبة بتوسطهما وفيه نظر ولعل إرادة الظاهر أولى، ولعل تخصيص السؤال بالجلود لأنها بمرأى منهم بخلاف السمع والبصر أو لأنها هي مدركة العذاب بالقوة المودعة فيها كما يشعر به قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ [النساء: ٥٦] قال الجلبي، ثم نقل عن العلامة الثاني في ذلك أن الشهادة من الجلود أعجب وأبعد إذ ليس شأنها الإدراك بخلاف السمع والبصر، وتعقبه بقوله: فيه نظر فإن الجلد محل القوة اللامسة التي هي أهم الحواس للحيوان كما أن السمع والبصر محل السامعة والباصرة والذي ينطق الأعيان دون الأعراض ثم إن اللامسة تشتمل على الذائقة التي هي الأهم بعد اللامسة، ثم قال: ويلوح بما قررناه وجه آخر للتخصيص فإن الأهمية للإنسان والاشتمال على أهم من غيرها يصلح أن يكون مخصصا، فانقلاب ما يرجون منه أكمل النفع أعجب ومثله أحق بالتوبيخ من غيره. واعترض عليه بأن رده على العلامة لم يصادف محزه إذ ليس المراد مما ذكره من أنها ليس من شأنها الإدراك إلا إدراك أنواع المعاصي التي يشهد عليها كالكفر والكذب والقتل والزنا مثلا وإدراك مثلها منحصر في السمع والبصر.
وأنت تعلم بعد طي كشح البحث في هذا الجواب أن ما ذكره العلامة لا يناسب ظاهر السؤال أعني لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا وأولى ما قيل من أوجه التخصيص: إن المدافعة عن الجلود أزيد من المدافعة عن السمع والبصر فإن جلد الإنسان الواحد لو جزىء لزاد على ألف سمع وبصر وهو يدافع عن كل جزء ويحذر أن يصيبه ما يشينه فكانت الشهادة من الجلود عليهم أعجب وأبعد عن الوقوع.
وفي الحديث- إن أول ما ينطق من الإنسان فخذه اليسرى ثم تنطق الجوارح فيقول: تبا لك فعنك كنت أدافع، ووجه إفراد السمع قد مر أول التفسير، ووجه الاقتصار على السمع والبصر والجلد أشار إليه أبو حيان قال: لما كانت الحواس خمسة السمع والبصر والشم والذوق واللمس وكان الذوق مندرجا في اللمس إذ بمماسة جلد اللسان الرطب للمذوق يحصل إدراك طعم المذوق وكان حس الشم ليس فيه تكليف لا أمر ولا نهي وهو ضعيف اقتصر من الحواس

صفحة رقم 367

على السمع والبصر واللمس، وللبحث فيه مجال. وكأني بك تختار أن المراد بالجلود ما سوى السمع والأبصار وأن ذكر السمع لما أنه وسيلة إدراك أكثر الآيات التنزيلية وذكر الأبصار لما أنها وسيلة إدراك أكثر الآيات التكوينية.
وقد أشير إلى كل في قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ على وجه، وأن شهادتهما فيما يتعلق بالكفر، فيشهد السمع عليهم أنهم كذبوا بالآيات التنزيلية التي جاء بها الرسل وسمعوها منهم، والأبصار أنهم لم يعبئوا بالآيات التكوينية التي أبصروها وكفروا بما تدل عليه، ولعل شهادة الجلود فيما يتعلق بما سوى الكفر من المعاصي التي نهى عنها الرسل عليهم السلام كالزنا مثلا، وجوز أن تكون شهادة السمع بإدراك الآيات التنزيلية والأبصار بإدراك الآيات التكوينية والجلود بالكفر بما يقتضيه كل وبالمعاصي الآخر، ولا بعد في شمول ما كانُوا يَعْمَلُونَ لإدراك الآيات والاحساس بها بقسميها فتدبر.
ولعل قوله تعالى: لِمَ شَهِدْتُمْ سؤال عن العلة الموجبة، وصيغة جمع العقلاء في شَهِدْتُمْ وما بعد مع أن المراد منه ليس من ذوي العقول لوقوع ذلك في موقع السؤال والجواب المختصين بالعقلاء. وقرأ زيد بن عليّ «لم شهدتن» بضمير المؤنثات قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ أي أنطقنا الله تعالى وأقدرنا على بيان الواقع فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح وما كتمنا، وحيث كان معنى السؤال لأي علة موجبة شهدتم؟ صلح ما ذكر جوابا له، وقيل: لا قصد هنا للسؤال أصلا وإنما القصد إلى التعجب ابتداء لأن التعجب يكون فيما لا يعلم سببه وعلته فالسؤال عن العلة المستلزم لعدم معرفتها جعل مجازا أو كناية عن التعجب، فقد قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب فكأنه قيل:
ليس نطقنا بعجب من قدرة الله تعالى الذي أنطق كل شيء وأيا ما كان فالنطق على معناه الحقيقي كما هو الظاهر وكذا الشهادة، ولا يقال: الشاهد أنفسهم والسمع والأبصار والجلود آلات كاللسان فما معنى شَهِدْتُمْ عَلَيْنا لأنه يقال: ليس المراد هذا النوع من النطق الذي يسند حقيقة إلى جملة الشخص ويكون غيره آلة بلا قدرة وإرادة له في نفسه حتى لو أسند إليه كان مجازا كإسناد الكتابة إلى القلم بل هو نطق يسند إلى العضو حقيقة فيكون نفسه ناطقا بقدرة وإرادة خلقهما الله تعالى فيه كما ينطق الشخص بالآلة، وكيف لا وأنفسهم كارهة لذلك منكرة له، وقيل: الناطق هم بتلك الأعضاء إلا أنهم لا يقدرون على دفع كونها آلات ولذا نسبت الشهادة عليهم إليها وليس بشيء، وجوز بعضهم أن يكون النطق مجازا عن الدلالة فالمراد بالشهادة ظهور علامات على الأعضاء دالة على ما كانت ملتبسة به في الدنيا بتغيير أشكالها ونحوه مما يلهم الله تعالى من رآه أنها تلبست به في الدنيا لارتفاع الغطاء في الآخرة، وهو خلاف ظاهر الآيات والأحاديث ولا داعي إليه، وعلى الظاهر لا بد من تخصيص كُلَّ شَيْءٍ بكل حي نطق إذ ليس كل شيء ولا كل حي ينطق بالنطق الحقيقي ومثل هذا التخصيص شائع، ومنه ما قيل في وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: ٢٨٤، آل عمران: ٢٩، المائدة: ١٩، ٤٠، التوبة: ٣٩] وتُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ [الأحقاف: ٢٥]، وجوز أن يكون النطق في أَنْطَقَنَا بمعناه الحقيقي ويحمل النطق في أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ على الدلالة فيبقى العام على عمومه ولا يحتاج إلى التخصيص المذكور ويكون التعبير بالنطق للمشاكلة وهو خلاف الظاهر، والموصول المشعر بالعلية يأباه إباء ظاهرا، وقوله تعالى: وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يحتمل أن يكون من تمام كلام الجلود ومقول القول ويحتمل أن يكون مستأنفا من كلامه عزّ وجلّ والأول أظهر، والمراد على كل حال تقرير ما قبله بأن القادر على الخلق أول مرة قادر على الانطاق، وصيغة المضارع إذا كان الخطاب يوم القيامة مع أن الرجع فيه متحقق لا مستقبل لما أن المراد بالرجع ليس مجرد الرد إلى الحياة بالبعث بل ما يعمه وما يترتب عليه من العذاب الخالد المرتقب عند التخاطب على تغليب المتوقع على الواقع، وجوز أن تكون لاستحضار الصورة مع ما في ذلك

صفحة رقم 368

من مراعاة الفواصل، وقوله تعالى: وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ حكاية لما سيقال لهم يومئذ من جهته تعالى بطريق التوبيخ والتقريع تقريرا لجواب الجلود، واستظهر أبو حيان أنه من كلام الجوارح وأَنْ يَشْهَدَ مفعول له بتقدير مضاف أي ما كنتم تستترون في الدنيا عند مباشرتكم الفواحش مخافة أو كراهة أن تشهد عليكم جوارحكم بذلك أي ليس استتاركم للخوف مما ذكر أو لكراهته وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ أي ولكن لأجل ظنكم أن الله تعالى لا يعلم كثيرا مما تعملون وهو ما عملتم خفية فلا يظهره سبحانه يوم القيامة وينطق الجوارح به فلذا سعيتم في الاستتار عن الخلق دون الخالق عزّ وجلّ أو هو بتقدير حرف جر متعلق بتستترون فقيل: هو الباء والمستتر عنه الجوارح، والمعنى ما استترتم عنها بملابسة أن تشهد عليكم أي تتحمل الشهادة إذ ما ظننتم أنها تشهد عليكم بل ظننتم أن الله سبحانه لا يعلم فلذا لم يكن استتاركم بهذا السبب، وقيل: هو عن والمعنى لم يمكنكم الاستتار عن الجوارح لئلا تتحمل الشهادة عليكم حين ترتكبون ما ترتكبون لكن ظننتم ما ظننتم.
وقيل: أَنْ تَشْهَدَ مفعول له والمستتر عنه الجوارح أي ما تستترون عن جوارحكم مخافة أن تشهد عليكم لكن ظننتم إلخ، وقيل: إن تَسْتَتِرُونَ ضمن معنى الظن فعدي تعديته أي ما كنتم تستترون ظانين شهادة الجوارح عليكم، ويؤيده قول قتادة: أي ما كنتم تظنون أن تشهد عليكم إلخ، والحق أن هذا بيان لحاصل المعنى.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وجماعة عن ابن مسعود قال: كنت مستترا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وثقفيان أو ثقفي وقرشيان كثير لحم بطونهم قليل عفة قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه فقال أحدهم:
أترون الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا يسمعه وإذا لم نرفع لم يسمع فقال الآخر: إن سمع منه شيئا سمعه كله قال: فذكرت ذلك للنبي ﷺ فأنزل الله تعالى وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ- إلى قوله سبحانه- مِنَ الْخاسِرِينَ
فالحكم المحكي حينئذ يكون خاصا بمن كان على ذلك الاعتقاد من الكفر لكنه قليل في الكفرة. وفي الإرشاد لعل الأنسب أن يراد بالظن معنى مجازي يعم معناه الحقيقي وما يجري مجراه من الأعمال المنبئة عنه كما في قوله تعالى: يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة: ٣] ليعم ما حكي من الحال جميع أصناف الكفرة فتدبر. وفي الآية تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن لا يمر عليه حال إلا بملاحظة أن عليه رقيبا كما قال أبو نواس:

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
وَذلِكُمْ إشارة إلى ظنهم المذكور في ضمن قوله سبحانه: ظَنَنْتُمْ وما فيه من معنى البعد للإيذان بغاية بعد منزلته في الشر والسوء، وهو مبتدأ وقوله تعالى: ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ بدل منه، وقوله سبحانه:
أَرْداكُمْ أي أهلككم خبره، وجوز أن يكون ظَنُّكُمُ خبر أو أَرْداكُمْ خبرا بعد خبر. ورده أبو حيان بأن ذلِكُمْ إشارة إلى ظنهم السابق فيصير التقدير وظنكم بربكم أنه لا يعلم ظنكم بربكم فما استفيد من الخبر هو ما استفيد من المبتدأ وهو لا يجوز كقولهم: سيد الجارية مالكها وقد منعه النحاة. وأجيب بأنه لا يلزم ما ذكر لجواز جعل الإشارة إلى الأمر العظيم في القباحة فيختلف المفهوم باختلاف العنوان ويصح الحمل كما في هذا زيد، ولو سلم فالاتحاد مثله في قوله: أنا أبو النجم وشعري شعري مما يدل على الكمال في الحسن كما في هذا المثال أو في القبح كما في الجملة المذكورة، وقيل: المراد منه التعجب والتهكم، وقد يراد من الخبر غير فائدة الخبر ولازمها. واختار

صفحة رقم 369

بعضهم في الجواب ما أشار إليه ابن هشام في شرح- بانت سعاد- وبسط الكلام فيه من أن الفائدة كما تحصل من الخبر تحصل من صفته وقيده كالحال، وجوز في جملة أَرْداكُمْ أن تكون حالا بتقدير قد أو بدونه، والموصول في جميع الأوجه صفة ظَنُّكُمُ وقيل: الثلاثة أخبار فلا تغفل فَأَصْبَحْتُمْ بسبب ذلك الظن السوء الذي أهلككم مِنَ الْخاسِرِينَ إذ صار ما أعطوا من الجوارح لنيل السعادة في الدنيا والآخرة لأن بها تعيشهم في الدنيا وإدراكهم ما يهتدون به إلى اليقين ومعرفة رب العالمين الموصل للسعادة الأخروية سببا للشقاء في الدارين حيث أداهم إلى كفران نعم الرازق والكفر بالخالق والانهماك في الغفلات وارتكاب المعاصي واتباع الشهوات فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ أي محل ثواء وإقامة أبدية لهم بحيث لا براح لهم منها، وترتيب الجزاء على الشرط لأن التقدير أن يصبروا والظن أن الصبر ينفعهم لأنه مفتاح الفرج لا ينفعهم صبرهم إذا لم يصادف محله فإن النار محلهم لا محالة، وقيل: في الكلام حذف والتقدير أو لا يصبروا كقوله تعالى: فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ [الطور: ١٦] وقيل: المراد فإن يصبروا على ترك دينك واتباع هواهم فالنار مثوى لهم وليس بذاك، والالتفات للإيذان باقتضاء حالهم أن يعرض عنهم ويحكي سوء حالهم للغير أو للإشعار بإبعادهم عن حيز الخطاب والقائهم في غيابة دركات النار وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا أي يسألوا العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبونه جزعا مما هم فيه فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ أي المجابين إليها.
وقال الضحاك: المراد إن يعتذروا فما هم من المعذورين: وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وموسى الأسواري «وإن يستعتبوا» مبنيا للمفعول «فما هم من المعتبين» اسم فاعل أي إن طلب منهم أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون ولا يكون ذلك لأنهم قد فارقوا الدنيا دار الأعمال كما
قال صلى الله عليه وسلم: «ليس بعد الموت مستعتب»
ويحتمل أن تكون هذه القراءة بمعنى قوله عزّ وجلّ: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الأنعام: ٢٨].
وَقَيَّضْنا لَهُمْ أي قدرنا، وفي البحر أي سببنا لهم من حيث لم يحتسبوا وقيل: سلطنا وكلنا عليهم قُرَناءَ جمع قرين أي أخدانا وأصحابا من غواة الجن، وقيل: منهم ومن الإنس يستولون عليهم استيلاء القيض وهو القشر على البيض، وقيل: أصل القيض البدل ومنه المقايضة للمعاوضة فتقييض القرين للشخص إما لاستيلائه عليه أو لأخذه بدلا عن غيره من قرنائه فَزَيَّنُوا لَهُمْ حسنوا وقرروا في أنفسهم ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قال ابن عباس: من أمر الآخرة حيث ألقوا إليهم أنه لا جنة ولا نار ولا بعث وَما خَلْفَهُمْ من أمر الدنيا من الضلالة والكفر واتباع الشهوات، وقال الحسن: ما بين أيديهم من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة، وقال الكلبي: ما بين أيديهم أعمالهم التي يشاهدونها وما خلفهم ما هم عاملوه في المستقبل ولكل وجهة، ولعل الأحسن ما حكي عن الحسن وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي ثبت وتقرر عليهم كلمة العذاب وتحقق موجبها ومصداقها وهي قوله تعالى لإبليس فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: ٨٥].
فِي أُمَمٍ حال من الضمير المجرور أي كائنين في جملة أمم، وقيل: فِي بمعنى مع ويحتمل المعنيين قوله:

إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكا ففي آخرين قد أفكوا
وفي البحر لا حاجة للتضمين مع صحة معنى في، وتنكير أُمَمٍ للتكثير أي في أمم كثيرة قَدْ خَلَتْ أي مضت مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ على الكفر والعصيان كدأب هؤلاء إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ تعليل لاستحقاقهم العذاب والضمير لهم وللأمم، وجوز كونه لهم بقرينة السياق وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من رؤساء المشركين لأعقابهم أو قال بعضهم لبعض: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ أي لا تنصتوا له.

صفحة رقم 370

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان النبي ﷺ وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون: لا تسمعوا لهذا القرآن
وَالْغَوْا فِيهِ وأتوا باللغو عند قراءته ليتشوش على القارئ، والمراد باللغو ما لا أصل له وما لا معنى له، وكان المشركون عند قراءته عليه الصلاة والسلام يأتون بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والأراجيز، وقال أبو العالية أي قعوا فيه وعيبوه، وفي كتاب ابن خالويه قرأ عبد الله بن بكر السهمي وقتادة وأبو حيوة وأبو السمال والزعفراني وابن أبي إسحاق وعيسى بخلاف عنهما «وألغوا» بضم الغين مضارع لغا بفتحها وهما لغتان يقال لغى يلغي كرضى يرضي ولغا يلغو كعدا يعدو إذا هذى، وقال صاحب اللوامح: يجوز أن يكون الفتح من لغى بالشيء يلغي به إذا رمى به فيكون فِيهِ بمعنى به أي ارموا به وانبذوه لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ أي تغلبونه على قراءته أو تطمون أمره وتميتون ذكره فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي فو الله لنذيقن هؤلاء القائلين، والإظهار في مقام الإضمار للإشعار بالعلية أو جميع الكفار وهم يدخلون فيه دخولا أوليا.
عَذاباً شَدِيداً لا يقادر قدره وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي جزاء سيئات أعمالهم التي هي في أنفسها أسوأ- فأفعل- للزيادة المطلقة، وقيل: إنه سبحانه لا يجازيهم بمحاسن أعمالهم كإغاثة الملهوفين وصلة الأرحام وقرى الأضياف لأنها محبطة بالكفر، والعذاب إما في الدارين أو في إحداهما، وعن ابن عباس عذابا شديدا يوم بدر وأسوأ الذي كانوا يعملون في الآخرة.
ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من الجزاء وهو مبتدأ وقوله تعالى: جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ خبره أي ما ذكر من الجزاء جزاء معد لأعدائه تعالى، وقوله سبحانه: النَّارُ عطف بيان لجزاء أو بدل أو خبر لمبتدأ محذوف.
وجوز أن يكون ذلك خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك وجَزاءُ مبتدأ والنَّارُ خبره، والإشارة حينئذ إلى مضمون الجملة السابقة، وقوله تعالى: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جملة مستقلة مقررة لما قبلها، وجوز أن يكون النَّارُ مبتدأ وهذه الجملة خبره أي هي بعينها دار إقامتهم على أن في للتجريد كما قيل: في قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] وقول الشاعر:
وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله مبالغة فيها، وجوز أن يقال: المقصود ذكر الصفة والدار إنما ذكرت توطئة فكأنه قيل: لهم فيها الخلود، وقيل: الكلام على ظاهره والظرفية حقيقية، والمراد أن لهم في النار المشتملة على الدركات دار مخصوصة هم فيها خالدون والأول أبلغ.
جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ منصوب بفعل مقدر أي يجزون جزاء أو بالمصدر السابق فإن المصدر ينتصب بمثله كما في قوله تعالى: فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً [الإسراء: ٦٣] والباء الأولى متعلقة بجزاء والثانية بيجحدون قدمت عليه لقصد الحصر الإضافي مع ما فيه من مراعاة الفواصل أي بسبب ما كانوا يجحدون بآياتنا الحقة دون الأمور التي ينبغي جحودها، وجعل بعضهم الجحود مجازا عن اللغو المسبب عنه أي جزاء بما كانوا بآياتنا يلغون وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم متقلبون فيما ذكر من العذاب.
رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنون فريقي شياطين النوعين المقيضين لهم الحاملين لهم على الكفر والمعاصي بالتسويل والتزيين،
وعن علي كرم الله وجهه وقتادة أنهما إبليس وقابيل فإنهما سببا الكفر والقتل بغير حق.
وتعقب بأنه لا يصح عن علي كرم الله تعالى وجهه فإن قابيل مؤمن عاص، والظاهر أن الكفار إنما طلبوا إراءة

صفحة رقم 371

المضلين بالكفر المؤدي إلى الخلود وكونهم رئيس الكفرة ورئيس أهل الكبائر خلاف الظاهر، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو بكر «أرنا» بالتخفيف كفخذ بالسكون في فخذ، وفي الكشاف «أرنا» بالكسر للاستبصار وبالسكون للاستعطاء ونقله عن الخليل، فمعنى القراءة عليه أعطنا اللذين أضلانا نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا ندوسهما بها انتقاما منهما، وقيل: نجعلهما في الدرك الأسفل من النار ليشتد عذابهما فالمراد نجعلهما في الجهة التي تحت أقدامنا، وقرىء في السبعة «اللذين» بتشديد النون وهي حجة على البصريين الذين لا يجوزون التشديد فيها في حال كونها بالياء وكذا في اللتين وهذين وهاتين لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ذلا ومهانة أو مكانا.
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ شروع في بيان حسن أحوال المؤمنين في الدنيا والآخرة بعد بيان سوء حال الكفرة فيهما أي قالوه اعترافا بربوبيته تعالى وإقرارا بوحدانيته كما يشعر به الحصر الذي يفيده تعريف الطرفين كما في صديقي زيد ثُمَّ اسْتَقامُوا ثم ثبتوا على الإقرار ولم يرجعوا إلى الشرك، فقد روي عن الصديق رضي الله تعالى عنه أنه تلا الآية وهي قد نزلت على ما روي عن ابن عباس ثم قال: ما تقولون فيها؟ قالوا: لم يذنبوا قال: قد حملتم الأمر على أشده قالوا: فما تقول؟ قال: لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وعن عمر رضي الله تعالى عنه استقاموا الله تعالى بطاعته لم يروغوا روغان الثعالب، وعن عثمان رضي الله تعالى عنه أخلصوا العمل،
وعن الأمير علي كرم الله وجهه أدوا الفرائض
، وقال الثوري: عملوا على وفاق ما قالوا، وقال الفضيل: زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية، وقال الربيع:
أعرضوا عما سوى الله تعالى، وفي الكشاف أي ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته وأراد أن من قال: ربي الله تعالى فقد اعترف أنه عزّ وجلّ مالكه ومدبر أمره ومربيه وأنه عبد مربوب بين يدي مولاه فالثبات على مقتضاه أن لا تزل قدمه عن طريق العبودية قلبا وقالبا ولا يتخطاه وفيه يندرج كل العبادات والاعتقادات ولهذا
قال ﷺ لمن طلب أمرا يعتصم به:
«قل ربي الله تعالى ثم استقم»
وذكر أن ما ورد عن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم جزئيات لهذا المعنى ذكر كل منها على سبيل التمثيل ولا يخفى أن كلام الصديق رضي الله تعالى عنه يبعد كون ما ذكره على سبيل التمثيل، ولعل ثُمَّ على هذا للتراخي الرتبي فإن الاستقامة عليه أعظم وأصعب من الإقرار وكذا يقال على أغلب التفاسير السابقة وجوز أن تكون للتراخي الزماني لأنها تحصل بعد مدة من وقت الإقرار، وجعلت على تفسير الاستقامة بأداء الفرائض أو بالعمل للتراخي الرتبي أيضا بناء على أن الإقرار مبدأ الاستقامة على ذلك ومنشؤها، وهذا على عكس التراخي الرتبي الذي سمعته أولا لأن المعطوف عليه فيه أعلى مرتبة من المعطوف إذ هو العمدة والأساس، وعلى ما تقدم المعطوف أعلى مرتبة من المعطوف عليه كما لا يخفى تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ من الله ربهم عزّ وجلّ الْمَلائِكَةُ قال مجاهد والسدي: عند الموت، وقال مقاتل: عند البعث، وعن زيد بن أسلم عند الموت وفي القبر وعند البعث، وقيل: تتنزل عليهم يمدونهم فيما يعن ويطرأ لهم من الأمور الدينية والدنيوية بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن بطريق الإلهام كما أن الكفرة يغويهم ما قيض لهم من قرناء السوء بتزيين القبائح، قيل: وهذا هو الأظهر لما فيه من الإطلاق والعموم الشامل لتنزلهم في المواطن الثلاث السابقة وغيرها، وقد قمنا لك أن جميعا من الناس يقولون:
بتنزل الملائكة على المتقين في كثير من الأحايين وأنهم يأخذون منهم ما يأخذون فتذكر.
أَلَّا تَخافُوا ما تقدمون عليه فإن الخوف غم يلحق لتوقع المكروه وَلا تَحْزَنُوا على ما خلفتم فإنه غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضار وروي هذا عن مجاهد، وقال عطاء بن أبي رباح: لا تخافوا رد حسناتكم فإنها مقبولة ولا تحزنوا على ذنوبكم فإنها مغفورة، وقيل: المراد نهيهم عن الغموم على الإطلاق.
والمعنى أن الله تعالى كتب لكم الأمن من كل غم فلن تذوقوه أبدا و (أن) إما مصدرية و (لا) ناهية أو

صفحة رقم 372

نافية وسقوط النون للنصب والخبر في موضع الإنشاء مبالغة، وإما مخففة من الثقيلة وتَتَنَزَّلُ مضمن معنى العلم ولا ناهية وأن في الوجهين مقدرة بالباء أي بأن لا تخافوا أو بأنه لا تخافوا والهاء ضمير الشأن. وإما مفسرة وتَتَنَزَّلُ مضمن معنى القول ولا ناهية أيضا.
وفي قراءة عبد الله «لا تخافوا» بدون (أن) أي يقولون لا تخافوا على أنه حال من الملائكة أو استئناف.
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ أي التي كنتم توعدونها في الدنيا على ألسنة الرسل عليهم السلام، هذا من بشاراتهم في أحد المواطن الثلاثة، وقوله تعالى: نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
إلى آخره من بشاراتهم في الدنيا أي أعوانكم في أموركم نلهمكم الحق ونرشدكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم، ولعل ذلك عبارة عما يخطر ببال المؤمنين المستمرين على الطاعات من أن ذلك بتوفيق الله تعالى وتأييده لهم بواسطة الملائكة عليهم السلام، ويجوز على قول بعض الناس أن تقول الملائكة لبعض المتقين شفاها في غير تلك المواطن: نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وَفِي الْآخِرَةِ
نمدكم بالشفاعة ونتلقاكم بالكرامة حين يقع بين الكفرة وقرنائهم ما يقع من الدعاوى والخصام.
وذهب بعض المفسرين على أن هذا من بشاراتهم في أحد المواطن الثلاثة أيضا على معنى كنا نحن أولياؤكم في الدنيا ونحن أولياؤكم في الآخرة، وقيل: هذا من كلام الله تعالى دون الملائكة أي نحن أولياؤكم بالهداية والكفاية في الدنيا والآخرة وَلَكُمْ فِيها
أي في الآخرة ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ
من فنون الملاذ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ
ما تتمنون وهو افتعال من الدعاء بمعنى الطلب أي تدعون لأنفسكم وهو عند بعض أعم من الأول لأنه قد يقع الطلب في أمور معنوية وفضائل عقلية روحانية، وقيل: بينهما عموم وخصوص من وجه إذ قد يشتهي المرء ما لا يطلبه كالمريض يشتهي ما يضره ولا يريده، وكون التمني أعم من الإرادة غير مسلم، نعم قيل: إذا أريد بالمتمنى ما يصح تمنيه لا ما يتمنى بالفعل فذاك.
وقال ابن عيسى: المراد ما تدعون أنه لكم فهو لكم بحكم ربكم وَلَكُمْ
في الموضعين خبر وما
مبتدأ وفِيها
حال من ضميره في الخبر وعدم الاكتفاء بعطف ما تَدَّعُونَ
على ما تَشْتَهِي
للإيذان باستقلال كل منهما نُزُلًا قال الحسن: منّا وقال بعضهم: ثوابا، وتنوينه للتعظيم وكذا وصفه بقوله تعالى: مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ والمشهور أن النزل ما يهيأ للنزيل أي الضيف ليأكله حين نزوله وتحسن إرادته هنا على التشبيه لما في ذلك من الإشارة إلى عظم ما بعد من الكرامة، وانتصابه على الحال من الضمير في الظرف الراجع إلى ما تَدَّعُونَ
لا من الضمير المحذوف الراجع إلى ما
لفساد المعنى لأن التمني والادعاء ليس في حال كونه نزلا بل ثبت لهم ذلك المدعي واستقر حال كونه نزلا، وجعله حالا من المبدأ نفسه لا يخفى حاله على ذي تمييز.
وقال ابن عطية: نُزُلًا نصب على المصدر، والمحفوظ أن مصدر نزل نزول لا نزل، وجعله بعضهم مصدرا لأنزل، وقيل: هو جمع نازل كشارف وشرف فينتصب على الحال أيضا أي نازلين، وذو الحال على ما قال أبو حيان:
الضمير المرفوع في تَدَّعُونَ
ولا يحسن تعلق مِنْ غَفُورٍ به على هذا القول فقيل: هو في موضع الحال من الضمير في الظرف فلا تغفل.
وقرأ أبو حيوة «نزلا» بإسكان الزاي وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ أي إلى توحيده تعالى وطاعته والظاهر العموم في كل داع إليه تعالى، وإلى ذلك ذهب الحسن ومقاتل وجماعة، وقيل: بالخصوص فقال ابن عباس:
هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنه أيضا هم أصحاب محمد ﷺ وقالت عائشة وقيس بن أبي حازم وعكرمة ومجاهد: نزلت

صفحة رقم 373

في المؤذنين، وينبغي أن يتأول قولهم على أنهم داخلون في الآية وإلا فالسورة بكمالها مكية بلا خلاف ولم يكن الأذان بمكة إنما شرع بالمدينة، والتزام القول بتأخر حكمها عن نزولها كما ترى، والظاهر أن المراد الدعاء باللسان، وقيل: به وباليد كأن يدعو إلى الإسلام ويجاهد، وقال زيد بن علي: دعا إلى الله بالسيف، ولعل هذا والله تعالى أعلم هو الذي حمله على الخروج بالسيف على بعض الظلمة من ملوك بني أمية، وكان زيد هذا رضي الله تعالى عنه عالما بكتاب الله تعالى وله تفسير ألقاه على بعض النقلة عنه وهو في حبس هشام بن عبد الملك وفيه من العلم والاستشهاد بكلام العرب حظ وافر.
ويقال: إنه كان إذا تناظر هو وأخوه محمد الباقر اجتمع الناس بالمحابر يكتبون ما يصدر عنهما من العلم رحمهما الله تعالى ورضي عنهما، والاستفهام في معنى النفي أي لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله وَعَمِلَ صالِحاً أي عملا صالحا أي عمل صالح كان.
وقال أبو أمامة: صلى بين الأذان والإقامة، ولا يخفى ما فيه، وقال عكرمة: صلى وصام، وقال الكلبي: أدى العرائض والحق العموم وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي تلفظ بذلك ابتهاجا بأنه منهم وتفاخرا به مع قصد الثواب إذ هو لا ينافيه أو جعل واتخذ الإسلام دينا له من قولهم: هذا قول فلان أي مذهبه ومعتقده، وبعضهم يرجع الوجهين إلى وجه واحد، والمعنى على القول بكون الآية خاصة بالنبي ﷺ اختار النسبة إلى الإسلام دون عز الدنيا وشرفها وهو قولهم رد لا تسمعوا لهذا القرآن وتعجب منه، وقرأ ابن أبي عبلة وإبراهيم بن نوح عن قتيبة الميال «وقال إنّي» بنون مشددة دون نون الوقاية.
واستدل أبو بكر بن العربي بالآية على عدم اشتراط الاستثناء في قول القائل: أنا مسلم أو أنا مؤمن. وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي للداعي إلى الله تعالى أن يكون عاملا عملا صالحا ليكون الناس إلى قبول دعائه أقرب وإليه أسكن.
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ جملة مستأنفة سيقت لبيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد إثر بيان محاسن الأعمال الجارية بين العبد والرب عزّ وجلّ ترغيبا لرسول الله ﷺ في الصبر على أذية المشركين ومقابلة إساءتهم بالإحسان، والحكم عام أي لا تستوي الخصلة الحسنة والسيئة في الآثار والأحكام، ولا الثانية مزيدة لتأكيد النفي مثلها في قوله تعالى: وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ [فاطر: ٢١] لأن استوى لا يكتفي بمفرد وقوله تعالى:
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ استئناف مبين لحسن عاقبة الحسنة أي ادفع السيئة حيث اعترضتك من بعض أعاديك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات كالإحسان إلى من أساء فإنه أحسن من مجرد العفو فأحسن على ظاهره والمفضل عليه عام ولذا حذف كما في الله تعالى أكبر، وإخراجه مخرج الجواب عن سؤال من قال: كيف أصنع؟ للمبالغة والإشارة إلى أنه مهم ينبغي الاعتناء به والسؤال عنه، وللمبالغة أيضا وضع أَحْسَنُ موضع الحسنة لأن من دفع بالأحسن هان عليه الدفع بما دونه، ومما ذكرنا يعلم أن ليس المراد بالحسنة والسيئة أمرين معينين.
وعن علي كرم الله تعالى وجهه الحسنة حب الرسول وآله عليهم الصلاة والسلام والسيئة بغضهم
، وعن ابن عباس الحسنة لا إله إلا الله والسيئة الشرك، وقال الكلبي: الدعوتان إليهما، وقال الضحاك: الحلم والفحش، وقيل: الصبر، وقيل: المدارة والغلظة، وقيل غير ذلك، ولا يخفى أن بعض المروي يكاد لا تصح إرادته هنا فلعله لم يثبت عمن روي عنه، وجوز أن يكون المراد بيان تفاوت الحسنات والسيئات في أنفسهما بمعنى أن الحسنات تتفاوت إلى حسن وأحسن والسيئات كذلك فتعريف الحسنة والسيئة للجنس ولا الثانية ليست مزيدة وأفعل على ظاهره، والكلام في ادْفَعْ إلخ على معنى الفاء أي إذا كان كل من الجنسين

صفحة رقم 374
روح المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي
تحقيق
علي عبد البارى عطية
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1415
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية