آيات من القرآن الكريم

رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ

تعالى: غافرُ الذَّنْبِ فَضْلاً، وقابِلُ التَّوْبِ وَعْداً، شَدِيدُ العقابِ عَدْلاً، لا إلَهَ إلاَّ هو إليه المصيرُ فَرْداً، وقال ابن عبَّاس: الطَّولُ: السَّعَةُ، والغِنى «١»، وتقلب الذين كفروا في البلاد:
عبارَةٌ عَنْ تَمَتُّعِهِمْ بالمَسَاكِنِ والمَزَارِعِ والأَسْفَارِ وغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ أي: لِيُهْلِكُوهُ، كما قال تعالى: فَأَخَذْتُهُمْ، والعربُ تقولُ لِلْقَتِيلِ: أُخِذَ، ولِلأَسيرِ كَذَلِكَ قال قتادة: لِيَأْخُذُوهُ معناه: ليقتلوه «٢»، ولِيُدْحِضُوا معناهُ ليُزْلِقُوا ويَذْهَبُوا، والمَدْحَضَةُ: المَزَلَّةُ، والمَزْلَقَةُ.
وقوله: فَكَيْفَ كانَ عِقابِ: تَعْجِيبٌ وتعظيمٌ، وليس باسْتفهامٍ عن كيفيّة وقوع الأمر.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦ الى ٩]
وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩)
وقوله سبحانه: «وكذلك حَقَّتْ كلمات رَبِّكَ عَلَى الذين كَفَرُواْ» الآية، في مصحفِ ابن مسعودٍ «وَكَذَلِكَ سَبَقَتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ» «٣» والمعنى: وَكَمَا أَخَذَتْ أولئك المَذْكُورِينَ فَأَهْلَكَتْهُمْ، فكذلك حَقَّتْ كلماتي على جميعِ الكُفَّارِ، مَنْ تَقَدَّمَ منْهُمْ ومَنْ تَأَخَّرَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّار.
وقوله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ... الآية، أَخْبَرَ اللَّهُ سبحانَهُ بِخَبَرٍ يتضمَّنُ تَشْرِيفَ المؤمنِينَ، ويُعظِّمُ الرَّجاءَ لهم، وهو أنَّ الملائِكَةَ الحَامِلِينَ لِلْعَرْشِ والذينَ/ حَوْلَ العَرْشِ وهؤلاءِ أفضلُ الملائِكَةِ يستغْفِرُونَ للمؤمنين، ويسألون اللَّهَ لَهُمُ الرَّحْمَةَ والجَنَّةَ وهذا معنى قوله تعالى في غير هذه الآية، كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا [الفرقان: ١٦] أي سأَلَتْهُ الملائكةُ، قال ع «٤» : وفَسَّرَ

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١/ ٣٩) برقم: (٣٠٢٧١)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٩٠)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٤٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٧٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٦٤٥)، وعزاه لابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «الأسماء والصفات».
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١/ ٤٠) برقم: (٣٠٢٧٧)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٩١) عن ابن عبّاس، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٤٧)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٦٤٦)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٥٤٧)، و «البحر المحيط» (٧/ ٤٣٢).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٥٤٧). [.....]

صفحة رقم 104

في هذه الآية المُجْمَلَ الذي في قوله تعالى: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ [الشورى:
٥] لأَنَّ الملائِكَةَ لا تستغفرُ لكافرٍ، وقد يجوز أن يُقَال: إنَّ استغفارَهم لهمُ بمعنى طَلَبِ هدايتِهم، وبلغني أنَّ رجُلاً قال لبعض الصالحين: ادع لي، واستغفر لي، فقالَ لَهُ: تُبْ، واتبع سَبِيلَ اللَّهِ يَسْتَغْفِرْ لَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وتلا هذه الآيَةَ، وقال مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ:
وَجَدْنَا أَنْصَحَ الْعِبَادِ لِلْعِبَادِ المَلاَئِكَةَ، وأغَشَّ العِبَادِ لِلْعِبَادِ الشَّياطِينَ «١»، وتلا هذه الآية، وروى جابر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: أذن لي أن أحدث عن ملك مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وعاتقه مسيرة سبعمائة سنة «٢»، قال الداوديّ: وعن هارونَ بْنِ ريابٍ قال:
حملةُ العَرْش ثمانيةٌ يَتَجاوبُونَ بصوْتٍ حَسَنِ، فأرْبَعَةٌ يقولونَ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ على حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وأَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ وبِحَمْدِكَ على عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ، انتهى.
وروى أبو داودَ عن جَابِرِ بن عبدِ الله، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أذن لي أن أحدث عن ملك مِنْ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ العَرْشِ، إنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إلَى عَاتِقِهِ [مَسِيرَةَ] سَبْعِمَائَةِ عَامٍ» «٣»، انتهى، وقد تقدَّم.
وقولهم: رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً معناه: وسِعتْ رَحْمَتُكَ وَعِلْمُكَ كُلَّ شَيْءٍ.
وقوله: «ومَنْ صَلَحَ من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم» : رُوِيَ عن سعِيدِ/ بْنِ جُبَيْرٍ في ذلك: أنَّ الرَّجُلَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَبل قَرَابَتِهِ، فَيَقُولُ: أَيْنَ أَبِي؟ أَيْنَ أُمِّي، أَيْنَ ابني، أَيْنَ زَوْجِي، فيلحقونَ بِهِ لصلاحهم ولتنبيه عليهم، وطَلَبِهِ إيَّاهُمْ، وهذه دَعْوَةُ المَلاَئِكَةِ «٤».
وقولهم: وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ معناه: اجْعَلْ لهم وِقَايَةً تقيهمُ السيئات، واللّفظ يحتمل

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١/ ٤٣) برقم: (٣٠٢٨٤)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٩٣)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٤٨)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٧٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٦٤٩)، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير.
(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٦٤٥) كتاب «السنة» باب: في الجهمية والمعتزلة (٤٧٢٧)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (١٠/ ١٩٤- ١٩٥) (٥٣٣٤).
وقال أبو نعيم في «الحلية» (٣/ ١٥٨) : غريب من حديث محمّد عن ابن عبّاس، لم نكتبه إلا من حديث جعفر عن ابن عجلان، وحديث جابر قد رواه عن محمّد غيره.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» : رواه الطبراني في «الأوسط» ورجاله رجال «الصحيح».
(٣) ينظر: المصدر السابق.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١/ ٤٢) برقم: (٣٠٢٨٢)، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤/ ٩٣)، وابن عطية في «تفسيره» (٤/ ٥٤٨)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٧٢).

صفحة رقم 105
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية