آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

طريق الجنة بعد اختيارهم الكفر وإصرارهم عليه، لا عن الحجة، إذ قد هداهم في الدنيا إليها.
٥- ذلكم العذاب وسببه هو ما كانوا يفرحون به من المعاصي، ويظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأتباع والصحة، وهو أيضا بسبب بطرهم وتكبرهم عن اتباع الحق وقبوله، واختيارهم الشرك وعبادة الأصنام.
٦- ويقال لهم يوم القيامة: ادخلوا أبواب جهنم السبعة المقسومة لكم، فبئس المأوى مأوى المتكبرين عن آيات الله واتباع دلائله على توحيده وقبول شرائعه.
الصبر والنصر
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٧٧ الى ٧٨]
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨)
الإعراب:
فَإِمَّا إن الشرطية مدغمة، وما: زائدة تؤكد معنى الشرط أول الفعل، والنون تؤكد آخره، وقد لحقت الفعل بناء على وجود «ما» ولا تلحقه النون مع «إن» وحدها. وجواب الشرط محذوف مثل: فذاك.
البلاغة:
أَرْسَلْنا رُسُلًا جناس الاشتقاق.
مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ طباق السلب.

صفحة رقم 165

المفردات اللغوية:
إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالعذاب وهلاك الكافرين حَقٌّ كائن لا محالة بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أي بعض ما نعدهم به من العذاب في الدنيا بالقتل والأسر أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن تراه أي قبل رؤية تعذيبهم فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ للعذاب الشديد يوم القيامة، فنجازيهم بأعمالهم، وهو جواب نَتَوَفَّيَنَّكَ. وهو يدل على شدة العذاب للاقتصار على ذكر الرجوع.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا.. قيل: إن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وروي أنه تعالى بعث ثمانية آلاف نبي: أربعة آلاف نبي من بني إسرائيل، وأربعة آلاف من سائر الناس.
والمذكور قصتهم: أشخاص معدودة.
وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لأنهم عبيد مربوبون لله، والمعجزات عطايا من الله بحسب حكمته فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ بنزول العذاب على الكفار في الدنيا والآخرة قُضِيَ بِالْحَقِّ بين الرسل ومكذبيهم، بإنجاء المحق وتعذيب المبطل وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ أي ظهرت خسارة المعاندين باقتراح الآيات، بعد وجود ما يغنيهم عنها.
المناسبة:
كان الكلام من أول السورة إلى هنا في تزييف طريقة المجادلين في آيات الله، ثم أمر الله تعالى هنا رسوله بالصبر على أذاهم وتكذيبهم، ووعده بالنصر عليهم، وإنزال العذاب على أعدائه.
التفسير والبيان:
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي فاصبر أيها الرسول على تكذيب بعض قومك، فإن وعد الله بالنصر عليهم والانتقام منهم كائن لا محالة، إما في الدنيا، وإما في الآخرة.
فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ أي إن نرك في حياتك أيها الرسول بعض ما نعدهم به من العذاب، كالقتل والأسر يوم بدر، ثم فتح مكة وسائر جزيرة العرب، فذاك ما يستحقونه، وقد تحقق ذلك في

صفحة رقم 166

حياته ص. أو نتوفينك قبل إنزال العذاب بهم، فإلينا مصيرهم يوم القيامة، فنذيقهم العذاب الشديد حينئذ، ونجازيهم على أعمالهم.
ونظير الآية: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ، فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ، فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ [الزخرف ٤٣/ ٤٢].
ثم قال الله تعالى مسليا رسوله ص:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ، مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ أي ولقد أرسلنا رسلا وأنبياء كثيرين من قبلك إلى أقوامهم، منهم من أنبأناك بأخبارهم وما لقوه من قومهم وهم خمسة وعشرون، ومنهم من لم نقصص عليك خبره، وهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف، كما قال تعالى:
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ، وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ..
[النساء ٤/ ١٦٤].
وأخرج الإمام أحمد عن أبي ذرّ قال: «قلت: يا رسول الله، كم عدد الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسة عشر، جمّا غفيرا».
والذين ذكرهم الله في القرآن من الرسل قريب من خمسة وعشرين رسولا.
وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي ولم يكن لواحد من الرسل أن يأتي قومه بمعجزة خارقة للعادة إلا أن يأذن الله له في ذلك، فيستدل حينئذ على صدقه فيما جاءهم به. والمراد بالآية: المعجزة الدالة على نبوته. وكان أقوام الأنبياء يقترحون على الأنبياء إظهار المعجزات عنادا وتعنتا.
فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ، وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ أي إذا حان الوقت المعين لعذابهم في الدنيا أو في الآخرة، قضي بالعدل فيما بينهم، فينجي الله بقضائه الحق عباده المرسلين المحقين والذين آمنوا معهم، ويهلك الكافرين الذين

صفحة رقم 167

يتبعون الباطل ويعملون به.
فما عليك يا محمد ص إلا الصبر، تأسيا بالأنبياء قبلك، وإذا جاء أمر الله بالفصل بينك وبين قومك، قضي بينكم بالحق، فنصرت، وخسر المبطلون من ملأ قريش الذين يصدّون عن دعوتك.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على أمور أربعة:
١- الأمر بالصبر للنبي ص تسلية له، وإعلامه بأن الله سينتقم له من قومه المكذبين لرسالته، إما في حياته، أو في الآخرة. وأمة النبي ص مأمورة مثله بالصبر.
٢- أرسل الله تعالى للأمم المتقدمة رسلا وأنبياء كثيرين، منهم من أخبر الله نبيه بأخبارهم وما لقوا من قومهم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ومنهم من لم يخبره الله بهم.
٣- ليس لنبي من قبل نفسه أن يأتي بآية بيّنة أو معجزة لإثبات نبوته وصدقه، إلا بإذن من الله وتيسير له بذلك، فإن المعجزة وهي الأمر الخارق للعادة لا يستطيعها إلا من اتصف بالقدرة الإلهية، وهو الله وحده الذي يظهر المعجز على يد نبي أو رسول لما يرى من الحكمة والصلاح.
٤- إذا جاء الوقت المسمى لعذاب المكذبين برسالة النبي في الدنيا أو في الآخرة، أهلكهم الله في الدنيا، وخسر في الآخرة المبطلون الذين يتبعون الباطل والشرك، وهذا وعيد شديد لهم.
وإنما يؤخر الله عنهم العذاب أحيانا ليترك الفرصة والمجال لإسلام من علم الله إسلامه منهم، ولمن في أصلابهم من المؤمنين.

صفحة رقم 168
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية