
الخلق). وقيل: الأشد: ثلاثة وثلاثون سنة.
قوله تعالى: ﴿هُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قضى أَمْراً﴾ - إلى قوله - ﴿فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾.
﴿فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ﴾، أي: فإذا أراد تكوين شيء وحدوثه فإنما يقول له كن، فيكون ما أراد تكوينه موجوداً بغير معاناة ولا كلفة. ولا مؤنة.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله أنى يُصْرَفُونَ﴾، (أي: ألم تر) يا محمد إلى هؤلاء المشركين الذين يخاصمونك في حجج الله تعالى وأدلته من أي وجه يصرفون عن الحق، ويعدلون عن الرشد.
قال ابن سيرين: (إن لم) تكن هذه الآية نزلت في القدرية فإني لا

أدري فيمن نزلت.
وروى هذا المعنى عقبة بن عامر الجهني عن النبي ﷺ.
وقال ابن زيد وغيره (من المفسرين): هم المشركون.
يدل على هذا قوله بعده: ﴿الذين كَذَّبُواْ بالكتاب وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ فهذا من صفتهم وهو تهدد ووعيد للمكذبين بكتاب الله سبحانه وبما جاء به الرسل.
ثم قال تعالى: ﴿إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل يُسْحَبُونَ * فِي الحميم﴾، المعنى: فسوف يعلمون إذا ثبتت الأغلال في أعناقهم ماذا ينزل بهم بعد ذلك من العذاب.
وجاءت " إذ " وهي لما مضى مع " سيوف " وهي لما مضى مع " سوف " وهي لما يستقبل، لأن أفعال الله جل ذكره بعباده في معادهم كالكائنة الحالة بهم لصحة وقوع ذلك وكونه. فأخبر عنها وهي لم تكن بلفظ ما قد كان، لصحة وقوعها وثبات كونها، فهي كالكائنة، فلذلك

اجتمعت " إذ " و " سوف ".
ولا يجوز هذا المعنى إلا من الله جل ذكره لأنه يعلم ما يكون في غدٍ كعلمه بما كان في أمس.
قال الحسن: ما في جهنم وادٍ ولا صغارٌ ولا غل ولا قيد ولا سلسلة إلا واسم صاحبه عليه مكتوب. ومن رفع السلاسل عطفها على الأغلال. ويتم الكلام على السلاسل. ويكون يسحبون مستأنفاً. فإن جعلته حالاً جاز، ولم تقف على السلاسل.
وقرأ ابن عباس: والسلاسل بالنصب. " يسحبون " بفتح الياء والتقدير أنه نصب السلاسل يسحبون.

قال ابن عباس: وذلك أشد عليهم، يكلفون أن يسحبوها ولا يطيقون.
وأجاز بعضهم والسلاسل بالخفض، عطف على الأعناق "، يحمله على المعنى. (لأن المعنى: أعناقهم في الأغلال والسلاسل، كما حمل على المعنى) قول الشاعر:
قد سالَمَ الحيّاتُ منه القدما | الأفعوان والشجاع الشجعما |
وعلى هذا أجاز الكوفيون: قاتل زيد عمراً العاقلان والعاقلين، يرفع العاقلين على النعت لهما، وينصبهما لأنهما فعالان في المعنى مفعولان.
وأجازوا صفحة رقم 6463

أيضاً: قاتل زيد عمرو برفعهما. وفي كتاب الزجاج أن التقدير في جواز خفض السلاسل وفي السلاسل يسحبون والحميم على تقدير: يسحبون في الحميم والسلاسل. ثم يقدم المعطوف على المخفوض. وهو غلط لأن المعطوف على ما فيه حرف الجر لا يقدم. لم يجز أحدٌ مررت وزيدٍ بعمرو. إنما أجازوا هذا / في المرفوع، نحو: قام وزيدٌ عمرو. استقبحوه في المنصوب، نحو: رايت وزيداً عمراً، ولم يجيزوه في المخفوض البتة لأن الفعل غير دال عليه.
ثم قال تعالى ﴿ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ﴾، قال السدي: يسجرون، يحرقون. وقال ابن زيد: توقد عليهم.
وأصله من الملء، يقال: سجرت الشيء إذا ملأته ومنه ﴿والبحر المسجور﴾ [الطور: ٦].

فيكون المعنى على هذا. ثم تملأ بهم النار، ومعناه، ثم تملأ بهم النار كما يملأ التنور بالحطب.
ثم قال تعالى: ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن دُونِ الله﴾، أي: يقال لهم أين الذين كنتم تشركون بعبادتكم إياهم من دون الله ينقذونكم مما أنتم فيه من العذاب؟! يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً على ما سلف منهم في الدنيا من عبادة غير الله سبحانه.
فأجاب المشركون عند ذلك ﴿ضَلُّواْ عَنَّا﴾، أي: عدلوا عنه فأخذوا غير طريقنا وتركونا في العذاب.
ثم استدركوا فقالوا: ﴿بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً﴾، أي: لم نكن نعبد في الدنيا شيئاً.
قال الله جل ذكره: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين﴾، أي: كما أضل هؤلاء الذين ضل عنهم في الآخرة ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله، كذلك يضل الله أهل الكفر به عنه وعن طاعته.
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ﴾، أي: ذلكم الذي حل بكم من العذاب بفرحكم في الدنيا بغير ما أمر الله تعالى به من المعاصي وبرمحكم فيها، والمرح: الأشر والبطر.

قال ابن عباس: الفرح هنا والمرح: الفخر والخيلاء والعمل في الأرض بالخطيئة وكان ذلك في الشرك، وهو مثل قوله في قارون: ﴿لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين﴾ [القصص: ٧٦].
ثم قال: ﴿ادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾، أي: أبواب جهنم السبعة ماكثين فيها إلى غير نهاية.
﴿فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾، أي: فجهنم بئس مثوى من تكبر في الدنيا عن عبادة الله تعالى وطاعته.
ثم قال تعالى: ﴿فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾، أي: فاصبر يا محمد على ما تلقى من مشركي قومك ومجادلتهم لك بغير الحق وتكذيبهم، إن الله منجز لك ما وعدك به من الظفر والنصر عليهم، وإحلال العذاب بهم.
﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ﴾ يا محمد في حياتك، ﴿بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ﴾ من العذاب، ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ قبل أن يحل بهم ذلك، ﴿فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾، أي: إلينا مصيرهم، فنحكم بينك وبينهم بالحق فنخلدهم في النار ونخلدك ومن اتبعك ومن آمن بك في (النعيم المقيم. وهذا كله وعيد من الله تعالى لقريش وتعزية للنبي ﷺ وتصبير له.