
موسى كاذبا في دعوى الرسالة فلا يضركم كذبه، فلأي شيء تقتلونه، فإن قيل: كيف قال:
وإن يك كاذبا بعد أن كان قد آمن به؟ فالجواب أنه لم يقل ذلك على وجه التكذيب له، وإنما قاله على وجه الفرض والتقدير، وقصد بذلك المحاجّة لقومه، فقسم أمر موسى إلى قسمين، ليقيم عليهم الحجة في ترك قتله على كل وجه من القسمين وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ قيل: إن بعض هنا بمعنى كل وذلك بعيد، وإنما قال بعض ولم يقل كل مع أن الذي يصيبهم هو كل ما يعدهم ليلاطفهم في الكلام، ويبعد عن التعصب لموسى، ويظهر النصيحة لفرعون وقومه، فيرتجى إجابتهم للحق وَقالَ الَّذِي آمَنَ هو المؤمن المذكور أولا، وقيل: هو موسى عليه السلام وهذا بعيد، وإنما توهموا ذلك لأنه صرح هنا بالإيمان، وكان كلام المؤمن أولا غير صريح بل كان فيه تورية وملاطفة لقومه، إذ كان يكتم إيمانه، والجواب: أنه كتم إيمانه أول الأمر، ثم صرح به بعد ذلك، وجاهرهم مجاهرة ظاهرة، لما وثق بالله حسبما حكى الله من كلامه إلى قوله «فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ» يَوْمَ التَّنادِ التنادي يعني: يوم القيامة وسمي بذلك لأن المنادي ينادي الناس، وذلك قوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ وقيل: لأن بعضهم ينادي بعضا، أي ينادي أهل الجنة أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا [الأعراف:
٤٤] وينادي أهل النار: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ [الأعراف: ٥٠] يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ أي منطلقين إلى النار، وقيل: هاربين من النار.
وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ قيل: هو يوسف بن يعقوب، وقيل: هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب، والبينات التي جاء بها يوسف لم تعيّن لنا، واختلف هل أدركه فرعون موسى أو فرعون آخر قبله لأن كل من ملك مصر يقال له فرعون قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كلامهم هذا لا يدل على أنهم مؤمنون برسالة يوسف، وإنما مرادهم: لم يأت أحد يدّعي الرسالة بعد يوسف، قاله ابن عطية، وقال الزمخشري:
إنما هو تكذيب لرسالة من بعده مضموم إلى تكذيب رسالته
الَّذِينَ يُجادِلُونَ بدل من مسرف مرتاب وإنما جاز إبدال الجمع من المفرد، لأنه في معنى الجمع، كأنه قال: كل مسرف كَبُرَ مَقْتاً فاعل كبر مصدر يجادلون، وقال الزمخشري: الفاعل ضمير من هو

مسرف الْأَسْبابَ هنا الطرق وقيل: الأبواب، وكررها للتفخيم وللبيان فَأَطَّلِعَ بالرفع «١» عطف على أبلغ وبالنصب بإضمار أن في جواب لعل، لأن الترجّي غير واجب، فهو كالتمني في انتصاب جوابه، ولا نقول: إن لعل أشربت معنى ليت كما قال بعض النحاة (تباب) أي خسران (متاع) أي يتمتع به قليلا، فإن قيل: لم كرر المؤمن نداء قومه مرارا؟
فالجواب: أن ذلك لقصد التنبيه لهم، وإظهار الملاطفة والنصيحة، فإن قيل: لم جاء بالواو في قوله ويا قوم في الثالث دون الثاني؟ فالجواب: أن الثاني بيان للأول وتفسير، فلم يصح عطفه عليه بخلاف الثالث، فإنه كلام آخر فصح عطفه عليه ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أي ليس لي علم بربوبيته والمراد بنفي العلم نفي المعلوم كأنه قال: وأشرك به ما ليس بإله، وإذا لم يكن إلها لم يصح علم ربوبيته لا جَرَمَ أي لا بد ولا شك لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ قال ابن عطية ليس له قدر ولا حق، يجب أن يدعى إليه كأنه قال: أتدعونني إلى عبادة ما لا خطر له في الدنيا، ولا في الآخرة، ويحتمل اللفظ أن يكون معناه: ليس له دعوة قائمة، أي لا يدعى أحد إلى عبادته فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا دليل على أن من فوض أمره إلى الله عز وجل كان الله معه النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها النار بدل من سوء العذاب، أو مبتدأ أو خبر مبتدأ مضمر، وعرضهم عليها من حين موتهم إلى يوم القيامة، وذلك مدّة البرزخ بدليل قوله:
ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، واستدل أهل السنة بذلك على صحة ما ورد من عذاب القبر، وروي أن أرواحهم في أجواف طيور سود تروح بهم وتغدو إلى النار غُدُوًّا وَعَشِيًّا قيل: معناه في كل غدوة وعشية من أيام الدنيا، وقيل: المعنى على تقدير: ما بين