قوله تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩)
أصل السداد: إزالة الاختلال، يقال: سددت الخرقَ. إذا ردمته.
والسهمَ إذا قومته، والفقرَ إذا أزلته، والسّداد ما يسدُّ به، والسداد
يُقال في معنى الفاعل، وفي معنى المفعول، ورجل سديد متردد
بين المعنيين، فإنه مسدد من قبل متبوعه، ومسدِّد لتابعه، وفي
الآية أقوال: الأول: أنه نهي للحاضرين عند الموصي أن يأمروه
بما لا يجوز الوصية به.
والثاني: أنه نهي لهم أن يأمروه بترك الوصية.
الثالث: ما قد رُوِي عن ابن عباس أن ذلك وارد في
الحث على حفظ مال اليتيم، وأن عليهم أن يعملوا فيه بمثل ما
يحبون في ذريّتهم بعد موتهم.
الرابع: أنه نهي للموصي أن يوصي بما لا يجوز.
وكُلُّ هذه الأقوال يصح أن تكون مرادة بالآية، لأنه واجب أن لا يوصي بأكثر من الثلث، وواجب على من يحضره أن يحثَّه على ذلك، وأن لا يُوصي بأكثر من الثلث، وأن لا يخلّ بالوصية.
إن قيل: لِمَ قال: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا)، ثم قال:
(فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ)؟ وهل بين الخشية والتقوى فرق؟
قيل: الخشية الاحتراز من الشيء بمقتضى العلم.
ولذلك وصف به العلماء في قوله تعالى:
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).
والتقوى جعل العبد نفسه في وقاية مما يخشاه، ولذلك قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) إلى قوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
فالخشية مبدأ التقوى، والتقوى غاية الخشية.
فأمر الله تعالى بمراعاة المبدأ والنهاية، إذ لا ينفع الأول دون الثاني.
ولا يحصل الثاني من