آيات من القرآن الكريم

وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

الثمن، والبنات الثلثين، والباقي ابني العم «١» وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أى قسمة التركة أُولُوا الْقُرْبى ممن لا يرث فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ الضمير لما ترك الوالدان والأقربون، وهو أمر على الندب قال الحسن: كان المؤمنون يفعلون ذلك، إذا اجتمعت الورثة حضرهم هؤلاء فرضخوا لهم بالشيء من رثة المتاع «٢». فحضهم اللَّه على ذلك تأديبا من غير أن يكون فريضة. قالوا: ولو كان فريضة لضرب له حدّ ومقدار كما لغيره من الحقوق، وروى أن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبى بكر رضى اللَّه عنه قسم ميراث أبيه وعائشة رضى اللَّه عنها حية؟ فلم يدع في الدار أحداً إلا أعطاه، وتلا هذه الآية. وقيل: هو على الوجوب. وقيل: هو منسوخ بآيات الميراث كالوصية. وعن سعيد بن جبير:
أن ناسا يقولون نسخت، وو اللَّه ما نسخت، ولكنها مما تهاونت به الناس. والقول المعروف أن يلطفوا لهم القول ويقولوا: خذوا بارك اللَّه عليكم، ويعتذروا إليهم، ويستقلوا ما أعطوهم ولا يستكثروه، ولا يمنوا عليهم. وعن الحسن والنخعي: أدركنا الناس وهم يقسمون على القرابات والمساكين واليتامى من العين، يعنيان الورق والذهب. فإذا قسم الورق والذهب وصارت القسمة إلى الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك، قالوا لهم قولا معروفا، كانوا يقولون لهم:
بورك فيكم.
[سورة النساء (٤) : آية ٩]
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩)

(١). هكذا أورده الثعلبي ثم البغوي بغير سند وقال الواحدي في الأسباب: قال المفسرون «إن أوس بن ثابت الأنصارى توفى وترك امرأة يقال لها أم كحة، وله منها ثلاث بنات. فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما عافجة وسويد فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته شيئاً ولا بناته. وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير، وإن كان ذكراً. وإنما يورثون الرجال الكبار. وكانوا يقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وحاز الغنيمة فجاءت أم كحة فذكره إلى آخره سواء. والظاهر أنه عنى بقوله «المفسرون» الكلبي ومقاتل وأشباههما وقد روى الطبري هذه القصة من طريق ابن جريج عن عكرمة على غير هذا السياق ولفظه «نزلت في أم كحة وثعلبة وأوس بن سويد وهم من الأنصار كان أحدهما زوجها والآخر عم ولدها. فقالت: يا رسول اللَّه توفى زوجي وتركني وابنته فلم نورث. فقال عم ولدها: إن ولدها لا يركب فرساً ولا يحمل كلا، ولا ينكأ عدواً. فنزلت (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) الآية وروى من طريق السدى قال: في قوله: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) - الآية كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من العلمان ولا يورثون إلا من أطاق القتال فمات عبد الرحمن أبو حسان الشاعر. وترك امرأة يقال لها أم كحة وترك خمس أخوات. فجاءت الورثة فأخذوا ماله فشكت أم كحة إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأنزل اللَّه (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) ثم قال في أم كحة (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) - الآية
(٢). قوله «من رثة المتاع»
في الصحاح: الرثة: السقط من متاع البيت من الخلقان، والجمع رثث، مثل قربة وقرب. (ع)

صفحة رقم 477

«لو» مع ما في حيزه صلة للذين. والمراد بهم: الأوصياء، أمروا بأن يخشوا اللَّه «١» فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى ويشفقوا عليهم، خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا وشفقتهم عليهم وأن يقدّروا ذلك في أنفسهم ويصوّروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة. ويجوز أن يكون المعنى: وليخشوا على اليتامى من الضياع. وقيل: هم الذين يجلسون إلى المريض فيقولون: إن ذريتك لا يغنون عنك من اللَّه شيئا، فقدم مالك، فيستغرقه بالوصايا، فأمروا بأن يخشوا ربهم، أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولاد أنفسهم لو كانوا. ويجوز أن يتصل بما قبله وأن يكون أمراً بالشفقة للورثة على الذين يحضرون القسمة من ضعفاء أقاربهم واليتامى والمساكين وأن يتصوّروا أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضائعين محتاجين، هل كانوا يخافون عليهم الحرمان والخيبة؟ فإن قلت: ما معنى وقوع لَوْ تَرَكُوا وجوابه صلة للذين؟ قلت: معناه:
وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا، وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم، كما قال القائل:

لَقَدْ زَادَ الْحَيَاةَ إلَىَّ حُبًّا بَنَاتِى إنَّهُنَّ مِنَ الضِّعَافِ
أُحَاذِرُ أَن يَرَيْنَ الْبُؤْسَ بَعْدِى وَأَنْ يَشْرَبْنَ رَنْقاً بَعْدَ صَافِى «٢»
وقرئ: ضعفاء. وضعافى، وضعافى. نحو: سكارى، وسكارى. والقول السديد من الأوصياء: أن لا يؤذوا اليتامى ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالأدب الحسن والترحيب، ويدعوهم بيا بنىّ ويا ولدى، ومن الجالسين إلى المريض أن يقولوا له إذا أراد الوصية: لا تسرف في وصيتك فتجحف بأولادك، مثل قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لسعد: «إنك إن تترك ولدك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس «٣» » وكان الصحابة رضى اللَّه عنهم يستحبون أن لا تبلغ الوصية الثلث وأن الخمس أفضل من الربع والربع أفضل من الثلث. ومن المتقاسمين ميراثهم أن
(١). قال محمود: «المراد الأوصياء أمروا بأن يخشوا اللَّه... الخ» قال أحمد: وإنما ألجأه إلى تقدير (تَرَكُوا) بقوله: شارفوا أن يتركوا لأن جوابه قوله: (خافُوا عَلَيْهِمْ) والخوف عليهم إنما يكون قبل تركهم إياهم وذلك في دار الدنيا، فقد دل على أن المراد بالترك الاشراف عليه ضرورة، وإلا لزم وقوع الجواب قبل الشرط وهو باطل، ونظيره (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أى شارفن بلوغ الأجل، ولهذا المجاز في التعبير عن المشارفة على الترك بالترك سر بديع، وهو التخويف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة ولا في الذب عن الذرية الضعاف، وهي الحالة التي وإن كانت من الدنيا إلا أنها لقربها من الآخرة ولصوقها بالمفارقة صارت من حيزها ومعبراً عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك، واللَّه أعلم.
(٢). تقدم شرح هذه الشواهد بصفحة ٤٠٤ من هذا الجزء فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٣). متفق عليه من حديث سعد بن أبى وقاص في قصة.

صفحة رقم 478
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية