آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (٨٩) إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (٩١) }
شرح الكلمات:
﴿لا إِلَهَ إِلا هُوَ١﴾ : لا معبود بحق إلا هو.
﴿فِئَتَيْنِ٢﴾ : جماعتين الواحدة فئة، أي: جماعة.
﴿أَرْكَسَهُمْ﴾ : الارتكاس: التحول من حال حسنة إلى حال سيئة؛ كالكفر بعد الإيمان، أو الغدر بعد الأمان وهو المراد هنا.
﴿سَبِيلاً﴾ : أي: طريقاً إلى هدايتهم.

١ اسم الجلالة: ﴿الله﴾ مبتدأ، و ﴿لا إله إلا الله﴾ جملة معترضة، وجملة القسم واقعة موقع الخبر.
٢ الفئة: الطائفة، اشتق لفظها من الفيء الذي هو الرجوع، إذ أفرادها يرجع بعضهم إلى بعض، وأصلها فيء، فحذفت الياء من وسطها لكثرة الاستعمال فصارت: فئة، بعد زيادة هاء التأنيث عوضاً عن الياء المحذوفة.

صفحة رقم 519

﴿وَلِيّاً وَلا نَصِيراً﴾ : الولي: من يلي أمرك، والنصير: من ينصرك على عدوك.
﴿يَصِلُونَ﴾ : أي: يتصلون بهم بموجب عقد معاهدة بينهم.
﴿مِيثَاقٌ﴾ : عهد.
﴿حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ : ضاقت.
﴿السَّلَمَ﴾ : الاستسلام والانقياد.
﴿الْفِتْنَةِ﴾ : الشرك.
﴿ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ : وجدتموهم متمكنين منهم.
﴿سُلْطَاناً مُبِيناً﴾ : حجة بين على جواز قتالهم.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى الآيات قبل هذه أنه تعالى المقيت والحسيب، أي: القادر على الحساب والجزاء، أخبر عز وجل أنه الله الذي لا إله إلا هو، أي: المعبود دون سواه لربوبيته على خلقه، إذ الإله الحق ما كان رباً خالقاً رازقاً مدبراً بيده كل شيء وإليه مصير كل شيء، وأنه جامع١ الناس ليوم لا ريب في إتيانه وهو يوم القيامة.
هذا ما دلت عليه الآية الكريمة: ﴿اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾، ولما كان هذا خبراً يتضمن وعداً ووعيداً أكد تعالى إنجازه، فقال: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً﴾ اللهم إنه لا أحد أصدق منك.
أما الآيات الأربع الباقية، وهي (٨٨) و (٨٩) و (٩٠) و (٩١) فقد نزلت لسبب معين وتعالج مسائل حربية معينة، أما السبب الذي نزلت فيه فهو اختلاف المؤمنين من أصحاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طائفة من المنافقين أظهروا الإسلام وهم ضليعون في موالاة الكافرين، وقد يكونون في مكة٢، وقد يكونون في المدينة، فرأى بعض الأصحاب أن من الحزم الضرب على أيديهم وإنهاء نفاقهم، ورأى آخرون تركهم والصبر عليهم ما داموا يدعون الإيمان لعلهم

١ قوله تعالى: ﴿ليجمعنكم﴾ جواب قسم، وهذا الجمع دلالة اللفظ أنه في القبور تحت الأرض ليبعثهم يوم القيامة، وقد تكون ﴿إلى﴾ صلة، ويكون الجمع هو جمع يوم القيامة.
٢ السياق الكريم صالح لأن تكون الفئتان المختلف فيهما من مكة أو من المدينة، وقد ورد في الصحيح اختلاف المؤمنين في ابن أبي، ومن وافقه، ورجع من أحد دون قتال حتى قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما يفني الكير خبث الحديد" كما ورد في غير الصحيح: أن جماعة في مكة تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، وأبوا أن يهاجروا فاختلف في شأنهم المؤمنون، ولا مانع من أن تعنى الآيات منافقي المدينة، ومنافقي مكة. إذ الخلاف وقع في كل منافقي مكة ومنافقي المدينة، ويرجح هذا الرأي صحة الخبر الأول وذكر الهجرة في الثاني.

صفحة رقم 520

بمرور الأيام يتوبون. فلما اختلفا واشتد الخلاف في شأنهم أنزل الله تعالى هذه الآيات فقال: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ١ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ٢ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾ ومعنى الآية، أي: شيء صيركم في شأن المنافقين فئتين؟ والله تعالى قد أركسهم في الكفر بسبب ما كسبوه من الذنوب العظام. أتريدون أيها المسلمون أن تهدوا من أضل الله، وهل يقدر أحد على هداية من أضله الله؟ وكيف، ومن يضلل الله حسب سنته في إضلال البشر لا يوجد له هادٍ، ولا سبيل لهدايته بحال من الأحوال.
ثم أخبر تعالى عن نفسية أولئك المنافقين المختلف فيهم فقال وهي الآية الثالثة (٨٩) ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ أي: أحبوا من قلوبهم كفركم لتكونوا مثلهم، وفيه لازم وهو انتهاء الإسلام، وظهور الكفر وانتصاره.
ومن هنا قال تعالى محرماً موالاتهم إلى أن يهاجروا فقال: ﴿فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ تعولون عليهم في نصرتكم على إخوانهم في الكفر. ظاهر هذا السياق أن هؤلاء المنافقين هم بمكة وهو كذلك. وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ٣﴾، لأن الهجرة إلى المدينة تقطع صلاتهم بدار الكفر فيفتر عزمهم ويراجعوا الصدق في إيمانهم فيؤمنوا فإن هاجروا ثم تولوا عن الإيمان الصحيح إلى النفاق الكفر فأعلنوا الحرب عليهم ﴿فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً﴾ ؛ لأنهم بارتكاسهم لا خير فيهم ولا يعول عليهم.
ثم في الآية (٩٠) استثنى لهم الرب تعالى صنفين من المنافقين المذكورين فلا يأخذونهم أسرى ولا يقاتلونهم، الصنف الأول الذين ذكرهم تعالى بقوله ﴿إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ﴾ أي: يلجأون ﴿إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ٤ مِيثَاقٌ﴾ فبحكم استجارتهم بهم طالبين الأمان منهم فأمنوهم أنتم حتى لا تنقضوا عهدكم. والصنف الثاني قوم ضاقت صدورهم بقتالكم،

١ جملة: ﴿والله أرْكَسَهم﴾ حالية.
٢ الاستفهام إنكاري، وهو دال على جملة محذوفة تقديرها: أنهم قد أضلهم الله.
٣ الهجرة: هجرتان، هي لمنافقي المدينة. الخروج إلى الغزو مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهجرة لمنافقي مكة، وهي إلى المدينة للإقامة بها. والهجرة أنواع: منها ترك المعاصي، لحديث: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ورسوله" ومنها هجرة الفساق وأهل البدع ليتوبوا من ذنوبهم.
٤ قد اختلف في هؤلاء الذين بينهم وبين المؤمنين ميثاق وما دامت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلا طائل تحت معرفتهم الآن، إذ العبرة أن في الآية دليل على جواز الموادعة بين أهل الحرب والمسلمين للضرورة.

صفحة رقم 521

وقتال قومهم فهؤلاء الذين يلم يستسيغوا قتالكم ولا قتال قومهم إن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فلا تأخذوهم ولا تقتلوهم واصبروا عليهم، إذ لو شاء الله تعالى لسلطهم عليكم فلقاتلوكم هذا الصنف هو المعنى بقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ فما دام الله تعالى قد كفهم عنكم فكفوا أنتم عنهم. هذا معنى قوله تعالى: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾. أي: المسالمة والمهادنة ﴿فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً١﴾. لأخذهم وقتالهم. هذا وهناك صنف آخر ذكر تعالى حكم معاملته في الآية الخامسة والأخيرة (٩١)، وهي قوله تعالى: ستجدون قوماً آخرين٢ غير الصنفين السابقين ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ٣﴾ فهم إذاً يلعبون على الحبلين كما يقال ﴿كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ﴾ أي: إلى الشرك ﴿أُرْكِسُوا فِيهَا﴾ أي: وقعوا فيها منتكسين، إذ هم منافقون، إذ كانوا معكم عبدوا الله وحده، وإذا كانوا مع قومهم عبدوا الأوثان لمجرد دعوة يدعونها يلبون فيرتدون إلى الشرك، وهو معنى قوله تعالى: ﴿كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾، وقوله تعالى: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾ أي: إن لم يعتزلوا قتالكم ويلقوا إليكم السلام، وهو الإذعان والانقياد لكم، ويكفوا أيديهم فعلاً عن قتالكم ﴿فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً﴾ أي: حجة واضحة على جواز أخذهم وقتلهم حيثما تمكنتم منهم وعلى أي حال. هذا ما دلت عليه الآيات الخمس مع العلم أن الكف عن قتال المشركين قد نسخ بآيات براءة إلا أن لإمام المسلمين أن يأخذ بهذا النظام عند الحاجة إليه فإنه نظام رباني ما أخذ به أحد وخاب أو خسر، ولكن خارج جزيرة العرب إذ لا ينبغي أن يجتمع فيها دينان.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب توحيد الله تعالى في عبادته.
٢- الإيمان بالبعث والجزاء.

١ ﴿سبيلا﴾ : أي: إذناً بقتالهم بعد أن أمركم بقتال غيرهم، حيث وجدتموهم ممكنين منهم.
٢ ﴿سَتَجِدوُن﴾ الوجدان هنا، بمعنى الإطلاع والعثور، أي: ستطلعون على قوم آخرين وصفهم كذا أو كذا.
٣ أي: لا هم لهم إلا حظوظ أنفسهم، ولا سعي لهم إلا في خويصيتهم، فهم يظهرون المودة للمسلمين ليأمنوهم ويظهروها لقومهم ليؤمنوا أيضاً، قيل: هم غطفان وبنو أسد، قبل أن يحسن إسلامهم، وبنو عبد الدار بمكة أيضاً. إذ كانوا يأتون المدينة مظهرين الإسلام، ثم إذا عادوا إلى مكة عبدوا الأصنام.

صفحة رقم 522
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية