آيات من القرآن الكريم

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ

والوَكِيلُ: القائمُ بالأمورِ المُصْلِحُ لما يُخَافُ مِنْ فسادها.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٢ الى ٨٤]
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣) فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤)
وقوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ... الآية: المعنى: أَفلا يتدبَّر هؤلاءِ المنافقُونَ كَلاَمَ اللَّه تعالى، فتظهر لهم براهِينُهُ، وتلُوح لهم أدلَّته، قُلْتُ: اعلم (رحمك اللَّه تعالى) أنَّ تدبُّر القرآن كفيلٌ لصاحبه بكُلِّ خير، وأما الهَذْرَمَة «١» والعَجَلَةُ، فتأثيرُها في القَلْب ضعيفٌ قال النوويُّ (رحمه اللَّه) : وقد كَرِهَ جماعةٌ من المتقدِّمين الخَتْمَ فِي يومٍ وليلةٍ ويدلُّ عليه ما رُوِّينَاهُ بالأسانيدِ الصَّحيحة في سُنَن أبي دَاوُد، والتِّرمذيِّ، والنَّسَائِيِّ وغيرها، عن عبد اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنَ العَاصِي، قال: قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ» «٢». انتهى.
قال ع «٣» : والتدبُّر هو النظر في أعقابِ الأُمُور وتأويلاتِ الأشياءِ، هذا كلّه يقتضيه قوله سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وهذا أمرٌ بالنَّظَرِ والاستدلال، ثم عَرَّف تعالى بِمَوْقِعِ الحُجَّة، أي: لو كان مِنْ كلامِ البَشَر، لَدَخَلَهُ مَا فِي البَشَرَ من القُصُور، وظهر فيه التناقُضُ والتنافِي الَّذي لا يُمْكِنُ جَمْعُه إذ ذلك موجودٌ في كلامِ البَشَرِ، والقرآنُ منزَّه عنه إذ هو كلامُ المحيطِ بِكُلِّ شيء سبحانه.
قال ع «٤» : فإن عرضَتْ لأحدٍ شبهةٌ، وظنَّ اختلافا في شَيْءٍ مِنْ كتابِ اللَّه، فالواجبُ أنْ يتَّهم نَظَرَهُ ويسأَلَ مَنْ هو أعلَمُ منه.
وقوله تعالى: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ... الآية: قال جُمْهور المفسِّرين: إن الآيةَ من المنافِقِينَ حَسْبما تقدَّم، والمعنى: أنَّ المنافقين كانوا يتشوَّفون إلى

(١) الهذرمة: كثرة الكلام، وهذرم الرجل في كلامه هذرمة إذا خلّط فيه، ويقال للتخليط: الهذرمة، ويقال:
هو السرعة في القراءة والكلام والمشي. ينظر: «لسان العرب» (٤٦٤٤).
(٢) تقدّم تخريجه. [.....]
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٨٣).
(٤) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٨٣).

صفحة رقم 268

سماع ما يسيء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا طَرَأَتْ لهم شبهةُ أَمْنٍ للمسلمينَ، أو فَتْحٍ عليهم، حَقَّرُوهَا وصَغَّروا شأنَها، وأذاعوا ذلك التحْقيرَ والتَّصْغِيرَ، وإذا طرأت لهم شُبْهَةُ خوفٍ للمسلمين أو مصيبة، عظّموها، وأذاعوا ذلك، وأَذاعُوا بِهِ: معناه: أَفْشَوْهُ، وهو فِعْلٌ يتعدى بحرفِ الجَرِّ وبنفسه أحياناً.
وقالت فرقة: الآية نزلَتْ في المنافقين، وفِيمَنْ ضَعُفَ جَلَدُه، وقَلَّتْ تجْرِبَتُهُ مِنَ المؤمنين/ وفي الصحيحِ مِنْ حديثِ عُمَرَ بْنِ الخطَّاب (رضي اللَّه عنه) أنه جَاءَ، وَقَوْمٌ فِي المَسْجِدِ، يَقُولُونَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم نِسَاءَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: لاَ، قَالَ عُمَرُ: فَقُمْتُ على بَابِ المَسْجِدِ، فَقُلْتُ: أَلاَ إنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه وسلّم لَمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ، فأنزَلَ اللَّه تعالى هذه الآيةَ «١».
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ... الآية قال: وَأَنَا الَّذِي استنبطته.
وقوله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ... الآية: المعنى: لو أمسكوا عن الخَوْض واستقصوا الأمرِ مِنْ قِبَلِ الرسولِ، وأولِي الأمْر، وهم الأَمَرَاءُ والعُلَمَاءُ، لَعَلِمَهُ طُلاَّبُهُ مِنْ أُولِي الأمْرِ، والبَحَثَةِ عنه، وهم مستنْبِطُوهُ كَمَا يُسْتَنْبَطُ الماءُ، وهو استخراجه مِنَ الأرْضِ.
وقوله سبحانه: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ... الآية: خِطَابٌ لجميعِ المؤمنينَ باتفاقٍ من المتأوِّلين، وقوله: إِلَّا قَلِيلًا هو مستثنى في قول جماعةٍ من قوله:
لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا، وقال ابن عَبَّاس، وابن زَيْدٍ: ذلك مستثنًى من قوله: «أَذَاعُوا بِهِ إلاَّ قليلاً»، ورجَّحه «٢» الطبريُّ «٣»، وقال قتادة: هو مستثنًى من قوله: «يستنبطُونَهُ إلا قليلاً» «٤».
ت: قال الدَّاوُوديُّ: قال أبو عُبَيْدة: وإنما كَرِهَ العلماءُ أن يجعلوا الاستثناء من

(١) أخرجه مسلم (٢/ ١١٠٥- ١١٠٨)، كتاب «الطلاق»، باب في الإيلاء، واعتزال النساء، وتخييرهن، حديث (٣٠/ ١٤٧٩).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٣٣٣)، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٤/ ١٨٦) برقم (١٠٠١٧- ١٠٠١٨)، وذكره ابن عطية (٢/ ٨٤)، والسيوطي (٢/ ٣٣٤).
(٣) ينظر: «تفسير الطبري» (٤/ ١٨٦).
(٤) أخرجه الطبري (٤/ ١٨٥- ١٨٦) برقم (١٠٠١٤- ١٠٠١٥)، وذكره ابن عطية (٢/ ٨٤)، والسيوطي (٢/ ٣٣٤)، وعزاه لعبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

صفحة رقم 269
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية