آيات من القرآن الكريم

وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ۖ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ۖ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا
ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ

مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني الجدب وغلاء السعر وقحط المطر يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أي من قوم محمد وأصحابه.
وقال بعضهم: معناه إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يعني الظفر والغنيمة، يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ف إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني بالقتل والهزيمة، يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، نزلت الذي حملتنا عليه يا محمد قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي الحسنة والسيئة كلها من عند الله.
ثم عيّرهم بالجهل.
فقال: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ يعني المنافقين واليهود لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أي ليسوا يفقهون قولا إلّا التكذيب بالنعمة.
قال الفراء: قوله فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ كذبوا في الكلام، حتى توهّموا إن اللام متصلة بها، وإنهما حرف واحد، ففصلوا اللام في هؤلاء في بعض المصاحف، ووصلوها في بعضها والاتصال بالقراءة، ولا يجوز الوقوف على اللام لأنّها لام خافضة.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٩ الى ٨٤]
ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٧٩) مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٨١) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)
فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤)
ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ أي من خير ونعمة فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ أي بلية وأمر تكرهه فَمِنْ نَفْسِكَ أي، من عندك وأنا الذي قدرتهما عليك، الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمراد به غيره، نظيره.
قوله وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من خدش بعود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر» «١» [٣٧٢].

(١) كنز العمّال: ٣/ ٣٤١، ح ٦٨٤٩، بتقديم وتأخير في العبارات، وبتمامه في تفسير مجمع البيان: ٣/ ١٣٨.

صفحة رقم 347

وروى الهروي عن سفيان بن سعيد عمن سمع الضحاك بن مزاحم يقول: ما حفظ الرجل القرآن ثم نسيه إلّا بذنب، ثم قرأ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قال: فنسيان القرآن أعظم المصائب.
وقال بعضهم: هذه الآية متصلة بما قبله، وتقديره: فما لهؤلاء القوم لم يكونوا يفقهون حديثا حتى يقولوا: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ؟ وتعلق أهل القدر بهذه الآية وقالوا: نفى الله السيئة عن نفسه بقوله وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ونسبها إلى العبد، فيقال لهم: إن ما حكى الله تعالى لنبيه من قول المنافقين، إنهم قالوا إذا أصابتهم حسنة، هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ف إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا: هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، لم يرد به حسنات الكسب، ولا سيئاته، لأن الذي منك فعل غيرك بك لا فعلك، ولذلك نسب إلى غيرك.
كما قال إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ «١»... وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ «٢» وكل هذه سبب من الأسباب لا من الكسب ألا ترى إنه نسبها إلى غيرك، ولم يذكر بذلك ثوابا ولا عقابا، فلما ذكر حسنات العمل والكسب وسيئاتهما نسبهما إليك وذكر فيها الثواب والعقاب.
كقوله مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها «٣» وكان ما حكى الله عن المنافقين من قولهم في الحسنات والسيئات لم يكن حسنات الكسب ولا سيئاته، ثم عطف عليه قوله ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ إلى نفسك فلم يكن بقوله فَمِنْ نَفْسِكَ مثبتا لما قد نفاه، ولا نافيا لما قد أثبته، لأن ذلك لا يجوز على الحكيم جل جلاله، لكن من السبب الذي استحق هذه المصيبة، وكان ذلك من كسبه، ومنه قوله وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فجعل هذه المصيبة جزاء للفعل فإذا أوقع الجزاء لم يوقعه إلّا على ما نسبه إلى العباد، كقوله جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ «٤» وقوله وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ليس فيه دليل على إنه لا يريد السيئة ولا يفعلها ولكن ما كان جزاء، فنسبته إلى العبد على [طريق] الجزاء.
وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ يا محمد رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على إنك رسول صادق.
وقيل فيك وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على أن الحسنة والسيئة كلها من الله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وذلك
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «من أطاعني فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ ومن أحبّني [أحبّه الله] «٥» » «٦» [٣٧٣]، فقال بعض المنافقين: ما يريد هذا الرجل إلّا أن نتّخذه ربا، كما في

(١) سورة آل عمران: ١٢٠.
(٢) الأعراف: ١٣١.
(٣) سورة الأنعام: ١٦٠. [.....]
(٤) سورة التوبة: ٨٢.
(٥) في المصدر: فقد أحبّ الله.
(٦) زاد المسير لابن الجوزي: ٢/ ١٥٨.

صفحة رقم 348

حديث النصارى لعيسى، فأنزل الله تعالى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فيما أمر به فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى عنه فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أي حافظا ورقيبا.
وقال القتيبي: محاسبا، فنسخ الله تعالى هذه الآية الشريفة، وأمره بقتال من خالف الله ورسوله وَيَقُولُونَ طاعَةٌ يعني المنافقين وذلك إنهم كانوا يقولون لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنّا آمنّا بك فمرنا من أمرك طاعة، وهم يكفرون به في السر، وقوله (طاعَةٌ) مرفوعة على معنى منّا طاعة وأمرك طاعة وكذلك قوله (لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ)
مرفوعة أي قولوا، سمعا وطاعة، وكذلك قوله فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ وليست مرتفعة إليهم بل مني مرتفعة على الوجه الذي ذكرت.
فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ أي خرجوا بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ أي زوّر وموّه وقيل هنا.
فقال قتادة والكلبي: بَيَّتَ أي غيّر وبدّل الذي عهد إليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم ويكون السبب معنى التبديل.
قال الشاعر:
بيّت قولي عبد المليك... قاتله الله عبدا كفورا «١»
وقال القتيبي وأبو عبيدة: (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) أي قالوا وقدروا ليلا غير الذي أعطوك نهارا، وكل شيء قدّر بليل من شر فهو تبييت.
قال عبيدة بن الهمام:
أتوني فلم أرض ما بيّتوا «٢»... وكانوا أتوني بشيء نكر
لأنكح أيّمهم منذرا... وهل ينكح العبد حر بحر «٣»
وقال النمر بن تولب:
هبت لتعذلني بليل أسمعي... سفها تبيتك الملامة فاهجعي
وقال أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش: يقول العرب للشيء إذا قدر قد بيّت، يشبهونه تقدير بيوت [الشعر].
وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ أي ما يغيرون ويزورون ويقدرون.
الضحاك عن ابن عباس: يعني ما تسرّون من النفاق فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ يا محمد فلا تعاقبهم وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا أي كفيلا، وثقة، وناصرا بالانتقام لك منهم، فنسخ الله

(١) تفسير القرطبي: ٥/ ٢٨٩، وتفسير الطبري: ٥/ ٣٦٨، وفيه: قاتلك الله عبدا كنودا.
(٢) تفسير الطبري: ٥/ ٢٤٣.
(٣) تفسير القرطبي: ٥/ ٢٨٩، ولسان العرب: ٥/ ٢٣٤.

صفحة رقم 349

تعالى قوله فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ «١» بالسيف وَالْمُنافِقِينَ بالكلام الغليظ.
فإن قيل: ما وجه الحكمة في [أعدائه] ذكر مهلهم. ثم قال (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) فصرف الخطاب من [جلهم] إلى بعضهم.
يقال: إذ إنما عبر عن حال من علم الله وبقي على كفره ونفاقه، فأما من علم أنه يرجع عن ذلك فإنه صفح عن ذكرهم، وقد قيل: إنه غير عن حال من أحوالهم قد تستّر في أمره، فأما من سمع وسكت فإنه لم يذكرهم، وفي قوله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ دليل على إبطال قول من زعم أنّ السنّة تعرض على الكتاب لم يعمل بها وذلك إن كل ما نص الله عز وجل، عليه فإنّما صار فرضا بالكتاب، فإذا عدم النص من الكتاب، وورد به السنّة فوجب إتباعها، ومن خالفها فقد خالف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن خالف رسول الله فقد خالف الله، لأن في طاعة الرسول طاعة الله، فمن زعم أنه لم يقبل خبره إلّا بعد أن يعرض على كتاب الله، فقد أبطل كلّ حكم ورد عنه ما لم ينصّ عليه الكتاب.
وأما قوله وَيَقُولُونَ طاعَةٌ ففيه دليل على أنّ من لم يعتقد الطاعة فليس بمطيع على الحقيقة، وذلك أن الله تعالى لمّا تحقّق طاعتهم فيما أظهروه، فقال: ويقولون ذلك لأنّه لو كان للطاعة حقيقة إلّا بالاعتقاد لحكم لهم بها [فثبت] أنه لا يكون المطيع مطيعا، إلّا باعتقاد الطاعة مع وجودها.
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يعني أفلا يتفكّرون في القرآن، فيرون بعضه يشبه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، وإن أحدا من الخلائق لم يكن يقدر عليه فسيعلمون بذلك إنه من عند الله إذ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً أي تفاوتا وتناقضا كثيرا هذا قول ابن عباس.
وقال بعضهم: وَلَوْ كانَ هو مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ أي في الإخبار عما غاب عنهم.
ما كان وما يكون اخْتِلافاً كَثِيراً، يعني تفاوتا بينا. إذا الغيب لا يعلمه إلّا الله فيعلم بذلك أنه كلام الله وأنّ محمدا رسول الله صادق، وفي هذه الآية دليل على أنّ القرآن غير مخلوق إذ هو معرى عن الأخلاق من كل الجهات ولو كان مخلوقا لكان لا يخلو من اختلاف وتفاوت.
وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ الآية، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون إلى الاستفسار عن حال السرايا فيفشون ويحدّثون به قبل أن يحدّث به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله وَإِذا جاءَهُمْ يعني المنافقين، أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ

(١) سورة التوبة: ٧٣.

صفحة رقم 350

[كظفر المسلمين وقتل عدوّهم] «١» أَوِ الْخَوْفِ كالهزيمة والقتل. أَذاعُوا بِهِ أي أشاعوه وأفشوه وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ أي وإن لم يحدّثوا به ولم يفشوه حتى يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الذي يحدّث به ويفشيه، وأولي الأمر أهل الرأي من الصحابة، مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ.
الكلبي عن أبي صالح وابن عباس، وعلي بن الحكم عن الضحاك: يَسْتَنْبِطُونَهُ أي يتّبعونه.
وقال عكرمة: يحرصون عليه ويسألون عنه، وقال ابن عبيدة والقتيبي: يخرجونه، ويقال:
استنبط استنبطه الماء إذا أخرجه.
[جويبر] عن الضحاك عن ابن عباس في قوله وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ إنّ المنافقين كانوا إذا أمروا بالقتال لم يطيعوا الله فيما أمرهم به، وإن نهاهم عن محارمه لم ينتهوا عنها، وإن أفضى الرسول إليهم سرا أذاعوا به إلى العدوّ ليلا بتكتّم، فأنزل الله تعالى ردّا عليهم وَلَوْ رَدُّوهُ يعني أمورهم في الحلال والحرام (إِلَى الرَّسُولِ) في التصديق به والقبول (وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) يعني حملة الفقه والحكمة لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ يعني الذين يفحصون عن العلم. ثم قال وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا أي معناه لاتّبعتم الشيطان كلّكم.
قال الضحاك: هم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم، يأمرهم بأمر من أمور الشيطان.
قال ابن عباس: فضل الله الإسلام ورحمته القرآن (لا تّبعتم الشيطان إلّا قليل) يعني بالقليل الذي امتحن الله قلوبهم يعني على هذا القول يكون قوله إِلَّا قَلِيلًا مستثنى من قوله لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ.
وقال بعضهم: في الآية تقديم وتأخير معناه: لعلمه الذين يستنبطونه إلّا قليلا.
وقال بعضهم: معناه: إذا أذاعوا به قليلا لم يذع ولم يفش، وهكذا قال الكلبي: واختار الفرّاء أيضا هذا القول. وقال: لأنّ علم الله فاعتبر علمه المستنبط وغيره، والإذاعة قد تكون في بعضهم دون بعض لذلك أستحسن الاستثناء من الإذاعة، وفي هذه الآية دليل ممن يحبون القول بالاجتهاد عند عدم النص.
قال الله تعالى وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فالعلم محيط بالاستنباط، ليس تلاوة.

(١) زيادة عن تفسير القرطبي لتقويم النص: ٥/ ٢٩١.

صفحة رقم 351

وإذا كان إدراكه بالاستنباط، فقد دل بذلك على أن من العلم ما يدرك بالتلاوة والرواية وهو النص.
ومنه ما يدرك منه ومن المعنى، وحقيقة الاعتبار والاستنباط من القياس للحكم بالمعاني المودعة في النصوص غير الحكم بالنصوص فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وذلك
أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما التقى هو وأبو سفيان بن حرب يوم أحد وكان من هربهم ما كان، ورجع أبو سفيان إلى مكة فواعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد قال الناس: اخرجوا إلى العدو.
فكرهوا ذلك كراهة شديدة أو بعضهم، فأنزل الله تعالى فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أي لا تدع جهاد العدو وإنصاف المستضعفين من المؤمنين ولو وحدك.
وقيل: معناه لا تلزم فعل غيرك ولا تؤخذ به ولم يرد بالتكليف الأمر لأنه يقتضي على هذا القول ألا يكون غيره مأمورا بالقتال.
والفاء في قوله (فَقاتِلْ) جواب عن قوله وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً فقاتل وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ على القتال أي حثّهم على الجهاد ورغّبهم فيه،
فتثاقلوا عنه ولم يخرجوا معه إلى القتال، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سبعين راكبا حتى أتى موسم بدر، فكفّ بهم الله تعالى بأس العدو ولم يوافقهم أبو سفيان ولم يكن له أن يوافق، فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.
وذلك قوله عَسَى اللَّهُ أي لعل الله أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي قتال المشركين وصولتهم حين ولّيتم وهي من الله واجب، حيث كان، وقد جاء في كلام العرب بمعنى اليقين.
قال ابن مقبل:

ظنّي أنهم كعسى «١»، وهم بنتوفة «٢» يتنازعون جوائز الأمثال
وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أي أشد صولة وأعظم سلطانا وأقدر على ما يريد وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا أو عقوبة.
فإن قيل: إذا كان من قولكم: إن عسى من الله واجب فقد قال الله عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ونحن نراهم في بأس وشدة، فأين ذلك الوعد؟ فيقال لهم: قد قيل: إن المراد به الكفرة الذين كفّ بأسهم في بدر الصغرى، والحديبية بقوله وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ الآية، فإن كان ظاهرها العموم فالمراد منها الخصوص.
(١) هكذا في الأصل وفي تفسير القرطبي: ٥/ ٢٩٤ والمصدر.
(٢) وهي القفز من الأرض، راجع لسان العرب: ٥/ ٣٢٧ والبيت فيه.

صفحة رقم 352
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية