آيات من القرآن الكريم

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ

قال: "إن ثابت بن قيس من القليل الذي استثنى الله تعالى".
قوله عز وجل: (وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٦٨)
بيّن أنهم لو قبلوا الموعظة لجمع لهم بين خير الدنيا والآخرة، وذلك هو المعني بقوله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى)
والصراط المستقيم الذي وعدهم هو الذي حرضَ على سؤاله في قوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).
وإنما قال: (مِنْ لَدُنَّا) لأنه تعالى لا يكاد ينسب إلى نفسه من النعم إلا ما
كان أجلَّها قدرًا وأعظمها خطرًا، نحو: وروحنا.
قوله عز وجل: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (٦٩)

صفحة رقم 1309

أصل الرفق: التفكُّر في الأمر والتثبُّت، ويضاده الخرق.
وقيل ذلك للمعاونة، ومنه الِمرفق والمَرفق، والرفقة
للجماعة المعاونة في السفر، والرفيق كالصديق، ويقالان للواحد والجمع.
والفرق بين الرسول والنبيّ أن الرسول أخصّ.
فكل رسول نبي وليس كل نبيّ رسولاً.
فإنّ الرسول يختص بمن جعله واسطة بينه وبين عباده
لتبيين أحكامٍ بوحيٍ مسموع عن مَلَكٍ.
والنبيّ قد يقال لمن يجدد علىْ الناس شريعة من تقدمّه
وإن كان يوحى إليه بإلهام أو منام.
وأخصّ من الرسول أولو العزم من الرسل.
وقد تقدّم ذكر ذلك،

صفحة رقم 1310

وقد قسّم الله تعالى المؤمنين في هذه الآية أربعة أقسام.
وجعل لهم أربعة منازل، بعضها دون بعض، وحثّ كافة الناس
أن لا يتأخروا عن منزل واحد منهم:
الأوّل: هم الأنبياء: الذين تمدهم قوة إلهية.
ومثلهم كمن يرى الشيء عيانًا من قريب.
ولذلك قال تعالى في صفة نبينا عليه الصلاة والسلام:
(أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى).
والثاني: الصديقون: وهم الذين يتاخمون الأنبياء في المعرفة.
ومثلهم كمن يرى الشيء عيانًا من بعيد.
وإياه عنى أمير المؤمنين حيث قيل: هل رأيت الله؟ فقال:
ما كنت لأعبد شيئًا لم أره، ثم قال: لم تره العيون بشواهد العيان.
ولكن رأته القلوب بحقائق الإِيمان.
والثالث: الشهداء: وهم الذين يعرفون الشيء بالبراهين، ومثلهم كمن يرى الشيء في المرآة من مكان قريب، كحال حارثة، حيث قال: كأني

صفحة رقم 1311

أرى عرش ربي. وإياه قصد النبي - ﷺ -، حيث قال: "اعبد الله كأنك تراه ".
والرابع: الصالحون: وهم الذين يعلمون الشيء بإقناعات وتقليدات للراسخين في العلم، ومثلهم كمن يرى

صفحة رقم 1312

الشيء من بعيد في مرآة، وإياه قصد النبي - ﷺ - بقوله: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
أي كن من الشهداء بما تكتسبه من العلم والعمل الصالح.
فإن لم تكن منهم فكن من الصالحين.
وتقدير الآية على وجهين:
أحدهما: من أطاع الله ورسوله منكم ألحقه الله بالذين يقدمهم ممن أنعم عليهم من الفرق الأربع في المنزلة والثواب.
النبي بالنبي والصديق بالصديق، والشّهيد بالشّهيد والصّالح بالصالح،.
والثاني: أن قوله: (مِنَ النَّبِيِّينَ) يتعلق بقوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ)، وقوله: (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) إشارة إلى الملأ الأعلى، ثم قال: (وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) ويبين ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام في
حين الموت: "اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى"، وهذا

صفحة رقم 1313

ظاهر، وهذه الآية كأنها مردودة إلى ما تقدّم من قوله: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فلما تمّم القصة بيّن ما لمطيعهم من الثواب
بهذه الآية، ورُوِي أن رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي - ﷺ - كئيبًا، فقال: يا رسول الله نحن نغدو عليك ونروح ننظر في وجهك
ونجالسك، وغدًا ترفع إلى النبيين فلا نصل إليك. فسكت النبي
- ﷺ - فجاءه جبريل عليه السلام بهذه الآية.

صفحة رقم 1314

قوله عز وجل: (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا).
لما كانت نعم الله تعالى ضربين: دنيويًّا ولا يصل إلينا من الله إلا
بواسطة، أو وسائط كالمال والجاه وغير ذلك. وأخرويًّا يصل
إلينا - لا بواسطة، بين الله تعالى أن ذلك الفضل الذي ذكره بقوله:
(أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) هو من الله علِي الإِطلاق، فنُسبَ إلى نفسه
تفخيمًا لأمره، كما قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).
وقوله: (فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا) ونحو ذلك، فخبر الابتداء على
هذا هو (مِنَ اللَّهِ)، ويجوز أن يكون مبتدأ، و (الْفَضْلُ)
خبره، كقولك: ذاك هو الرجل، ، وهذا هو المال، تنبيهًا على
كماله، فإن الشيء إذا عظم أمره يوصف باسم جنسه، كقوله:
(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ).
ويكون قوله: (مِنَ اللَّهِ) في موضع الحال، أو خبر ابتداء مضمر، ثم قال:

صفحة رقم 1315
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية