
والآية من تمام القصة الأولى، ومن الأشياء التي
دعوا إليها فصدّوا عنها آيات القتال، كقوله تعالى: (فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ).
والتأكيد بالمصدر كقوله: (يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)
(وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) هو أن الفعل له حقيقة
ما وتجوُّزٌ به كاستعماله في بعض ما وُضِعَ له أو في غير ما وُضِعَ
له، وإذا أريد أن يبين أنه مستعمل على وجهه وحقيقته ضُمَّ إليه
مصدره. هذا فائدته.
قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (٦٢)
رُوِي أن ذلك المنافق مع اليهودي لما تحاكما إلى النبي - ﷺ - فحكم لليهودي قال المنافق: لا أرضى بذلك.
ثم "تحاكما إلى أبي بكر فكان كمثل، ثم تحاكما إلى عمر.
فقال المنافق: كان من الأمر كذا، فقال له عمر: قفا لأخرج إليك.
فدخل وأخذ السيف فخرج وقتله،

فشكوا إلى النبي - ﷺ - فلما سأله؟
قال عمر: قتلته لأنه ردَّ حكمك، فقال - ﷺ -:
"أنت الفاروق ".
ثم جاء أصحابه إلى النبي - ﷺ - يحلفون
كذبًا إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا.
إن قيل: ما المسئول عنه بقوله: كيف؟
وما الذي يتعلق به إذا؟ وعلى ماذا عطف قوله: (ثُمَّ جَاءُوكَ)؟
وأيّ مصيبة أريدت بذلك: التي نالتهم في الدنيا
بقتل صاحبهم أم شيء منتظر؟
قيل: أما المسئول عنه فمحذوف كما حُذِفَ في قوله: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ)، وبقوله: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ)
وتقديره: كيف حالهم ومقالهم؟
وأما إذا فإنه يتعلق بذلك المضمر.
وأما قوله: (ثُمَّ جَاءُوكَ) فمعطوف على قوله: (أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ)،

وتقديره: كيف حالهم إذا أصابتهم مصيبة بما قدّمت أيديهم
بارتكابهم وبمجيئهم من بعد إليك حالفين كذبًا: إننا ما أردنا إلا
إحسانًا وتوفيقًا، وأما المراد بالصيبة المذكورة فما ينالهم في الآخرة
من العذاب والحسرة والندامة، فيقول: إن تألَّموا من هذه فكيف
تألمُهم إذا أصابتهم مصيبة في الآخرة، وقد تقدَّم أن الإِحسان
هو الفضل الموفي على العدالة، والتوفيق: موافقة أمر الله
والرضا بقضائه، وهما غاية ما يراد من الإِنسان، فنبه أنهم