
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿لَو تسوّى بهم الأَرْض﴾ يَعْنِي أَن تستوي الأَرْض الْجبَال عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة يَقُول: ودوا لَو انخرقت بهم الأَرْض فساخوا فِيهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج ﴿لَو تسوّى بهم الأَرْض﴾ تَنْشَق لَهُم فَيدْخلُونَ فِيهَا فتسوي عَلَيْهِم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: أَرَأَيْت أَشْيَاء تخْتَلف على من فِي الْقُرْآن فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا هُوَ أَشك فِي الْقُرْآن قَالَ: لَيْسَ شكّ وَلكنه

اخْتِلَاف
قَالَ: هَات مَا اخْتلف عَلَيْك من ذَلِك
قَالَ: اسْمَع الله يَقُول (ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا أَن قَالُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين) (الْأَنْعَام الْآيَة ٢٣) وَقَالَ ﴿وَلَا يكتمون الله حَدِيثا﴾ فقد كتموا واسمعه يَقُول (فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون) (الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة ١٠١) ثمَّ قَالَ (وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون) (الصافات الْآيَة ٢٧) وَقَالَ (أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت الْآيَة ٩) حَتَّى بلغ (طائعين) فَبَدَأَ بِخلق الأَرْض فِي هَذِه الْآيَة قبل خلق السَّمَاء ثمَّ قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى (أم السَّمَاء بناها) (النازعات الْآيَة ٢٧) ثمَّ قَالَ (وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها) (النازعات الْآيَة ٣٠) فَبَدَأَ بِخلق السَّمَاء فِي هَذِه الْآيَة قبل خلق الأَرْض واسمعه يَقُول (وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيماً) (وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما) (وَكَانَ الله سميعاً بَصيرًا) فَكَأَنَّهُ كَانَ ثمَّ مضى
وَفِي لفظ مَا شَأْنه يَقُول (وَكَانَ الله)
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أما قَوْله (ثمَّ لم تكن فتنتهم إِلَّا أَن قَالُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين) (الْأَنْعَام الْآيَة ٢٣) فَإِنَّهُم لما رَأَوْا يَوْم الْقِيَامَة وَأَن الله يغْفر لأهل الْإِسْلَام وَيغْفر الذُّنُوب وَلَا يغْفر شركا وَلَا يتعاظمه ذَنْب أَن يغفره جَحده الْمُشْركُونَ رَجَاء أَن يغْفر لَهُم فَقَالُوا: وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين فختم الله على أَفْوَاههم وتكلمت أَيْديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ فَعِنْدَ ذَلِك يود الَّذين كفرُوا لَو تسوّى بهم الأَرْض وَلَا يكتمون الله حَدِيثا
وَأما قَوْله (فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون) (الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة ١٠١) فَهَذَا فِي النفخة الأولى (وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله) (الزمر الْآيَة ٦٨) فَلَا أَنْسَاب بَينهم عِنْد ذَلِك وَلَا يتساءلون (ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ) (الزمر الْآيَة ٦٨) (وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون) (الصافات الْآيَة ٢٧)
وَأما قَوْله (خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت الْآيَة ٩) فَإِن الأَرْض خلقت قبل

السَّمَاء وَكَانَت السَّمَاء دخاناً فسوّاهن سبع سموات فِي يَوْمَيْنِ بعد خلق الأَرْض
وَأما قَوْله (وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها) (النازعات الْآيَة ٦) يَقُول: جعل فِيهَا جبلا جعل فِيهَا نَهرا جعل فِيهَا شَجرا وَجعل فِيهَا بحوراً
وَأما قَوْله (وَكَانَ الله) فَإِن الله كَانَ وَلم يزل كَذَلِك وَهُوَ كَذَلِك (عَزِيز حَكِيم) (عليم قدير) ثمَّ لم يزل كَذَلِك فَمَا اخْتلف عَلَيْك من الْقُرْآن فَهُوَ يشبه مَا ذكرت لَك وَأَن الله لم ينزل شَيْئا إِلَّا وَقد أصَاب بِهِ الَّذِي أَرَادَ وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك أَن نَافِع بن الْأَزْرَق أَتَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس قَول الله ﴿يَوْمئِذٍ يود الَّذين كفرُوا وعصوا الرَّسُول لَو تسوّى بهم الأَرْض وَلَا يكتمون الله حَدِيثا﴾ وَقَوله (وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين) (الْأَنْعَام الْآيَة ٢٣) فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: إِنِّي أحسبك قُمْت من عِنْد أَصْحَابك فَقلت: ألقِي على ابْن عَبَّاس متشابه الْقُرْآن فَإِذا رجعت إِلَيْهِم فَأخْبرهُم أَن الله جَامع النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي بَقِيع وَاحِد
فَيَقُول الْمُشْركُونَ: إِن الله لَا يقبل من أحد شَيْئا إِلَّا مِمَّن وَحَّدَهُ
فَيَقُولُونَ: تَعَالَوْا نقل
فيسألهم فَيَقُولُونَ (وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين) (الْأَنْعَام الْآيَة ٢٣) فيختم على أَفْوَاههم وتستنطق بِهِ جوارحهم فَتشهد عَلَيْهِم أَنهم كَانُوا مُشْرِكين فَعِنْدَ ذَلِك تمنوا لَو أَن الأَرْض سوّيت بهم وَلَا يكتمون الله حدثياً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن حُذَيْفَة قَالَ: أُتِي بِعَبْد آتَاهُ الله مَالا فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عملت فِي الدُّنْيَا - وَلَا يكتمون الله حَدِيثا - فَقَالَ: مَا عملت من شَيْء يَا رب إِلَّا أَنَّك آتيتني مَالا فَكنت أبايع النَّاس وَكَانَ من خلقي أَن أنظر الْمُعسر قَالَ الله: أَنا أَحَق بذلك مِنْك تجاوزوا عَن عَبدِي
فَقَالَ أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ: هَكَذَا سَمِعت من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس ﴿وَلَا يكتمون الله حَدِيثا﴾ قَالَ: بجوارحهم