آيات من القرآن الكريم

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ

يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ تَبْقَى لَهُ بَلْ يُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَيُضَعِّفُهَا لَهُ، فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ ﴿حَسَنَةٌ﴾ بِالرَّفْعِ، أَيْ: وَإِنْ تُوجَدُ حَسَنَةٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: وَإِنْ تَكُ زِنَةُ الذَّرَّةِ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، أَيْ: يَجْعَلُهَا أَضْعَافًا كَثِيرَةً. ﴿وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرًا عَظِيمًا فَمَنْ يُقَدِّرُ قَدْرَهُ؟.
﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢) ﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ [أَيْ: فَكَيْفَ الْحَالُ وَكَيْفَ يَصْنَعُونَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ] (١) يَعْنِي: بِنَبِيِّهَا يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِمَا عَمِلُوا، ﴿وَجِئْنَا بِكَ﴾ يَا مُحَمَّدُ، ﴿عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ عَلَى مَنْ رَآهُ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عنه ٨٥/ب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اقْرَأْ عَلَيَّ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى إِذَا أَتَيْتُ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ قَالَ: "حَسْبُكَ الْآنَ" فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ (٢).
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ﴾ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ "تَسَّوَّى " بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ عَلَى مَعْنَى تَتَسَوَّى، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ فِي السِّينِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى حَذْفِ تَاءِ التَّفَعُّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ" (هُودٍ -١١) وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى الْمَجْهُولِ، أَيْ: لَوْ سُوِّيَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ وَصَارُوا هُمْ وَالْأَرْضُ شَيْئًا وَاحِدًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي لَوْ تَخَرَّقَتِ الْأَرْضُ فَسَاخُوا فِيهَا وَعَادُوا إِلَيْهَا ثُمَّ تُسَوَّى بِهِمْ، أَيْ: عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ.
وَقِيلَ: وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يُبْعَثُوا لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نُقِلُوا مِنَ التُّرَابِ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً عَلَيْهِمْ.

(١) ساقط من (ب).
(٢) أخرجه البخاري في التفسير، باب "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد.. ": ٨ / ٢٥٠ عن عمرو بن مرة، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صلاة المسافرين، باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ... برقم (٨٠٠) : ١ / ٥٥١. والمصنف في شرح السنة ٤ / ٤٩٠.

صفحة رقم 217

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ وَالطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ: كُونُوا تُرَابًا فَتُسَوَّى بِهِنَّ الْأَرْضُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَمَنَّى الْكَافِرُ أَنْ لَوْ كَانَ تُرَابًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا" (النَّبَإِ ٤٠).
﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ قَالَ عَطَاءٌ: وَدُّوا لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كَتَمُوا أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْتَهُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، يَعْنِي: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا لِأَنَّ مَا عَمِلُوا لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى كِتْمَانِهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ: ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ لِأَنَّ جَوَارِحَهُمْ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ: هَاتِ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ، قَالَ: "فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ" (الْمُؤْمِنُونَ -١٠١)، "وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ" (الطَّوْرِ -٢٥) وَقَالَ: "وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا"، وَقَالَ "وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ" (الْأَنْعَامِ -٢٣) فَقَدْ كَتَمُوا، وَقَالَ: "أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا"، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا"، فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: "أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ"، إِلَى قَوْلِهِ: "طَائِعِينَ" (فُصِّلَتْ ٩-١١) فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: "وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" "وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى؟.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ" (الزُّمَرِ -٦٨)، فَلَا أَنْسَابَ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ ﴿أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾، وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ ﴿وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، فَيَقُولُ الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُلْ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ﴾، و ﴿خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ، وَدَحْيهَا: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَقَالَ:: خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ فَجُعِلَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، فَلَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (١).
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهَا مُوَاطِنٌ، فَفِي مَوْطِنٍ لَا يَتَكَلَّمُونَ وَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا، وَفِي مَوْطِنٍ يَتَكَلَّمُونَ وَيَكْذِبُونَ وَيَقُولُونَ: مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، وَمَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ، وَفِي مَوْضِعٍ يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ:

(١) أخرجه البخاري تعليقا في التفسير، في تفسير سورة حم السجدة ثم وصله في آخر الحديث فقال: حدثنيه يوسف بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد عن المنهال بهذا، وأخرجه الطبري في التفسير: ٨ / ٣٧٣ - ٣٧٤.

صفحة رقم 218
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية