آيات من القرآن الكريم

يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ألا يصير الولد عبدًا (١).
٢٦ - قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ الآية. اختلفت النحوية (٢) في وجه اللام في قوله: ﴿لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾.
فقال الفراء: العرب تجعل اللام التي بمعنى (كي) في موضع (أن) في: أردت وأمرت، فتقول: أردت أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك أن تقوم، وأمرتك لتقوم. قال الله: ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: ٧١]، وقال في موضع آخر: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ [الأنعام: ١٤]، وقال: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا﴾ [الصف: ٨]، و ﴿أَنْ يُطْفِئُوا﴾ [التوبة: ٣٢].
وإنما صلحت اللام في موضع أن في: أمرت وأردت؛ لأنهما يطلبان المستقبل، ولا يصلحان مع الماضي، ألا ترى أنك تقول: أمرتك أن تقوم، ولا يصلح: أمرتك أن قمت. (وكذلك: أردت أن تقوم، ولا يصلح: أردت أن قمت) (٣). فلما رأوا (أن) في غير هذين تكون للماضي وللمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكَي وباللام التي على (٤) معنى كي، (وربما جمعوا بين اللام وكي) (٥) وربما جمعوا بين ثلاثتهن، وأنشد (٦):

(١) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٤٢.
(٢) هكذا في (أ)، (د). ومراده النُّحاة.
(٣) ما بين القوسين ليس في "معاني القرآن" المطبوع لديّ، فقد يكون ساقطًا منه، وهذا يدل على أهمية "البسيط" في تكميل لبعض الناقص من المصادر المتقدمة.
(٤) في "معاني الفراء" ١/ ٢٦٢ بدل على: في.
(٥) ما بين القوسين ليس في "معاني الفراء" المطبوع لديّ.
(٦) عند الفراء: وأنشدني أبو ثروان.

صفحة رقم 460

أردت لكيما لَا ترى لي عَثرة ومن ذا (١) الذي يُعطى الكَمال فيكمُلُ (٢)
فجمع بين اللام و (بين) (٣) كي.
وقال الله تعالى: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ [الحديد: ٢٣].
وقال الآخر (٤) في الجمع بينهن:
أردتَ لِكَيمَا أنْ تَطِير بِقِربتي فتتركُها شنًّا ببَيْداءَ بَلْقَعِ (٥)
وإنما جمعوا بينهما (٦) لاتفاقهما في المعنى، واختلاف لفظهما (٧).
وأنكر الزجاج أن تقع اللام في معنى (أن)، واستشهد على ذلك بقول الشاعر:
(١) في (أ)، (د): (ذى).
(٢) ينظر: "همع الهوامع" ٢/ ٣٧١، و"خزانة الأدب" ٨/ ٤٨٦، و"اللسان" (أثل)، و"الأمالي" ٢/ ٤٦.
(٣) ليس في (د).
(٤) في (أ)، (د) الآ، فقد يكون سقط آخر الكلمة سهوًا من الناسخ.
(٥) البيت غير منسوب في الطبري ٥/ ٢٧، "الإنصاف" للأنباري ص ٤٦٦. وجاء في حاشيته:.. وشنًا: أي يابسة متخرقة، والبيداء: الصحراء التي يبيد سالكها. أي يهلك، والبلقع الخالية. والشاهد منه أن الشاعر أظهر أن بعد: كي.
(٦) في "معاني الفراء" (بينهن) بالجمع، وكذلك بقية الضمائر.
(٧) "معاني الفراء" ١/ ٢٦١، ٢٦٢، وانظر: "تفسير الطبري" ٥/ ٢٦ - ٢٨، "معاني الزجاج" ٢/ ٣٢، ٤٣، ، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٤٠٩، "الكشف والبيان" ٤/ ٤٠ ب.

صفحة رقم 461

أردت لِكَيما يعلمُ الناس أنها سراويل سعدٍ (١) والوُفود شْهوُد (٢)
فلو كانت بمعنى أن لم تدخل على كي، كما لا يدخل عليها أن.
(ومذهب سيبويه وأصحابه أن اللام فى خلت في هذا وأشباهه على تقدير المصدر، أي: الإرادة للبيان) (٣)، كما قال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: ٤٣]، أي: إن كانت عبارتكم للرؤيا، وكذلك قوله: ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] أي: الذين هم رهبتهم لربهم (٤).
وأنشدوا لكُثَيّر:
أُريد لأنّسى ذِكرَها فكأنما تَخَيَّل لي ليلى بكل سبيلِ (٥)
أي: إرادتي لهذا.
فأما التفسير، فقال ابن عباس: يريد الله ليبين لكم ما يبعدكم منه ويقربكم إلى طاعته (٦).
(١) في "معاني الزجاج" ٢/ ٤٣: قيس بدل: سعد، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٤٠٩. وهو الصواب كما سيأتي في الكلام على البيت.
(٢) البيت لقيس بن سعد بن عُبادة في قصةٍ أوردها المُبَرِّد في "الكامل" ٢/ ١٥٢. خلاصتها: أن ملك الروم بعث رجلًا طويلا إلى معاوية - رضي الله عنه - يتحداه أن يجد أطول منه، وكان قيس بن سعد آيةً في الطول، فبعث إليه معاوية، فلما حضر وعلم الخبر خلع سراويله وأمر الرومي بلبسها فبلغت ثندوته، فخجل الرومي وضحك القوم،
لكن قيسًا ليم على ذلك، فقال أبياتًا هذا مطلعها.
(٣) ما بين القوسين ليس في "معاني الزجاج".
(٤) انتهى من "معاني الزجاج" ٢/ ٤٣ بتصرف.
(٥) "ديوانه" ص ١٠٨، "المحتسب" ٢/ ٣٢، والبيت غير منسوب في "الكشف والبيان" ٤/ ٤١ أ.
(٦) لم أقف عليه، وقد ذكر الثعلبي معناه عن عطاء. انظر: "الكشف والبيان" ٤/ ٤١ أ، "معالم التنزيل" ٢/ ١٩٨.

صفحة رقم 462

وقال الكلبي: يريد الله ليبين لكم أن الصبر عن نكاح الإماء خير لكم (١).
وقال غيره: يريد الله أن يبين لكم شرائع دينكم ومصالح أمركم (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾. قال ابن عباس: يريد دين إبراهيم وإسماعيل، دين الحنيفية (٣).
وقال الزجاج: أي: يدلكم على طاعته، كما دل الأنبياء والذين اتبعوهم من قبلكم (٤).
وقال مقاتل (٥): ويهديكم سنن الذين من قبلكم من تحريم الأمهات والبنات وكذلك كانت سنّة الذين من قبلكم (٦).
وقال الكلبي: يقول: هكذا حرمت على مَن كان قبلكم من أهل التوراة، والإنجيل، و (الزبور) (٧)، وسائر الكتب (٨). فالبيان على قول هذين خاص في المحرمات وإن عم اللفظ؛ لأن الشرائع مختلفة.

(١) من "الكشف والبيان"٤/ ٤١ أ، وانظر: "بحر العلوم" ١/ ٣٤٨، "معالم التنزيل" ٢/ ١٩٨، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٨٢
(٢) قال ذلك الثعلبي في "الكشف والبيان" ٤/ ٤١ أ، لكن فيه: أموركم بدل: أمركم.
(٣) لم أقف عليه
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٣.
(٥) هو مقاتل بن حيان كما في "الدر المنثور" ٢/ ٢٥٦.
(٦) ذكره بمعناه السمرقندي في "بحر العلوم" ١/ ٣٤٨، وأورده السيوطي بلفظه في "الدر المنثور" ٢/ ٢٥٦، وعزاه لابن أبي حاتم في تفسيره، وانظر: "الكشف والبيان" ٤/ ٤١ أ.
(٧) في (أ) كأنها: (الربيون).
(٨) انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص٨٢.

صفحة رقم 463
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية