
وقوله: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ... (٢٣)
أن فِي موضع رفع كقولك: والجمع بين الأختين.
وقوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ... (٢٤)
المحصنات: العفائف. والمحصنات: ذوات الأزواج التي أحصنهن أزواجهن.
والنصب «١» فِي المحصنات أكثر. وقد روى علقمة «٢» :«المحصنات» بالكسر فِي القرآن كله إلا قوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ هذا الحرف الواحد لأنها ذات الزوج من سبايا المشركين. يقول: إذا كان لها فى زوج فِي أرضها استبرأتها بحيضة وحلت لك «٣».
وقوله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ كقولك «٤» : كتابا من اللَّه عليكم. وقد قَالَ بعض أهل النحو: معناه «٥» : عليكم كتاب اللَّه. والأول أشبه بالصواب. وقلما تقول العرب:
زيدا عليك، أو زيدا دونك. وهو جائز كأنه منصوب بشيء مضمر قبله، وقال الشاعر «٦» :
يا أيّها المائح دلوى دونكا... إني رَأَيْت الناس يحمدونكا «٧»
الدلو رفع، كقولك: زَيْدُ فاضربوه. والعرب تقول: الليل فبادروا، والليل فبادروا. وتنصب الدلو بمضمر فِي الخلفة كأنك قلت: دونك دلوى دونك.
(٢) هو علقمة بن قيس من أعلام التابعين. مات سنة ٦٢.
(٣) كذا فى ح. وفى ش: «ذلك» وهو خطأ.
(٤) يريد أنه منصوب على أنه مفعول مطلق مؤكد لما قبله فإن معنى «حرمت عليكم» كتب عليكم. [.....]
(٥) يريد أن (على) فيه اسم فعل أمر، و (عليكم) بمعنى الزموا. و (كتاب الله) معموله.
(٦) هو جاهلى من بنى أسيد بن عمرو بن تميم. وله قصة فى شرح التبريزي للحماسة ٢٧٠ من طبعة بن.
وانظر الخزانة ٣/ ١٧.
(٧) المائح: اسم فاعل من الميح. وهو أن ينزل البئر فيملأ الدلو وذلك إذا قل ماؤها.

وقوله: وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ يقول: ما سوى ذلكم.
وقوله: وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ «١» يريد: سواه.
وقوله: أَنْ تَبْتَغُوا يكون موضعها رفعا يكون تفسيرا ل (ما)، وإن شئت كانت خفضا، يريد: أحل الله لكم ماوراء ذلكم لأن تبتغوا. وإذا فقدت الخافض كانت نصبا.
وقوله: مُحْصِنِينَ يقول: أن تبتغوا الحلال غير الزنا. والمسافحة الزنا.
وقوله: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ... (٢٥)
يقول: إنما يرخص لكم فِي تزويج الإماء إذا خاف أحدكم أن يفجر. ثُمَّ قَالَ:
وأن تتركوا تزويجهن أفضل.
وقوله: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ... (٢٦)
وقال فِي موضع آخر وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ والعرب تجعل اللام التي على معنى كي فِي موضع أن فِي أردت وأمرت. فتقول: أردت أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك أن تقوم، وأمرتك لتقوم قال اللَّه تبارك وتعالى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «٢» وقال فِي موضع آخر قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ «٣» وقال يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا «٤» وأَنْ يُطْفِؤُا «٥» وإنما صلحت اللام فِي موضع أن فِي (أمرتك) «٦» وأردت لانهما يطلبان المستقبل ولا يصلحان مع الماضي ألا ترى أنك تقول: أمرتك أن تقوم، ولا يصلح أمرتك أن قمت. فلما رأوا (أن) فى غير
(٢). ٧١ سورة الأنعام.
(٣) آية ١٤ سورة الأنعام.
(٤) آية ٨ سورة الصف.
(٥) آية ٣٢ سورة التوبة.
(٦) كذا فى ش، ج. وفى الخزانة ٣/ ٥٨٦: «أمرت».

هذين تكون للماضي والمستقبل استوثقوا لمعنى الاستقبال بكى وباللام التي فِي معنى كي. وربما جمعوا «١» بين ثلاثهن أنشدني أَبُو ثروان:
أردت لكيما لا ترى لي عثرة | ومن ذا الَّذِي يعطي الكمال فيكمل «٢» |
أردت لكيما أن تطير بقربتى | فتتركها شنّا ببيداء بلقع «٥» |
بغير لا عصفٍ ولا اصطراف «٦» وربما جمعوا بين ما ولا وإن التي على معنى الجحد أنشدني الكسائي فِي بعض البيوت: (لا ما إن رَأَيْت مثلك) فجمع بين ثلاثة أحرف.
وربما جعلت العرب اللام مكان (أن) فيما أشبه (أردت وأمرت) مما يطلب المستقبل أنشدني الأنفى»
من بني أنف الناقة من بنى سعد:
(٢) ورد هذا البيت فى شواهد الهمع ٢/ ٥. وفيه: «ترانى عشيرتى» فى مكان: «ترى لى عثرة». وفى الخزانة فى الموطن السابق: «لكيما أن» فى مكان: «لكيما». وفى التذييل لأبى حيان:
«أرادت» فى مكان «أردت».
(٣) فى الخزانة: «بين اللام وكى وأن». والجمع بين الثلاثة يأتى فى البيت الآتي.
(٤) آية ٢٣ سورة الحديد.
(٥) الشنّ: القربة البالية. والبلقع: القفر. وانظر الخزانة ٣/ ٥٨٥. [.....]
(٦) قبله:
قد يطلب المال الهدان الجافي
والهدان: الأحمق الثقيل فى الحرب. والعصف: الكسب. والاصطراف: افتعال من الصرف وهو التقلب والتصرف فى ابتغاء الكسب.
(٧) فى الخزانة ٣/ ٥٨٦: «أبو الجرّاح الأنفى». وأنف الناقة من تميم.