لوائه خير لك بل واجب عليك وما أعظم حماقة من يحتاط بقول المنجم فى الاختلاج والفال وينقاد الى الاحتمالات البعيدة ثم إذا آل الأمر الى خبر النبوة عن الغيب أنكر فلا ترض لنفسك ان تصدق ابن البيطار فيما ذكره فى العقاقير والأحجار فتبادر الى امتثال ما أمرك به ولا تصدق سيد البشر ﷺ فيما يخبر عنه وتتوانى بحكم الكسل عن الإتيان بما امر به او فعل.
واعلم انك لما اخرجك الله من صلب آدم فى مقام ألست رددت الى أسفل السافلين ثم منه دعيت لترتفع بسعيك وكسبك الى أعلى عليين حيث ما قدر لك على حسب قابليتك ولا يمكنك ذلك الا بأمرين. أحدهما بمحبته ﷺ بان تؤثر حبه على نفسك وأهلك ومالك. والثاني بمتابعه ﷺ فى جميع ما امر به ونهى عنه وبذلك تستحكم مناسبتك به وبكمال متابعتك يحصل لك الارتفاع الى اوج الكمال قال رسول الله ﷺ (ان مثلى ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل اتى قوما فقال يا قوم انى رأيت الجيش بعيني) فيه اشارة الى ان هذا المثل مختص بالنبي عليه السلام لان ما انذر به من الأهوال هى التي رآها بعينيه واما سائر الأنبياء عليهم السلام فلم يكن لهم معراج ظاهر حتى يعاينوا تلك الأهوال (وانى انا النذير) وهو الذي يخوف غيره بالاعلام (العريان) وهو الذي لقى العدو فسلبوا ما عليه من الثياب فاتى قومه يخبرهم فصدق بعضهم لما عليه من آثار الصدق فنجوا وهذا القول مثل يضرب لشدة الأمر وقرب المحذور وبراءة المخبر من التهمة والكل موجود فى النبي عليه السلام (فالنجاء) بالمد نصب على الإغراء اى اطلبوا النجاء وهو الاسراع (فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا) اى ساروا من أول الليل (فانطلقوا على مهلهم) وهو بفتح الميم والهاء ضد العجلة (وكذبت طائفة منهم فاصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش) اى أتاهم صباحا ليغير عليهم (فاهلكم واجتاحهم) اى أهلكهم بالكلية (فذلك) اى المثل المذكور وهذا بيان لوجه المشابهة (مثل من أطاعني واتبع ما جئت به من الحق) وفيه اشارة الى ان مطلق العصيان غير مستأصل بل العصيان مع التكذيب بالحق كذا فى شرح المشارق لابن الملك رحمه الله تعالى: قال السعدي قدس سره
خلاف پيمبر كسى ره گزيد
كه هرگز بمنزل نخواهد رسيد
محالست سعدى كه راه صفا
توان رفعت جز در پى مصطفا
يا أَهْلَ الْكِتابِ الخطاب للنصارى خاصة لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ اى لا تتجاوزوا الحد فى دينكم بالإفراط فى رفع شأن عيسى وادعاء ألوهيته والغلو مجاوزة الحد. واعلم ان الغلو والمبالغة فى الدين والمذهب حتى يجاوز حده غير مرضى كما ان كثيرا من هذه الامة غلوا فى مذهبهم فمن ذلك مذهب الغلاة من الشيعة فى امير المؤمنين على بن ابى طالب كرم الله وجهه حتى ادعوا إلهيته وكذلك المعتزلة غلوا فى التنزيه حتى نفوا صفات الله وكذا المشبهة غلوا فى اثبات الصفات حتى جسموه تعالى الله عما يفول الظالمون علوا كبيرا ولدفع الغلو كان رسول الله ﷺ يقول (لا تطرونى كما اطرت النصارى عيسى ابن مريم) اى لا تتجاوزوا عن الحد فى مدحى كما بالغ النصارى فى مدح عيسى حتى ضلوا وقالوا انه ولد الله (وقولوا عبد الله
صفحة رقم 327
ورسوله) اى قولوا فى حقى انه عبد الله ورسوله وفى تقديم العبد على الرسول كما فى التحيات ايضا نفى لقول اليهود والنصارى فان اليهود قالوا عزيز ابن الله والنصارى المسيح ابن الله فنحن نقول عبده ورسوله والغلو من العصبية وهى من صفات النفس المذمومة والنفس هى امارة بالسوء لا تأمر الا بالباطل
مبر طاعت نفس شهوت پرست
كه هر ساعتش قبله ديگرست
وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ اى لا تصفوه بما يستحيل اتصافه من الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد بل نزهوه عن جميع ذلك. قوله الا الحق استثناء مفرغ ونصبه على انه مفعول به نحو قلت خطبة او نعت مصدر محذوف اى الا القول الحق وهو قريب من المعنى الاول إِنَّمَا الْمَسِيحُ مبتدأ وهو لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق وأصله بالعبرية مشيحا ومعناه المبارك عِيسَى بدل منه معرب من ايشوع ابْنُ مَرْيَمَ صفة مفيدة لبطلان ما وصفوه به من نبوته له تعالى. ومريم بمعنى العابدة وسميت مريم مريم ليكون فعلها مطابقا لاسمها ولكون عيسى عليه السلام منسوبا الى امه تدعى الناس يوم القيامة بأسماء أمهاتهم ويدل عليه حديث التلقين بعد الدفن حيث يقال يا فلان ابن فلانة وفى النسبة الى الأمهات ستر منه تعالى للعباد ايضا رَسُولُ اللَّهِ خبر للمبتدأ اى انه مقصور على رتبة الرسالة لا يتخطاها وهذا هو القول الحق وَكَلِمَتُهُ عطف على رسول الله اى تكون بكلمته وامره الذي هو كن من غير واسطة اب ولا نطفة فان تكوين الخلق كله وان كان بكلمة كن له ولكن بالوسائط فان تعلق كن بتكوين الآباء قبل تعلقه بتكوين الأبناء فلما كان تعلق امر كن بعيسى فى رحم مريم من غير تعلقه بتكوين اب له تكون عيسى بكلمة كن وكن هى كلمة الله فعبر عن ذلك بقوله وكلمته القاها الى مريم يدل عليه قوله انه مثل عيسى عند الله يعنى فى التكوين كمثل آدم خلقه من تراب يعنى سوى جسمه من تراب ثم قال له يعنى عند بعث روحه الى القالب كن فيكون وانما ضرب مثله بآدم فى التكوين لانه ايضا تكون بكلمة كن من غير واسطة اب أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ اى أوصلها إليها وحصلها فيها بنفخ جبريل عليه السلام وَرُوحٌ مِنْهُ عطف على كلمته ومنه صفة لروح ومن لابتداء الغاية مجازا لا تبعيضية كما زعمت النصارى لا ستحالة التجزى على الله تعالى- وروى- انه كان لهارون الرشيد طبيب نصرانى وكان غلاما حسن الوجه جدا وكان كامل الأدب جامعا للخصال التي يتوصل بها الى الملوك وكان الرشيد مولعا بان يسلم وهو يمتنع وكان الرشيد يمنيه الأماني ان اسلم فأبى فقال له ذات يوم مالك لا تؤمن قال ان فى كتابكم حجة على من انتحله قال وما هى قال قوله تعالى وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فعنى بهذا ان عيسى عليه السلام جزء منه فضاق قلب الرشيد وجمع العلماء فلم يكن فيهم من يزيل شبهته حتى قيل له قد وفد حجاج من خراسان وفيهم رجل يقال له على بن الحسين بن واقد من اهل مرو وهو امام فى علم القرآن فدعاه فجمع بينه وبين الغلام فسأله الغلام عن ذلك فاستعجم عليه الجواب فى الوقت وقال قد علم الله يا امير المؤمنين فى سابق علمه ان هذا الخبيث يسألنى فى مجلسك هذا وانه لم يخل
كتابه
صفحة رقم 328
عن جوابه وانه ليس يحضرنى الآن ولله علىّ ان لا اطعم ولا اشرب حتى أؤدي الذي يجب من الحق ان شاء الله تعالى ودخل بيتا مظلما واغلق عليه بابه واندفع فى قراءة القرآن حتى بلغ من سورة الجاثية وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ فصاح بأعلى صوته افتحوا الباب فقد وجدت الجواب ففتحوا ودعا الغلام فقرأ عليه الآية بين يدى الرشيد وقال ان كان قوله وروح منه يوجب ان يكون عيسى بعضا منه وجب ان يكون ما فى السموات وما فى الأرض بعضا منه فانقطع النصراني واسلم وفرح الرشيد فرحا شديدا ووصل على بن الحسين الواقدي المروزي بصلة جيدة فلما عاد على بن الحسين الى مرو صنف كتابا سماه كتاب النظائر فى القرآن وهو كتاب لا يوازيه كتاب. قيل معنى كونه روحا انه ذو روح صادر منه تعالى كسائر ذوى الأرواح الا انه تعالى أضاف روحه الى نفسه تشريفا. وقيل المراد بالروح هو الذي نفخ جبرائيل عليه السلام فى درع مريم فدخلت تلك النفخة بطنها فحملت بإذن الله من ذلك النفخ سمى النفخ روحا لانه كان ريحا يخرج من الروح وأضاف تعالى نفخة جبريل الى نفسه حيث قال وروح منه بناء على ان ذلك النفخ الواقع من جبريل كان بإذن الله تعالى وامره فهو منه. وعن ابى بن كعب انه قال ان الله تعالى لما اخرج الأرواح من ظهر آدم لاخذ الميثاق عليهم ثم ردهم الى صلبه امسك عنده روح عيسى الى ان أراد خلقه ثم أرسل ذلك الروح الى مريم فدخل فى فيها فكان منه عيسى عليه السلام. قيل خلق عيسى عليه السلام من ماء مريم ومن النفخ لا من أحدهما فقط وهو الأصح عند المحققين. قيل خرج فى ساعة النفخ. وقيل بعد المدة الكاملة بعد ثمانية أشهر والاول هو الأصح. وفى التأويلات النجمية ان شرف الروح على الأشياء بانه ايضا كعيسى تكون بامر كن بلا واسطة شىء آخر فلما تكون الروح بامر كن وتكون عيسى بامر كن سمى روحا منه لان الأمر منه تعالى كما قال قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي فكما ان احياء الأجسام الميتة من شأن الروح إذ ينفخ فيها فكذلك كان عيسى من شأنه احياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله وكذلك كان ينفخ فى الطين فيكون طيرا بإذن الله تعالى. واعلم ان هذا الاستعداد الروحاني الذي هو من كلمة الله مركوز فى جبلة الإنسان وخلق منه اى من الأمر وانما أظهره الله فى عيسى من غير تكلف منه فى السعى لاستخراج هذا الجوهر من معدنه لان روحه لم يركز فى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات كارواحنا فكان جوهره ظاهرا فى معدن جسمه غير مخفى ببشرية اب وجوهرنا مخفى فى معدن جسمنا ببشرية آبائنا الى آدم فمن ظهور أنوار جوهر روحه كان الله تعالى يظهر عليه انواع المعجزات فى بدء طفوليته ونحن نحتاج فى استخراج الجوهر الروحاني من المعدن الجسماني الى نقل صفات البشرية المتولدة من بشرية الآباء والأمهات عن معادننا باوامر أستاذ هذه الصنعة ونواهيه وهو النبي عليه السلام كما قال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فمن تخلص جوهر روحانيته من معدن بشريته وانسانيته يكون عيسى وقته فيحيى الله بانفاسه القلوب الميتة ويفتح به إذا ناصما وعيونا عميا فيكون فى قومه كالنبى فى أمته فافهم جدا: وفى المثنوى
عيسى اندر مهد دارد صد نفير
كه جوان ناگشته ما شيخيم و پير
صفحة رقم 329
پير پير عقل بايد اى پسر
نى سفيدى موى اندر ريش وسر «٢»
چون گرفتى پير هين تسليم شو
همچوموسى زير حكم خضر شو «٣»
دست را مسپار جز در دست پير
حق شدست آن دست او را دستگير
چون بداري دست خود در دست پير
پير حكمت كو عليم است وخبير «٤»
ثم اعلم انه لما كان النافخ جبرائيل والولد سرّ أبيه كان الواجب ان يظهر عيسى على صورة الروحانيين والجواب انه انما كان على صورة البشر ولم يظهر على صورة الروحانيين لان الماء المحقق عند التمثل كان فى امه وهى بشر ولاجل تمثل جبريل ايضا عند النفخ بالصورة البشرية لانها أكمل الصور كما أشار صلى الله تعالى عليه وسلم فى تجلى الربوبية بصورة شاب قطط وظهور جبريل بصورة دحية فافهم والصورة التي تشهدها الام وتخيلها حال المواقعة لها تأثير عظيم فى صورة الولد حتى قيل ونقل فى الاخبار ان امرأة ولدت ولدا صورته صورة البشر وجسمه جسم الحية فلما سئلت عنها أخبرت انها رأت حية عند المواقعة. وسمع ان امرأة ولدت ولد له أعين اربع ورجلاه كرجل الدب وكانت قبطية جامعها زوجها وهى ناظرة الى دبين كانا عند زوجها ولله اسرار فى تكوين الأجساد كيف يشاء وهو على كل شىء قدير كذا فى حل الرموز فَآمِنُوا بِاللَّهِ وخصوه بالالوهية وَرُسُلِهِ أجمعين وصفوهم بالرسالة ولا تخرجوا بعضهم عن سلكهم بوصفه بالالوهية يعنى ان عيسى من رسله فآمنوا به كايمانكم بسائر الرسل ولا تجعلوه الها وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ اى الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم ويشهد عليه قوله تعالى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ او الله ثلاثة ان صح انهم يقولون الله ثلاثة أقانيم اقنوم الأب واقنوم الابن واقنوم روح القدس وانهم يريدون بالأول الذات وقيل الوجود وبالثاني العلم وبالثالث الحياة انْتَهُوا اى عن التثليث خَيْراً لَكُمْ اى انتهاء خيرا لكم او ائتوا خيرا لكم من القول بالتثليث إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ اى واحد بالذات منزه عن التعدد بوجه من الوجوه فالله مبتدأ واله خبره وواحد نعت اى منفرد فى آلهيته سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ اى أسبحه تسبيحا من ان يكون له ولد او سبحوه تسبيحا من ذلك فانه يتصور له مثل ويتطرق اليه فناء فان التوالد انما هو لحفظ النوع من الانقراض فلذلك لم تتوالد الملائكة ولا اهل الجنان فمن كان نشأته وتكوّنه للبقاء إذا لم يكن له ولد مع كونه حادثا ذا أمثال فبالاولى ان لا يتخذ الله تعالى ولدا وهو ازلى منزه عن الأمثال والأشباه: وفى المثنوى
لم يلد لم يولد است او از قدم
نه پدر دارد نه فرزند ونه عم
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مستأنفة مسوقة لتعليل التنزيه وتقريره اى له ما فيهما من الموجودات خلقا وملكا وتصرفا لا يخرج من ملكوته شىء من الأشياء التي من جملتها عيسى فكيف يتوهم كونه ولدا له تعالى. قال ابن الشيخ فى حواشيه انه تعالى فى كل موضع نزه نفسه عن الولد ذكر ان جميع ما فى السموات والأرض مختص به خلقا وملكا للاشارة الى ان ما زعمه المبطلون انه ابن الله وصاحبته مملوك مخلوق له لكونه من جملة ما فى السموات وما فى الأرض فلا تتصور المجانسة والمماثلة بين الخالق والمخلوق والمالك والمملوك فكيف يعقل مع هذا توهم كونه
(٢) در اواسط دفتر چهارم در بيان كردن رسول ﷺ سبب تفضيل واختيار كردن آن جوان إلخ
(٣) در اواخر دفتر يكم در بيان وصيت كردن رسول خدا مر على را إلخ
(٤) در أوائل دفتر پنجم در بيان آنكه ما سوى الله همه آكل ومأكولند
صفحة رقم 330
ترا شهوت وكبر وحرص وحسد
چوخون در ركند و چوجان در جسد
گر اين دشمنان تقويت يافتند
سر از حكم ورأى تو بر تافتند
- حكى- ان قاضيا جاء الى ابى يزيد البسطامي رحمه الله يوما فقال نحن نعرف ما تعرفه ولكن لا نجد تأثيره فقال ابو يزيد خذ مقدارا من الجوز وعلق وعاءه فى عنقك ثم ناد فى البلد كل من يلطمنى ادفع له جوزة حتى لا يبقى منه شىء فاذا فعلت ذلك تجد التأثير فاستغفر القاضي فقال ابو يزيد قد أذنبت لانى اذكر ما يخلصك من كبر نفسك وأنت تستغفر منه: قال السعدي
كسى را كه پندار در سر بود
مپندار هرگز كه حق بشنود
ز علمش ملال آيد از وعظ ننك
شقايق بباران نرويد ز سنگ
فعلى العاقل ان يتواضع فان الرفعة فى التواضع وهو من أفضل العبادة يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لعامة المكلفين قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ كائن مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ بواسطة النبي عليه السلام نُوراً مُبِيناً عنى بالبرهان المعجزات وبالنور القرآن اى جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل ولم يبق لكم عذر ولا علة. والبرهان ما يبرهن به المطلوب وسمى القرآن نورا لكونه سببا لوقوع نور الايمان فى القلوب ولانه تتبين به الاحكام كما تتبين بالنور الأعيان فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ حسبما يوجبه البرهان الذي أتاهم وَاعْتَصَمُوا بِهِ اى امتنعوا به عن اتباع النفس الامارة وتسويلات الشيطان فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ ثواب قدره بإزاء إيمانه وعمله رحمة منه لاقضاء لحق واجب وَفَضْلٍ احسان زائد عليه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ اى الى الله صِراطاً مُسْتَقِيماً هو الإسلام والطاعة فى الدنيا وطريق الجنة فى الآخرة وهو مفعول ثان ليهدى لانه يتعدى الى مفعولين بنفسه كما يتعدى الى الثاني بالى يقال هديته الطريق وهديته الى الطريق ويكون اليه حالا منه مقدما عليه ولو اخر عنه كان صفة له والمعنى ويهديهم الى صراط الإسلام والطاعة فى الدنيا وطريق الجنة فى العقبى مؤديا ومنتهيا اليه تعالى. والاشارة فى الآية ان الله تعالى اعطى لكل نبى آية وبرهانا ليقيم به الحجة على الامة وجعل نفس النبي عليه السلام برهانا منه وذلك لان برهان الأنبياء كان فى الأشياء غير أنفسهم مثل ما كان برهان موسى فى عصاه وفى الحجر الذي انفجرت منه اثنتا عشرة عينا وكان نفس النبي عليه السلام برهانا بالكلية فكان برهان عينيه ما قال عليه السلام (لا تستبقونى بالركوع والسجود فانى أراكم من خلفى كما أراكم من امامى). وبرهان بصره ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى. وبرهان انفه قال (انى لاجد نفس الرحمان من قبل اليمن). وبرهان لسانه ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى وبرهان بصاقه ما قال جابر رضى الله عنه انه امر يوم الخندق لا تخبزن عجينكم ولا تنزلن برمتكم حتى أجيء فجاء فبصق فى العجين وبارك ثم بصق فى البرمة وبارك فاقسم بالله انهم لأكلوا وهم الف حتى تركوه وانصرفوا وان برمتنا لتغط اى تغلى وان عجيننا ليخبز كما هو. وبرهان تفله انه تفل فى عين على كرم الله وجهه وهى ترمد فبرئ بإذن الله يوم خيبر. وبرهان يده ما قال تعالى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وانه سبح الحصى فى يده: قال العطاري
صفحة رقم 333