آيات من القرآن الكريم

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

جرت السنة في الإماء بحدهن من غير ذكر الحبس، وقد قال اللَّه سبحانه وتعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)، والمذكور في الثيب يحتمل: يجلد في حال ويرجم في حال؛ إذ لا كل ثيب يجلد، وإن كان ثم نسخ بما ذكر من خبر ماعز وغيره.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَآذُوهُمَا) قيل: فآذوهما، بالحد.
وقيل: فآذوهما بالتعيير (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا) كُفوا عن ذلك. وقيل: سبوهما، لكن ذا قبيح، والتعيير أقرب.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٨)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)
يحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ) كذا؛ أي: توفيق التوبة وهدايته على اللَّه - سبحانه وتعالى - إذا كانت نفسه ترغب فيها، وتميل إليها على اللَّه أن يوفقه على ذلك؛ إذا علم اللَّه منه أنه يتوب.
ويحتمل قوله: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) سبحانه وتعالى أي: قبول التوبة على اللَّه - تعالى - إذا تاب ورجع عما كان فيه وارتكبه.
وفي قوله -أيضًا-: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) لمن ذكر، يحتمل قبولها بمعنى أن الذي

صفحة رقم 77

لا يُسَوِّفُ التوبة ولا ينتظر بها وقت المنع عن ركوب ما عنه يتوب والإياس من إمكان العود إلى ما عنه يتوب، فاللَّه يقبلها إذا كان ذلك دأبه وعادته.
وإن بلغ هو ذلك الضيق بأمر دفع إليه، أو كان يتوب من قريب من الذنب بألا يستخف به؛ فيترك الرجوع؛ لقلة مبالاته به، فلا يقبلها ممن هذا وصف توبته، وحال استخفافه بالذنب.
والثاني: أن يكون توفيق التوبة والهداية إليه ممن يفزعه ذنبه ويبعثه على الرجوع إلى اللَّه، والتعرض لرحمته وإحسانه، ولا يوفق من لا يبالي بالذي يذكر ولا يتضرع إليه.
وقيل: الأول في الصغائر، والثاني في الكبائر، والثالث في الكفر: بأن صاحب الصغيرة أرق قلبًا وأخص ذكرًا له ورجوعًا إلى ربه، وصاحب الكبيرة أقسى قلبًا من الأول وأظلم، فهو لا يندم إلا بعد شدة، وبعد طول المحنة وضيق القلب، فليس على اللَّه قبول توبة من يتوب في تلك الحال، ولا توبة من بأن منه ما يأمله بالذي عليه قبول ذلك، ولكن بفضله وبرحمته يقبل ويوفق له بما كان منه من الخيرات والحسنات التي هُن أسباب التقريب إلى اللَّه - سبحانه وتعالى - والكافر لا يقبلها؛ إذ هو لا يتوب حتى يموت؛ فيستيقن بالعذاب، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن تكون هذه الأجرة في الكفار؛ فيكون فيهم من يظهر التوبة عند الضرورة والدفع إلى الحال التي يزول عنه وسع الإمكان، ويأنس من الإمهال؛ ليصل إلى ما كان له يذنب، فاللَّه لا يقبل توبته؛ إذ ليست في الحقيقة تَوْبَةُ مَمكَّنٍ، بل توبة مضطر، وتوبة دفع ما حل به، إذ هو وقت يشغل عن الاستدلال، وعن الوقوف على الأسباب من جهة التأمُّل والنظر، ولا يرى غير الذي أقبل عليه يظن أن له الخلاص بالذي يبدّل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)

صفحة رقم 78
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية