
شرح الكلمات:
﴿وَاللاتِي١﴾ : جمع التي، اسم موصول للمؤنث المفرد، واللاتي للجمع المؤنث.
﴿الْفَاحِشَةَ٢﴾ : المراد بها هنا: الزنا.
﴿مِنْ نِسَائِكُمْ﴾ : المحصنات٣.
﴿سَبِيلاً﴾ : طريقاً للخروج من سجن البيوت.
﴿يَأْتِيَانِهَا﴾ : الضمير عائد إلى الفاحشة المتقدم ذكرها.
﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾ : اتركوا آذيتهما بعد أن ظهرت توبتهما.
﴿التَّوْبَةُ﴾ : أصل التوبة الرجوع وحقيقتها الندم على فعل القبيح مع تركه، والعزم على عدم العودة إليه.
﴿السُّوءَ﴾ : كل ما أساء إلى النفس والمراد به هنا: السيئات.
﴿بِجَهَالَةٍ﴾ : لا مع العمد والإصرار وعدم المبالاة.
﴿أَعْتَدْنَا﴾ : أعددنا وهيأنا.
﴿أَلِيماً﴾ : موجعاً شديد الإيجاع.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى بحدوده وذكر جزاء متعديها، ذكر هنا معصية من معاصيه وهي فاحشة الزنا، ووضع لها حداً في البيوت حتى الموت أو إلى أن ينزل حكماً آخر يخرجهن من الحبس وهذا بالنسبة إلى المحصنات. فقال تعالى: ﴿وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ٤﴾ أي: من المسلمين بشهدون بأن فلانة زنت بفلانة
٢ سمي الزنا: فاحشة لأنه تجاوز الحد في الفساد، إذ به يفسد الخلق والعرض والنسب والدين والمجتمع، وكفى بهذا فساداً عظيماً.
٣ النساء: اسم جمع واحدة من غير لفظ: "امرأة" والمحصنات: جمع محصنة وهي التي تزوجت زواجاً شرعياً، وسواء بقيت عليه أو تأيمت بموت أو طلاق.
٤ منكم: أي من المسلمين، إذ لا بد من أربعة شهود من المسلمين يشهدون بأنهم رأوا الفرج في الفرج. مثل: الميل في المكحلة، لحديث أبي داود عن جابر قال: "جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ي بأعلم رجل منكم، فأتوه بابن صوريا، فناشدهما: كيف تجدان أمر هذين في التوراة. قالا: نجد في التوراة إذا شاهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها، مثل الميل في المكحلة رجماً. قال: فما يمنعمكا أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطانناً فكرهنا القتل. فدعا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشهود فحضروا وشهدوا فأمر برجمهما فرجما".

فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن١ أو يجعل الله لهن سبيلا. أما غير المحصنات وهن الأبكار فقد قال تعالى في شأنهن، ﴿وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ فآذوها، أي: بالضرب الخفيف والتقريع والعتاب، مع الحبس للنساء، أما الرجال فلا يحبسون وإنما يكتفى بآذاهم إلى أن يتوبوا ويصلحوا فحين إذ يعفو عنهم ويكفوا عن أذيتهم هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَالَّذَانِ٢ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾.
ولم يمض على هذين الحدين إلا القليل من الزمن حتى أنجز الرحمن ما وعد وجعل لهن سبيلاً، فقد صح أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان جالساً بين أصحابه حتى أنزل الله تعالى عليه الحكم النهائي في جريمة الزنا فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام". والمراد من الثيب بالثيب، أي: إذا ثيب بثيب، وكذا البكر بالبكر. وبهذا أوقف الحد الأول من النساء والرجال معاً ومضى الثاني، أما جلد البكرين فقد نزل فيه آية النور: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾، وأما رجم المحصنين فقد مضت فيه السنة، فقد رجم ماعز، والغامدية بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حد قائم إلى يوم القيامة. هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (١٥) والثانية (١٦)، وأما الآيتان بعدهما وهما (١٧) و (١٨) فقد أخبر تعالى أن الذين يستحقون التوبة وثبتت لهم من الله تعالى هم المذنبون الذين يرتكبون المعصية بسب جهالة منهم، ثم يتوبون من قريب لا يسوفون التوبة ولا يؤخرونها أما الذين يجترحون السيئات مع علم منهم وإصرار، ولا يتوبون إثر غشيان الذنب فلا توبة تضمن لهم فقد يموتون بلا توبة شأنهم شأن الذين يعملون السيئات ولا يتوبون حتى إذا مرض أحدهما وظهرت عليه علامات الموت وأيقن إنه ميت لا محالة قال إنه تائب كشأن الكافرين إذا تابوا عند٣ معاينة الموت فلا تقبل
إذ ما تقاضى المرء يوم وليلة | تقاضاه شيء لا يمل التقضيا |
٣ وعليه، فقوله تعالى: ﴿وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ ليس على ظاهره، وإنما معناه يشرفون على الموت، ومن أشرف على الموت، وحضره، فحكمه حكم من مات وهو سائغ في اللغة.

منهم توبة أبداً. هذا معنى الآيتين الكريمتين الأولى ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِم﴾ أي: يقبل توبتهم لأنه عليم بضعف عباده حكيم يضع كل شيء في موضعه اللائق به، ومن ذلك قبول توبة من عصوه بجهالة لا بعناد ومكابرة وتحدٍ، ثم تابوا من قريب لم يطيلوا١ مدة المعاصي، والثانية: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾، كما هي ليست للذين يعيشون على الكفر فإذا جاء أحدهم الموت قال تبت كفرعون فإنه لما عاين الموت بالغرق ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾. فرد الله تعالى عليه: ﴿آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾. إشارة إلى كل من مات على غير توبة بارتكابه كبائر الذنوب أو بكفر وشرك إلى أن المؤمن الموحد يخرج من النار بإيمانه والكافر يخلد فيها. نعوذ بالله من النار وحال أهلها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- عظم قبح فاحشة الزنى.
٢- بيان حد الزنى قبل نسخه بآية سورة النور، وحكم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رجم المحصن والمحصنة.
٣- التوبة التي تفضل الله بها هي ما كان صاحبها أتى ما أتى من الذنوب بجهالة لا بعلم وإصرار ثم تاب من قريب زمن.
٤- الذين يسوفون التوبة ويؤخرونها يخشى عليهم أن لا يتوبوا حتى يدركهم الموت وهم على ذلك فيكونون من أهل النار، وقد يتوب أحدهما، لكن بندرة وقلة وتقبل توبته إذا لم يعاين أمارات الموت لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". رواه الترمذي وأحمد وغيرهما وإسناده حسن.
٥- لا تقبل توبة من حشرجت نفسه وظهرت عليه علامات الموت، وكذا الكافر من باب أولى لا تقبل له توبة بالإيمان إذا عاين علامات الموت كما لم تقبل توبة فرعون.