وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا؛ أَيْ: يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَبِالْمُقِيمِينَ، وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: وَبِدِينِ الْمُقِيمِينَ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُسْلِمِينَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَبْلِ تَقْدِيرُهُ: وَمِنْ قَبْلِ الْمُقِيمِينَ، فَحُذِفَ «قَبْلِ»، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ. وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكَافِ فِي «قَبْلِكَ». وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكَافِ فِي «إِلَيْكَ». وَالسَّادِسُ: أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي مِنْهُمْ، وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ عِنْدَنَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا عَطْفَ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُضْمَرِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ.
وَأَمَّا (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) : فَفِي رَفْعِهِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الرَّاسِخُونَ.. وَالثَّانِي: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي الرَّاسِخُونَ. وَالثَّالِثُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي الْمُؤْمِنُونَ. وَالرَّابِعُ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي يُؤْمِنُونَ. وَالْخَامِسُ: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَهُمُ الْمُؤْتُونَ. وَالسَّادِسُ: هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ (أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ).
وَأُولَئِكَ مُبْتَدَأٌ، وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: وَنُؤْتِي أُولَئِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا) (١٦٣).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمَا أَوْحَيْنَا) : الْكَافُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى الَّذِي، فَيَكُونُ مَفْعُولًا بِهِ؛ تَقْدِيرُهُ: أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِثْلَ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ مِنَ التَّوْحِيدِ وَغَيْرِهِ. وَ (مِنْ بَعْدِهِ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ مُتَعَلِّقٍ بِأَوْحَيْنَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ النَّبِيِّينَ؛ لِأَنَّ ظُرُوفَ الزَّمَانِ لَا تَكُونُ أَحْوَالًا لِلْجُثَثِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ «مِنْ» بِالنَّبِيِّينَ. وُفِي (يُونُسَ) : لُغَاتٌ، أَفْصَحُهَا ضَمُّ النُّونِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَسْرُهَا
مَعَ الْهَمْزِ وَتَرْكِهِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ أَعْجَمِيَّةٌ إِلَّا الْأَسْبَاطَ، وَهُوَ جَمْعُ سِبْطٍ، وَالزَّبُورُ فَعَوْلٌ مِنَ الزُّبُرِ، وَهُوَ الْكِتَابَةُ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالرَّكُوبِ وَالْحَلُوبِ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الزَّايِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ جَمْعُ زَبُورٍ عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الْقُعُودِ وَالْجُلُوسِ، وَقَدْ سُمِّيَ بِهِ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ عَلَى دَاوُدَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (١٦٤).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَرُسُلًا) : مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَقَصَصْنَا رُسُلًا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ أَوْحَيْنَا؛ أَيْ: وَأَمَرْنَا رُسُلًا؛ وَلَا عِوَضٌ لِقَوْلِهِ (قَدْ قَصَصْنَاهُمْ) وَ «لَمْ نَقْصُصْهُمْ» عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مُفَسِّرٌ لِلْعَامِلِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي هُمَا صِفَتَانِ. وَ (تَكْلِيمًا) : مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ رَافِعٌ لِلْمَجَازِ.
قَالَ تَعَالَى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (١٦٥).