آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ... (١٤٤)
* * *
النداء للمؤمنين بالبعيد ليكون التنبيه قويا، ونادى بالموصول للإشارة إلى أن الإيمان يقتضي ألا يكون ولاء المؤمن لغير المؤمنين، ومعنى النص: يا أيها الذين آمنوا وحسن إيمانهم بالله، لَا تتخذوا الكافرين بالله الذين لم يخلصوا له نصراء لكم تدخلون في ولايتهم وتكونون تابعين لهم وتتركون المؤمنين، فإن ذلك لا يتفق مع الايمان، فالمراد بالولاية هنا النصرة والانتماء إلى جماعة الكافرين، وإن الولاء يطلق بمعنى المحبة، وبهذا المعنى جاء النهي عنه، وهو التبعية والنصرة، وإن هذا الأخير منهي عنه بالاتفاق، ولا يجوز من المؤمن إلا اتقاء الأذى إن تيقن الإيذاء، أما المحبة فغير منهي عنها إلا أن يكون الكافر قد انتقل إلى المحادة والعداوة، ولا يقتصر على مجرد الكفر، ولذلك قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ).
وقوله تعالى: (دُونِ الْمُؤْمِنينَ) يشير إلى أنهم يتركون المؤمنين لينضموا إلى ولاية الكافرين، وذلك لَا يسوغ من مسلم، ولذلك قال تعالى: (أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا).
الاستفهام للإنكار والتوبيخ إن وقع هذا منهم، وهو يتضمن التهديد لهم بتسليط مقت الله عليهم إن فعلوا فهو استفهام يتضمن إنكارا للوقوع، أي لَا يقع منهم، ولا يصح أن يقع، ويتضمن التحذير والإنذار، والمعنى: إنكم إن فعلتم ذلك فقد جعلتم لله حجة في عقابكم، وتسليط ذنوبكم عليكم وتخليه عن نصركم فإن نصر الله لَا يكون إلا لمن يطلب النصرة من الله وحده، ولن ينصر الله من يستنصر بغير الله كما قال تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

صفحة رقم 1921

وإذا كان الاستنصار بغير المؤمنين يترتب عليه هذا فهل تريدون أيها المؤمنون أن تجعلوا لله تعالى سبيلا بينا واضحا يخذلكم بسببه بعد النصرة، ويعاقبكم عليه بعد الإيمان، ويذهب شوكتكم؛ لَا يسوغ ذلك منكم، فاحذروه، اللهم اجعل ولاءنا لك، ولا تجعل نصرتنا من غيرك.
* * *
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (١٤٦) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧)
* * *
الحديث في أقوال المنافقين، وشئونهم وعاقبة أمرهم لَا يزال مستمرا، وهذا النص القرآني يبين مآل المنافقين يوم القيامة، فهم في خزي دائم في الدنيا، وعذاب شديد مقيم في الآخرة، وجزاؤهم هو أشد جزاء؛ لأن كفرهم أشد كفر، لأنه كفر بالله، وكذب على رسول الله، وافتراء على المؤمنين، واستغلال لإخلاص المخلصين، ومن المشركين من يصدق في القول كما رأينا من أبي سفيان عندما سأله هرقل عن النبي - ﷺ - وأحواله، وليس من المناففين من يصدق في قول، أو يخلص في عمل أيا كان، ولذا قال تعالى:

صفحة رقم 1922
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية