
قوله تعالى: ﴿الذين يَتَرَبَّصُونَ﴾ : فيه ستة أوجه، أحدها: أنه بدلٌ من قوله: ﴿الذين يَتَّخِذُونَ﴾ فيجيء فيه الأوجه المذكورة هناك. الثاني: أنه نعتٌ للمنافقين على اللفظ فيكون مجرورَ المحل. الثالث: أنه تابعٌ لهم على الموضعِ فيكونُ منصوبَ المحلِّ، وقد تقرر أنَّ اسمَ الفاعلِ العاملَ إذا أُضيفَ إلى معمولِه جاز أن يُتْبَعَ معمولُه لفظاً وموضعاً، تقول: «هذا ضاربٌ هندٍ العاقلةِ والعاقلةَ» بجرِّ العاقلة ونصبِها. الرابع: أنه منصوبٌ على الشتم. الخامس: أنه خبرُ مبتدأ مضمر أي: هم الذين. السادس: - وذكره أبو البقاء - أنه مبتدأ والخبرُ قولُه: «فإنْ كان لكم فتحُ» وهذا ضعيفٌ لنبوِّ المعنى عنه ولزيادةِ الفاءِ في غيرِ محلِّها، لأنّ هذا الموصولَ غيرُ ظاهرِ الشبهِ باسم الشرط.
قوله: ﴿وَنَمْنَعْكُمْ﴾ الجمهورُ على جزمه عطفاً على ما قبله. وقرأ ابن

أبي عبلة بنصب العين وهي ظاهرةٌ، فإنه على إضمار «أن» بعد الواو المقتضية للجمع في جوابِ الاستفهام كقول الحطيئة:
١٦٦ - ٦- ألم أكُ جارَكمْ ويكونَ بيني | وبينكمُ المودةُ والإخاءُ |
ونستحوذ واستحوذ مِمَّا شَذَّ قياساً وفَصُحَ استعمالاً / لأنَّه مِنْ حقه نَقْلُ حركةِ حرفِ علتِه إلى الساكن قبلها، وقَلْبُها ألفاً كاستقام واستبان وبابه، وقد قدمت تحقيق هذا في قوله: ﴿نَسْتَعِينُ﴾ [الآية: ٥] في الفاتحة، وقد شَذَّت معه الفاظُ أُخَرُ نحو: «أَغْمَيتْ وأَغْيلتْ المرأة وأَخْيلت السماء» قصرها النحويون على السماع، وقاسَها أبو زيد. والاستحواذ: التغلُّب على الشيء والاستيلاءُ عليه. ومنه: ﴿استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان﴾ [المجادلة: ١٩]. ويقال: «حاذَ وأحاذ» بمعنى، والمصدُر الحَوْذ. صفحة رقم 124

وقوله: ﴿يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ قيل: هنا معطوفٌ محذوف أي: وبينهم كقوله:
١٦٦ - ٧- فما كانَ بين الخيرِ لو جاء سالماً | أبو حُجُرٍ إلا ليالٍ قلائِلُ |