آيات من القرآن الكريم

الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

قوله تعالى: ﴿الذين يَتَرَبَّصُونَ﴾ : فيه ستة أوجه، أحدها: أنه بدلٌ من قوله: ﴿الذين يَتَّخِذُونَ﴾ فيجيء فيه الأوجه المذكورة هناك. الثاني: أنه نعتٌ للمنافقين على اللفظ فيكون مجرورَ المحل. الثالث: أنه تابعٌ لهم على الموضعِ فيكونُ منصوبَ المحلِّ، وقد تقرر أنَّ اسمَ الفاعلِ العاملَ إذا أُضيفَ إلى معمولِه جاز أن يُتْبَعَ معمولُه لفظاً وموضعاً، تقول: «هذا ضاربٌ هندٍ العاقلةِ والعاقلةَ» بجرِّ العاقلة ونصبِها. الرابع: أنه منصوبٌ على الشتم. الخامس: أنه خبرُ مبتدأ مضمر أي: هم الذين. السادس: - وذكره أبو البقاء - أنه مبتدأ والخبرُ قولُه: «فإنْ كان لكم فتحُ» وهذا ضعيفٌ لنبوِّ المعنى عنه ولزيادةِ الفاءِ في غيرِ محلِّها، لأنّ هذا الموصولَ غيرُ ظاهرِ الشبهِ باسم الشرط.
قوله: ﴿وَنَمْنَعْكُمْ﴾ الجمهورُ على جزمه عطفاً على ما قبله. وقرأ ابن

صفحة رقم 123

أبي عبلة بنصب العين وهي ظاهرةٌ، فإنه على إضمار «أن» بعد الواو المقتضية للجمع في جوابِ الاستفهام كقول الحطيئة:

١٦٦ - ٦- ألم أكُ جارَكمْ ويكونَ بيني وبينكمُ المودةُ والإخاءُ
وعَبَّر ابنُ عطية بعبارة الكوفيين فقال: «بفتحِ العين على الصرف» ويعنون بالصرف عدمَ تشريكِ الفعلِ مع ما قبلَه في الإِعراب. وقرأ أُبَي: «ومنعناكم» فعلاً ماضياً وهي ظاهرةٌ أيضاً لأنه حُمِلَ على المعنى، فإن معنى «ألم نستحوذ» : إنَّا قد استحوذنا، لأنَّ الاستفهامَ إذا دخل على نفي قَرَّره، ومثلُه: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا﴾ [الشرح: ١ -٢] لَمَّا كان «ألم نشرح» في معنى «قد شرحنا» عُطِفَ عليه «ووضَعْنا».
ونستحوذ واستحوذ مِمَّا شَذَّ قياساً وفَصُحَ استعمالاً / لأنَّه مِنْ حقه نَقْلُ حركةِ حرفِ علتِه إلى الساكن قبلها، وقَلْبُها ألفاً كاستقام واستبان وبابه، وقد قدمت تحقيق هذا في قوله: ﴿نَسْتَعِينُ﴾ [الآية: ٥] في الفاتحة، وقد شَذَّت معه الفاظُ أُخَرُ نحو: «أَغْمَيتْ وأَغْيلتْ المرأة وأَخْيلت السماء» قصرها النحويون على السماع، وقاسَها أبو زيد. والاستحواذ: التغلُّب على الشيء والاستيلاءُ عليه. ومنه: ﴿استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان﴾ [المجادلة: ١٩]. ويقال: «حاذَ وأحاذ» بمعنى، والمصدُر الحَوْذ.

صفحة رقم 124

وقوله: ﴿يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ قيل: هنا معطوفٌ محذوف أي: وبينهم كقوله:

١٦٦ - ٧- فما كانَ بين الخيرِ لو جاء سالماً أبو حُجُرٍ إلا ليالٍ قلائِلُ
أي: وبيني، والظاهرُ أنه لا يَحْتاج لذلك، لأن الخطاب في «بينكم» شاملٌ للجميع، والمرادُ المخاطبون والغائبون، وإنما غَلَّبَ الخطاب لِما عَرَفْتَ من لغة العرب. قوله: ﴿عَلَى المؤمنين﴾ يجوز أن يتعلقَ بالجَعْلِ، ويجوز أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ؛ لأنه في الأصلِ صفةٌ ل «سبيلا» فلمَّا قُدِّم عليه انتصبَ حالاً عنه.

صفحة رقم 125
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية