آيات من القرآن الكريم

بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

المبالغة التي يعطيها اللام، والمراد بنفيهما نفى ما يقتضيهما وهو الإيمان الخالص الثابت. والمعنى:
إنّ الذين تكرر منهم الارتداد وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه، يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف، من إيمان صحيح ثابت يرضاه اللَّه، لأن قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم قلوب قد ضربت بالكفر ومرنت على الردّة، وكان الإيمان أهون شيء عندهم وأدونه، حيث يبدو لهم فيه كرّة بعد أخرى وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردّة ونصحت توبتهم لم يقبل منهم ولم يغفر لهم، لأنّ ذلك مقبول حيث هو بذل للطاقة واستفراغ للوسع، ولكنه استبعاد له واستغراب، وأنه أمر لا يكاد يكون، وهكذا ترى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع، لا يكاد يرجى منه الثبات. والغالب أنه يموت على شرِّ حال وأسمج صورة. وقيل: هم اليهود، آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا بالإنجيل وبعيسى. ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى اللَّه عليه وسلم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٨ الى ١٣٩]
بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩)
بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ وضع (بَشِّرِ) مكان: أخبر، تهكما بهم. والَّذِينَ نصب على الذمّ أو رفع بمعنى أريد الذين، أو هم الذين. وكانوا يمايلون الكفرة «١» ويوالونهم ويقول بعضهم لبعض: لا يتم أمر محمد فتولوا اليهود. فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً يريد لأوليائه الذين كتب لهم العز والغلبة على اليهود وغيرهم، وقال وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٠ الى ١٤١]
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١)

(١). قوله «يمايلون الكفرة» : لعله «يمالئون». (ع)

صفحة رقم 577

أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ هي أن المخففة من الثقيلة. والمعنى أنه إذا سمعتم، أى نزل عليكم أنّ الشأن كذا والشأن ما أفادته الجملة بشرطها وجزائها، و «أن» مع ما في حيزها في موضع الرفع بنزل، أو في موضع النصب بنزّل، فيمن قرأ به. والمنزل عليهم في الكتاب: هو ما نزل عليهم بمكة من قوله: (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) وذلك أن المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزءون به، فنهى المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه. وكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين، فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكة. وكان الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون، فقيل لهم إنكم إذاً مثل الأحبار في الكفر إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ يعنى القاعدين والمقعود معهم. فإن قلت: الضمير في قوله فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ إلى من يرجع؟ قلت:
إلى من دل عليه يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها كأنه قيل: فلا تقعدوا مع الكافرين بها والمستهزئين بها. فإن قلت: لم يكونوا مثلهم بالمجالسة إليهم في وقت الخوض؟ قلت: لأنهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين. والراضي بالكفر كافر. فإن قلت: فهلا كان المسلمون بمكة- حين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين- منافقين؟ قلت: لأنهم كانوا لا ينكرون لعجزهم وهؤلاء لم ينكروا مع قدرتهم، فكان ترك الإنكار لرضاهم الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ إما بدل من الذين يتخذون وإما صفة للمنافقين أو نصب على الذم منهم (يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) أى ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو إخفاق «١» أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ مظاهرين فأسهموا لنا في الغنيمة أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بأن ثبطناهم عنكم، وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم ومرضوا في قتالكم، وتوانينا في مظاهرتهم عليكم، فهاتوا نصيباً لنا بما أصبتم. وقرئ (وَنَمْنَعْكُمْ) بالنصب بإضمار أن، قال الحطيئة:

أَلَمْ أَكُ جَارَكُمْ وَيَكُونَ بَيْنِى وَبَيْنَكُمُ الْمَوَدَّةُ وَالإِخَاءُ «٢»
فإن قلت: لم سمى ظفر المسلمين فتحاً، وظفر الكافرين نصيبا؟ قلت: تعظيما لشأن المسلمين وتخسيساً لحظ الكافرين لأن ظفر المسلمين أمر عظيم «٣» تفتح لهم أبواب
(١). قوله «أو إخفاق» في الصحاح: أخفق الرجل إذا غزا ولم يغنم. (ع)
(٢). للحطيئة يخاطب الزبرقان، وهم بنو عوف بن كعب، وكان جارهم ثم انتقل إلى بنى رفيع، فذكر الزبرقان بحق الجوار، وأنه ينبغي أن لا يقاطعونه. والاستفهام للتقرير: أى أقروا بحق الجوار، فيكون بينا تمام المودة والمؤاخاة، أى الموافقة في العسر واليسر، والبأساء والضراء.
(٣). قال محمود: «سمى ظفر المسلمين فتحا تعظيما لشأن المسلمين... الخ» قال أحمد: وهذا من محاسن نكت أسرار القرآن، فان الذي كان يتفق للمسلمين فيه: استئصال لشأفة الكفار واستيلاء على أرضهم وديارهم وأموالهم وأرض لم يطؤها. وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التي لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحا، فالتفريق بينهما مطابق أيضاً للواقع، واللَّه أعلم.

صفحة رقم 578
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية