آيات من القرآن الكريم

بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ

تعالى وجبره لخواطر عباده وله الحمد. أخرج أبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة قالت كان رسول الله ﷺ يقسم فيعدل فيقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب لأنه تحت قبضة الله تعالى لا طاقة للعبد في تقلبه. وأخرج الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط. وعن أبي داود من كانت له امرأتان فمال إلى أحدهما جاء يوم القيامة وشقه مائل وليعلم أن القسم شرط في البينونة والنفقة والكسوة والسكنى، لا في الجماع ولا في محبة القلب والميل الودي وله إذا تزوج جديدة بكرا على قديمة أن يخصها بسبعة أيام، وإن ثيبا بثلاثة مع لياليها، وله إذا سافر سفرا طويلا أو قصيرا أن يأخذ إحداهن معه بالقرعة ولا يقضي للأخرى هذه المدة، وفي غيرها يجب عليه القضاء، وإذا انتقل نقلة دائمة وجب عليه استصحاب نسائه كافة. قالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها كان صلّى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه- أخرجه البخاري بزيادة- وليعلم أن الله تعالى استثنى رسوله من القسم بين النساء كما مر في الآية ٥١ من سورة الأحزاب مع بيان السبب في ذلك فراجعها
«وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» لما ذكر الله تعالى إغناء كل من الزوجين عند الفراق أشار إلى ما يوجب الرغبة إليه، لأن من ملك هذه الهياكل العظيمة هو جدير بالجود على من يسأله من فضله مما فيهما. قال تعالى «وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» أيها الناس من لدن آدم عليه السلام إلى زمنكم «وَإِيَّاكُمْ» نوصّي يا أهل القرآن «أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ» بالنساء وغيرهن، لأن الأمر بالتقوى شريعة قديمة باقية إلى الأبد، وكررت الوصية فيها لمنى غير الأول أي اقبلوا وصية «وَإِنْ تَكْفُرُوا» بما جاءكم عن ربكم فهو غني عنكم ولا يعبا بكم ولا ينظر إليكم، وإن تؤمنوا وتعلموا بأنه هو الغني فاطلبوا منه ما تشاءون فهو يعطيكم وإن تجحدوا هذه الوصية «فَإِنَّ لِلَّهِ» الذي هو غني عن خلقه «ما فِي السَّماواتِ» من ملائكة وكواكب «وَما فِي الْأَرْضِ» من مخلوقات يتقون الله ويطيعونه أكثر منكم «وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا» عن جميع خلقه علويه وسفليه، غير محتاج لطاعتهم

صفحة رقم 614

لأنهم تحت قهره «حَمِيداً» (١٣١) لنفسه وإن لم يحمده أحد «وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا» (١٣٢) على خلقه شهيدا على أعمالهم، وكررت أيضا لاختصاصها بمعنى آخر أي فتوكلوا عليه لا على غيره.
وفي هاتين الآيتين من التهديد والوعيد ما لا يخفى، وقد أكدهما بقوله «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ» كلكم إذا لم ترجعوا عن غيكم «وَيَأْتِ بِآخَرِينَ» أطوع منكم إليه بان ينشأهم كما أنشأكم من لا شيء «وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ» إذهابكم وخلق غيركم «قَدِيراً» (١٣٣) لا يعجزه شيء من ذلك، وفي هذه الآية تهديد عظيم، ألا فلينتبه وليحذر من لم يتق الله ويخش بطشه وانتقامه، فإنه بالغ القدرة يفعل ما يشاء. قال تعالى «مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا» جزاء عمله فيها منكم أيها الناس ويصرف نظره عن نعيم الآخرة الباقي إلى نعمها الفانية، «فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ» فاطلبوها معا لا تتقصروا على ثواب الدنيا فقط وهو قادر على إعطائكم ثوابهما معا» إذا طلبتموهما «وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً» لأقوالكم «بَصِيراً» (١٣٤) بنياتكم لا يخفى عليه شيء من أموركم. كان المنافقون إذا ذهبوا للجهاد يقصدون الغنيمة فقط لأنهم لا يصدقون بالآخرة كالمشركين الذين لا يعترفون بالبعث، فأنزل الله فيهم هذه الآية. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ» مجتهدين في إقامة العدل بين الناس على اختلاف طبقاتهم «شُهَداءَ لِلَّهِ» مخلصين لوجهه ابتغاء مرضاته «وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ» تلك الشهادة فكما يجب عليكم أداؤها بالحق للغير يجب أداؤها على أنفسكم بأن تقروا بالحق فيما لكم وعليكم «أَوِ» كانت الشهادة على «الْوالِدَيْنِ» لكم «وَالْأَقْرَبِينَ» منكم. واحذروا أن تحابوهم بسبب القرابة، فالله أحق أن تهابوه بأدائها، وإياكم أن تفرقوا بين المشهود عليه «إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً» قويا أو ضعيفا فما عليكم إلا أن تشهدوا بالواقع بقطع النظر عن حالهما وشأنهما، خطيرا كان أو حقيرا، عدوا أو صديقا «فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما» منكم واحذروا أن تكتموا شيئا وتقولوا زورا اتباعا لهواكم أو رضاء للشهود له أو عدم مبالاة بالمشهود عليه، راجع الآية ١٠٧ المارة، ولهذا يقول الله تعالى لكم «فَلا

صفحة رقم 615

تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا»
عن الحق في أداء الشهادة «وَإِنْ تَلْوُوا» بألسنتكم فتحرفوها إلى غير الحق فلا تؤدوها على وجهها اتباعا لهوى أنفسكم «أَوْ تُعْرِضُوا» عن إقامة الشهادة فتكتموها خوفا من أعدائكم أو مراعاة لأصدقائكم أو تهتموا للغني ولا تبالوا بالفقير «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً» (١٣٥) فيعاقبكم على ذلك. قالوا كان اختصم إلى حضرة الرسول فقير وغني، فأصغى إلى الفقير لأنه عادة لا يظلم الغني، فأنزل الله هذه الآية بعلمه فيها أن لا فرق بين الغني والفقير والكبير والصغير بإقامة العدل، وإن الظلم قد يصدر من الفقير والضعيف كما يكون من الغني والقوي، وقد يكون الفقير هو المعتدي ويتذرع بفقره لدى الناس ويتظلم لدى الحكام ليستعين بهم على ظلمه. قال المتنبي:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عقة فلعلة لا يظلم
وما قاله الآخر:
ظلم القوي للضعيف جاري في الأرض والهواء والبحار
فهو على طريق التغليب على أن فقر الأخلاق أشد من فقر المال وأتعس. قال:
وما فقر الدراهم حال ذل ولكن فقر أخلاق الرجال
فلا تحزن على يسر تقضى وقم واندب على كرم الخلال
فإن العسر يتلوه يسار وليس لخسة الأخلاق تال
قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» هذا خطاب عام لكافة المؤمنين من المشركين وأهل الكتاب والذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم «آمَنُوا» إيمانا عاما شاملا وأديموا إيمانكم «بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» لأن من لم يؤمن بالرسول لا يقبل إيمانه بالله، وبالعكس أيضا، واستمروا على الإيمان، وأخلصوا فيه قلبا ولسانا «وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ» آمنوا به أيضا «وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ» كتابكم آمنوا به وآل فيه للجنس أي كل كتاب من الكتب المنزلة قبلا من الله تعالى على الرسل السالفة من لدن آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام، لأن من لا يؤمن بأحدها لا يقبل إيمانه بالآخر، ومن كفر بأحدها فقد كفر بها كلها، فاثبتوا على هذا الإيمان الكامل الشامل «وَمَنْ يَكْفُرْ

صفحة رقم 616

بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ»
أو بأحد منهم ومنها «وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» من يكفر به ويجحده «فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً» (١٣٦) واستحق عذابا شديدا كما أسلم عبد الله بن سلام كما مر في الآية ٤٧ جاء أسد وأسيد ابنا كعب وثعلبة بن قيس وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام ومسلمة بن أخيه ويامين بن يامين وقالوا يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما عدا ذلك من الكتب والرسل، فقال صلّى الله عليه وسلم بل آمنوا بالله ورسوله محمد والقرآن وبكل كتاب قبله وكل رسول أرسل، فأنزل الله هذه الآية. قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» بموسى «ثُمَّ كَفَرُوا» بعده «ثُمَّ آمَنُوا» بعزير وداود «ثُمَّ كَفَرُوا» بيحيى وعيسى «ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً» بمحمد صلوات الله عليهم وسلامه وماتوا على كفرهم «لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا» (١٣٧) ينجون به من العذاب، راجع نظيرة هذه الآية الآتية ٩٠ من آل عمران المارة وقد نزلت هذه الآية تبكيتا لليهود الموجودين زمن الرسول باعتبار عد ما صدر من أسلافهم كأنه صادر عنهم، وفي المنافقين الذين يؤمنون ويرتدّون عن الإيمان المرة بعد الأخرى.
مطلب في التهكم والكتاب والنهي عن مجالسة الغواة وأفعال المنافقين وأقوال اليهود الباطلة:
قال تعالى «بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ» يا سيد الرسل «بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» (١٣٨) وهذا على طريق التهكم بهم مأخوذ من البشارة وهي كلمة تتغير عند سماعها بشرة الوجه سارة كانت أو ضارة، إلا أن استعمالها الشائع بالخير فقط، ولا يوجد في القرآن آية مبدوءة بمثل هذه الكلمة غير هذه. ثم وصفهم الله بقوله «الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» ويركنون إليهم، فسلهم يا سيد الرسل «أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ» بذلك الاتخاذ كلا لا عزة لهم به بل ذلة لهم ومهانة، وإذا كانوا يريدون العزة الحقيقية «فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً» (١٣٩) وهو يعطيها أولياءه ويخص أصفياءه بها فيتخذون الله وليا وهو يعزهم «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ» في هذا القرآن في الآية ٦٨ فما بعدها من سورة الأنعام ج ٢،

صفحة رقم 617
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية