آيات من القرآن الكريم

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ

وَالْخَنَازِيرِ وَمَا يَحْمِلُنِي حُبِّي إِيَّاهُ، وَبُغْضِي لَكُمْ على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات وَالْأَرْضُ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ مُسْنَدًا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: تَلْوُوا، أَيْ تُحَرِّفُوا الشَّهَادَةَ وَتُغَيِّرُوهَا، وَاللَّيُّ هو التحريف وتعمد الكذب، قال تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ [آل عمران: ٧٨]، والإعراض هو كتمان الشهادة وتركها، قال تَعَالَى: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٣] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيْرُ الشهداء الذي يأتي بالشهادة قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» «١» وَلِهَذَا تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً أَيْ وسيجازيكم بذلك.
[سورة النساء (٤) : آية ١٣٦]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦)
يأمر تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالدُّخُولِ فِي جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ وَشُعَبِهِ وَأَرْكَانِهِ وَدَعَائِمِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، بَلْ مِنْ بَابِ تَكْمِيلِ الْكَامِلِ وَتَقْرِيرِهِ وَتَثْبِيتِهِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ، كَمَا يَقُولُ الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الْفَاتِحَةِ: ٦] أَيْ بَصِّرْنَا فِيهِ وَزِدْنَا هُدَى وَثَبِّتْنَا عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ [الْحَدِيدِ: ٢٨]. وَقَوْلُهُ: وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَهَذَا جِنْسٌ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَالَ فِي الْقُرْآنِ:
نَزَّلَ لِأَنَّهُ نَزَلَ مُفَرَّقًا مُنَجَّمًا عَلَى الْوَقَائِعِ بِحَسَبِ مَا يَحْتَاجُ إليه العباد في معاشهم ومعادهم، وَأَمَّا الْكُتُبُ الْمُتَقَدِّمَةُ، فَكَانَتْ تَنْزِلُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، لهذا قال تعالى: وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ قَالَ تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً أَيْ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى وَبَعُدَ عَنِ الْقَصْدِ كل البعد.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٧ الى ١٤٠]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّنْ دَخَلَ فِي الْإِيمَانِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَ فِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ضَلَالِهِ وَازْدَادَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ لَا تَوْبَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَرَجًا وَلَا مَخْرَجًا وَلَا طَرِيقًا إِلَى الْهُدَى، وَلِهَذَا قَالَ: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا. قَالَ

(١) رواه أحمد في المسند ٤/ ١١٨ و ٥/ ١٩٢ من حديث زيد بن خالد الجهني بلفظ: «خير الشهادة ما شهد بها صاحبها قبل أن يسألها». [.....]

صفحة رقم 384

ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبَدَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ جُمَيْعٍ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً قال: تمموا عَلَى كُفْرِهِمْ حَتَّى مَاتُوا، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْمُعَلَّى عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا، ثُمَّ قَالَ: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً يَعْنِي أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مَعَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ يُوَالُونَهُمْ وَيُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ إِذَا خَلَوْا بِهِمْ: إِنَّمَا نَحْنُ مَعَكُمْ، إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، أَيْ بِالْمُؤْمِنِينَ، فِي إِظْهَارِنَا لَهُمُ الْمُوَافَقَةَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ فِيمَا سَلَكُوهُ مِنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ، ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِمَنْ جَعَلَهَا لَهُ، كما قال تعالى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [فَاطِرٍ: ١٠]. وَقَالَ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الْمُنَافِقُونَ: ٨]، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّهْيِيجِ عَلَى طَلَبِ العزة من جناب الله والإقبال على عُبُودِيَّتِهِ وَالِانْتِظَامِ فِي جُمْلَةِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لهم النصرة في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، ويناسب هنا أن نذكر الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ بن حميد الكندي، عن عبادة بن نسيء، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ انْتَسَبَ إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ كُفَّارٍ يُرِيدُ بِهِمْ عِزًّا وَفَخْرًا، فَهُوَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَأَبُو ريحانة هذا هو أزدي، ويقال أنصاري، واسمه شَمْعُونُ، بِالْمُعْجَمَةِ، فِيمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بالمهملة، والله أعلم.
وقوله: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ، أي إنكم إِذَا ارْتَكَبْتُمِ النَّهْيَ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَيْكُمْ وَرَضِيتُمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُمْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُكْفَرُ فِيهِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيُسْتَهْزَأُ وَيُنْتَقَصُ بِهَا وَأَقْرَرْتُمُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ شَارَكْتُمُوهُمْ فِي الَّذِي هُمْ فِيهِ، فلهذا قال تعالى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ فِي الْمَأْثَمِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» وَالَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [الْأَنْعَامِ:
٦٨]، قَالَ مُقَاتِلُ بُنُ حَيَّانَ: نُسِخَتْ هَذِهِ الآية التي في سورة الْأَنْعَامِ، يَعْنِي نُسِخَ قَوْلُهُ: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ لِقَوْلِهِ- وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الْأَنْعَامِ: ٦٩].

(١) مسند أحمد ٤/ ١٣٣.

صفحة رقم 385
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية