آيات من القرآن الكريم

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

[سورة النساء (٤) : آية ١٠٤]

وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤)
وقوله تعالى: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ: أي: لا تَلِينُوا وتَضْعُفوا يُقَالُ: حَبْلٌ وَاهِنٌ، أيْ: ضعيفٌ ومنه: «وَهَنَ العَظْمُ» وابتغاءُ القَوْمِ: طَلَبُهم، وهذا تشجيعٌ لنفوسِ المُؤْمنين، وتحقيرٌ لأمْر الكَفَرة، ثم تأَكَّد التشجيعُ بقوله: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ، وهذا برهانٌ بَيِّنٌ، ينبغي بحَسَبِهِ أنْ تقوى نفوسُ المؤمنين، وباقي الآية بيّن.
[سورة النساء (٤) : آية ١٠٥]
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥)
وقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ...
الآية: في هذه الآية تشريف للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتفويضٌ إليه، وتقويمٌ أيضاً على الجادَّة في الحُكْم، وتأنيبٌ مَّا على قبولِ ما رُفِعَ إلَيْه في أمْر بَنِي أُبيْرِقٍ بِسُرْعَةٍ.
وقولُهُ تعالى: بِما أَراكَ اللَّهُ: معناه: على قوانينِ الشَّرْعِ إمَّا بوَحْيٍ ونَصٍّ أو نَظَرٍ جارٍ على سَنَنِ الوحْي، وقد تضمَّنَ اللَّه تعالى لأنبيائه العِصْمَةَ.
وقوله تعالى: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً، قال الهَرَوِيُّ: خَصِيماً: أيْ:
مُخَاصِماً، ولا دَافِعاً. انتهى.
قال ع «١» : سببها، باتفاق من المتأولين: أمْرُ بني أُبَيْرِقٍ، وكانوا إخْوَةً: بِشْرٌ، وبَشِيرٌ، وَمُبَشِّر، وطُعَيْمَةُ، وكان بَشِيرٌ رجلاً منافقاً يهجو أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وينحل الشِّعْر لغيره، فكان المسلمونَ يَقُولُونَ: واللَّهِ، ما هو إلاَّ شِعْرُ الخَبِيثِ، فقال شعراً يتنصَّل فيه فَمِنْهُ قوله: [الطويل]
أَفِي كُلِّ مَا قَالَ الرِّجَالُ قَصِيدَة... نُحِلْتُ، وَقَالُوا: ابن الأُبَيْرِقِ قَالَهَا
قال قتادةُ بنُ النُّعْمَانِ: وكان بَنُو أُبَيْرِقٍ أهْلَ فَاقَةٍ، فابتاع عَمِّي رِفَاعَةُ بن زيد «٢» حملا
(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ١٠٨).
(٢) رفاعة بن زيد: ابن عامر بن سواد بن كعب، وهو ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أوس الأنصاريّ الظفريّ، عم قتادة بن النّعمان.
روى الترمذي والطّبريّ، من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جدّه قتادة بن النّعمان، قال:
كان أهل بيت منّا يقال لهم بنو أبيرق، فابتاع عمّي رفاعة بن زيد جملا من الدرمك، فجعله في مشربة له، فعدا عليه من تحت الليل، فذكر الحديث بطوله في نزول قوله تعالى: وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [النساء: ١٠٥] وفي آخره قال قتادة: فأتيت عمي بسلاحه، وكان قد عشا في الجاهلية، وكنت أظنّ-

صفحة رقم 295

مِنْ دَرْمَكِ الشِّامِ، فجعله في مَشْرُبَةٍ له، وفي المَشْرُبَةِ دِرْعَانِ له، وسَيْفَانِ، فَعُدِيَ على المَشْرُبَةِ من اللَّيْلِ، فلما أصْبَحَ، أتانِي عَمِّي رفاعة، فقال: يا ابن أَخِي، أتعلَمُ أنه قَدْ عُدِيَ علَيْنا في لَيْلَتِنَا هذه، فَنُقِبَتْ مَشْرُبَتُنَا، وذُهِبَ بطَعَامِنَا، وسِلاَحِنا، قال: فتحسَّسْنا في الدَّار، وسألنا، فَقِيلَ لنا: قد رأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِقٍ استوقدوا نَاراً في هذه الليلةِ، ولاَ نُرَاهُ إلاَّ على بعض طعامِكُمْ، قال: وقد كان بَنُو أُبَيْرِقٍ قالُوا، ونَحْنُ نَسْأَلُ: وَاللَّهِ، مَا نرى صَاحِبَكُمْ إلاَّ لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ «١»، رَجلٌ مِنَّا لَهُ صَلاَحٌ وإسْلاَمٌ، فَسَمِعَ ذَلِكَ لَبِيدٌ، فاخترط سَيْفَهُ، ثُمَّ أتى بَنِي أُبَيْرِقٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيُخَالِطَنَّكُمْ هَذَا السَّيْفُ، أَوْ لَتُبَيِّنُنَّ هَذِهِ السَّرِقَةَ، فَقَالُوا: إلَيْكَ عنّا، أيّها الرّجل، فو الله، مَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا، فَسَأَلْنَا فِي الدَّارِ حتى لَمْ نَشُكَّ أَنَّهُمْ أَصْحَابُهَا، فَقَالَ لِي عَمِّي:
يا ابن أخي، لو أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته بهذه القصّة، فأتيته صلّى الله عليه وسلّم، فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: انظر فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ بَنُو أُبَيْرِقٍ، أَتَوْا رَجُلاً مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أُسَيْرُ بْنُ عُرْوَةَ «٢»، فكلَّموه في ذلكَ، واجتمع إلَيْهِ ناسٌ مِنْ أَهْلِ الدارِ، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم/ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ رِفَاعَةَ عَمَدَا إلى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلِ إسْلاَمٍ وَصَلاَحٍ يَرْمِيَانِهِمْ بِالسَّرِقَةِ على غَيْرِ بَيِّنَةٍ، قال قَتَادةُ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَكَلَّمْتُهُ، فَقَالَ:
عَمَدتَّ إلى أَهْلِ بَيْتٍ، ذُكِرَ مِنْهُمْ إسْلاَمٌ وَصَلاَحٌ، فَرَمَيْتَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، قال:
فَرَجَعْتُ، وَقَدْ وَدِدتُّ أَنْ أَخْرُجَ عَنْ بَعْضِ مَالِي، وَلَمْ أُكَلِّمْهُ، فَأَتَيْتُ عَمِّي، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: اللَّهُ المُسْتَعَانُ، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ القُرآن:
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ... الآيات، قال: فالخائنون: بنو أبيرق، والبريء المرميّ

- إسلامه مدخولا، قال: فلما أتيته به قال: يا بن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أنّ إسلامه كان صحيحا.
قال التّرمذيّ: غريب تفرد محمد بن سلمة بوصله، ورواه غيره مرسلا، ورواه الواقديّ من طرق عن محمود بن لبيد، فذكر القصة مطولة فزاد ونقص.
ينظر: «الإصابة» (٢/ ٤٠٧)، «تبصير المنتبه» (٣/ ٨٥١)، «الجرح والتعديل» (٣/ ٢٢٣٣)، «الأعلمي» (١٨/ ٢٦٣)، «أسد الغابة» ت (١٦٨٨)، «الاستيعاب» ت (٧٧٧). [.....]
(١) لبيد بن سهل بن الحارث بن عروة بن رزاح بن ظفر الأنصاري. وقال ابن عبد البرّ: لا أدري هو من أنفسهم أو حليف لهم. انتهى.
وقد نسبه ابن الكلبيّ إلى القبيلة كما ترى، لكن قال العدوي: إنه وهم من ابن الكلبي وإنما هو أبو لبيد بن سهل- رجل من بني الحارث بن مازن بن سعد العشيرة من حلفاء الأنصار.
ينظر: «أسد الغابة» ت (٤٥٢٨)، «الإصابة» (٥/ ٥٠٤)، «الاستيعاب» ت (٢٢٦١).
(٢) أسير بن عروة بن سواد بن الهيثم بن ظفر الأنصاري الظّفري. قال ابن القداح: شهد أحدا والمشاهد بعدها، واستشهد بنهاوند.
ينظر: «الإصابة» (١/ ٢٣٧)، «الثقات» (٣/ ١٥)، «أسد الغابة» ت (٦٧٧)، «الاستيعاب» ت (٦٣).

صفحة رقم 296
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية