آيات من القرآن الكريم

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

قوله تعالى (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً. واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما تعملون محيطاً. ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً)
قال الترمذي: حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني. حدثنا محمد بن سلمة الحرّاني. حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منّا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشير رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول قال فلان كذا وكذا قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث أو كما قال الرجل، وقالوا ابن الأبيرق قالها، قال وكان أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدِمت ضافطة من الشام من الدَرْمَك ابتاع الرجل منها فخصَّ بها نفسه. وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمِّى رفاعة بن زيد حِملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف، فعُدى عليه من تحت البيت فنقبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمِّى رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدى علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا.
قال! فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال: وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار، والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجل منا له صلاح

صفحة رقم 107

وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟ فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبيننّ هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشكّ أنهم أصحابها، فقال لى عمّى: يا ابن أخى لو آتيتَ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرتَ ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيتٍ منا أهلُ جفاء عمدوا إلى عمّى رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليرُدّوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سآمر في ذلك"، فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له أسير بن عروة فكلّموه في ذلك، فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمّه عمدوا إلى أهل بيت منّا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة: فأتيتُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلّمته، فقال: لعمدت إلى أهل بيتٍ ذُكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة"، قال: فرجعتُ، ولوَدِدتُ أني خرجت من بعض مالى ولم أكلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمّى رفاعة، فقال: يا ابن أخي ما صنعتَ؟ فأخبرته بما قال لى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً) بني أبيرق (واستغفر الله) أي مما قلتُ لقتادة (إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوّاناً أثيماً. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله -إلى قوله- غفورا رحيما) أي: لو استغفروا الله لغفر لهم، (ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه -إلى قوله- إثماً مبيناً) قوله للبيد: (ولولا فضل الله عليك ورحمته -إلى قوله- فسوف نؤتيه أجراً عظيماً) فلما نزل القرأن أتى رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فردّه إلى رفاعة، فقال قتادة: لمّا أتيتُ عمّي بالسلاح، وكان شيخاً قد عمىَ أو عشي في الجاهلية، وكنتُ أرى إسلامه مدخولاً، فلما

صفحة رقم 108

أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخى هو في سبيل الله، فعرفتُ أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحِق بشيرٌ بالمشركين، فنزل على سُلافة بنت سعد بن سُمية فأنزل الله (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً. إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يُشرك بالله فقد ضلّ ضلالا بعيداً) فلما نزل على سُلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعره، فأخذتْ رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديتَ لى شعر حسّان؟
ما كنتَ تأتيني بخير.
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نحلم أحداً أسنده غير محمد بن سلمة الحَراني.
وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلاً لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده، وقتادة هو أخو أبي سعيد الخدري لأمه وأبو سعيد الخدري سعد ابن مالك بن سنان.
(السنن ٥/ ٢٤٤-٢٤٧ ح /٣٠٣٦ - ك التفسير، سورة النساء)، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) وأخرجه الطبري في (تفسيره ٩/١٧٧) ح ١٠٤١١) بسند الترمذي نفسه. وأخرجه الحاكم (٤/٣٨٥- ك الحدود) -مع اختلاف في لفظه- من طريق: يونس بن بكير، عن ابن إسحاق به. وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. "وأما عن قول الترمذي: بأن يونس بن بكير وجماعة رووه عن عاصم بن عمر مرسلاً، فقد قال الشيخ أحمد شاكر: غير أن الحاكم: رواه كما ترى من طريق يونس بن بكير مرفوعاً إلى قتادة بن النعمان" (تفسير الطبري ٩/١٨٣).
وانظر حديث أم سلمة عند البخاري ومسلم المتقدم تحت الآية رقم (١٨٨) من سورة البقرة.
قال الطبري: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان عن الأعمش، عن أبي رزين: (إذ يبيتون مالا يرضى من القول) قال: يؤلفون مالا يرضى من القول.
ورجاله ثقات وسنده صحيح، وأبو رزين هو مسعود بن مالك.

صفحة رقم 109
الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور
عرض الكتاب
المؤلف
حكمت بشير ياسين
الناشر
دار المآثر للنشر والتوزيع والطباعة- المدينة النبوية
سنة النشر
1420 - 1999
الطبعة
الأولى ، 1420 ه - 1999 م
عدد الأجزاء
4
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية