آيات من القرآن الكريم

۞ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ

ثم يكون مضغة، ثم يكون لحما وعظما وعصبا، وينفخ فيه الروح فيصير خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين.
(فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) أي في ظلمات أغشية ثلاثة جعلها المولى سبحانه وقاية للولد وحفظا له من التعفن، قال الدكتور عبد العزيز باشا إسماعيل في كتابه [الإسلام والطب الحديث] : يعلمنا القرآن أن الجنين له ثلاثة أغشية سماها ظلمات: هى الغشاء المنبارى، والخربون، والغشاء اللفانفى، وهى لا تظهر إلا بالتشريح الدقيق، وتظهر كأنها غشاء واحد بالعين المجردة اهـ.
وبعد أن ذكر هذه الأفعال العجيبة ذكر موجدها ومنشئها فقال:
(ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ) أي ذلكم العظيم الشأن الذي عددت أفعاله- هو الله مربيكم فيما ذكر من الأطوار وفيما بعدها، المستحق لتخصيص العبادة به سبحانه (لَهُ الْمُلْكُ) على الإطلاق في الدنيا والآخرة.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا تنبغى العبادة إلا له وحده لا شريك له.
(فَأَنَّى تُصْرَفُونَ؟) أي فكيف تصرفون عن عبادته تعالى مع وفور موجباتها ودواعيها، وانتفاء ما يصرف عنها- إلى عبادة غيره سبحانه من غير داع إليها مع كثرة ما يصرف عنها.
والخلاصة- كيف تعبدون معه سواه؟ أين ذهبت عقولكم؟ وكيف ضاعت أحلامكم؟.
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٧ الى ٨]
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨)

صفحة رقم 147

تفسير المفردات
منيبا: أي راجعا إليه مطيعا له، خوّله: ملّكه وأنشد أبو عمرو بن العلاء لزهير ابن أبى سلمى:

هنالك إن يستخولوا المال يخولوا وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
المعنى الجملي
بعد أن أقام الأدلة على وحدانيته تعالى وذكر أن المشركين عبدة الأصنام لا دليل لهم على عبادتها، وكأنّ عقولهم قد ذهبت حين عبدوها- أعقب ذلك ببيان أنه هو الغنى عما سواه من المخلوقات، فهو لا يريد بعبادته جر منفعة، ولا دفع مضرة، ولكنه لا يرضى الكفر لعباده، بل يرضى لهم الشكر، وأن كل نفس مطالبة بما عملت، وبعدئذ تردّ إلى عالم الغيب والشهادة فيجازيها بما كسبت، ثم أتبعه بذكر تناقض المشركين فيما يفعلون، فإذا أصابهم الضر رجعوا في طلب دفعه إلى الله، وإذا ذهب عنهم عادوا إلى عبادة الأوثان، وقد كان العقل يقضى بأنهم وقد علموا أنه لا يدفع الضر سواه- أن يعبدوه في جميع الحالات، ثم أمر رسوله أن يقول لهم متهكما موبخا تمتعوا بكفركم قليلا ثم مصيركم إلى النار وبئس القرار.
الإيضاح
(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) أي إن تكفروا به سبحانه مع مشاهدة ما يوجب الإيمان والشكر فإن ذلك لا يضيره شيئا، فهو الغنى عن سائر المخلوقات كما قال تعالى حكاية عن موسى: «إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ

صفحة رقم 148

لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ»
وجاء في صحيح مسلم «يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا».
ثم ذكر ما يحبه سبحانه وما يكرهه فقال:
(وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) أي لا يحبه ولا يأمر به، لأنه مانع من ارتقاء النفوس البشرية بجعلها ذليلة خاضعة للأرباب المتعددة والمعبودات الحقيرة من الخشب والنّصب وممن يأكل الطعام ويمشى في الأسواق.
(وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) لأنه على مقتضى السّنن القويم، والصراط العادل المستقيم كما قال: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ».
ثم ذكر أن كل إنسان يوم القيامة يجازى بما قدم من عمل، ولا يضيره عمل سواه فقال:
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي ولا تحمل أىّ نفس أوزار نفس أخرى، بل كلّ مطالب بعمل نفسه خيرا كان أو شرا.
ثم بين أن جزاء المرء في الآخرة وفق ما عمل في الدنيا فقال:
(ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي ثم مصيركم يوم القيامة إلى خالقكم البصير بأمركم العليم بالسر والنجوى، فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا، إذ لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ثم يجازى المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، فاحذروا أن تلقوا ربكم وقد عملتم في الدنيا ما لا يرضاه فتهلكوا.
ثم بين أن هذه المجازاة ليست بالعسيرة عليه سبحانه فقال:
(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي إنه تعالى محص جميع أعمالكم حتى ما تضمره صدوركم مما لا تدركه أعينكم فكيف بما رأته العيون، وأدركته الأبصار؟.
ثم بين سبحانه شأن الكافر بالنسبة إلى ربه فقال:
(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ

صفحة رقم 149
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية