آيات من القرآن الكريم

وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

(وترى) يا محمد (الملائكة حافين) أي محيطين ومحدقين قائمين بجميع ما عليهم من الحقوق (من حول العرش) أي جوانبه التي يمكن الحفوف بها فيسمع لحفوفهم صوت التسبيح والتمجيد والتقديس، وإدخال

صفحة رقم 153

(من) يفهم أنهم مع كثرتهم إلى حد لا يحصيه إلا الله لا يملأون حوله، وهذا أولى من قول البيضاوي: إن (من) مزيدة، وبه قال الأخفش: أو للابتداء أي ابتداء حفوفهم من حول العرش إلى حيث شاء الله.
والمعنى أن الرائي يراهم بهذه الصفة في ذلك اليوم، والحافين جمع حاف قاله الأخفش، وهو المحدق بالشيء من حففت بالشيء إذا أحطت به، وهو مأخوذ من الحفاف وهو الجانب، وقال الفراء وتبعه الزمخشري لا واحد له من لفظه إذ لا يقع لهم هذا الاسم إلا مجتمعين.
(يسبحون بحمد ربهم) أي حال كونهم مسبحين لله متلبسين بحمده أي يقولون سبحان الله وبحمده وقيل معنى يسبحون يصلون حول العرش شكراً لربهم، وهذا تسبيح تلذذ لا تسبيح تعبد، لأن التكليف يزول في ذلك اليوم وذلك يشعر بأن ثوابهم هو عين ذلك التسبيح، وأفهم أن منتهى درجات العليين ولذاتهم الاستغراق في صفاته تعالى، اللهم أرزقنا.
(وقضي بينهم) أي بين جميع العباد والخلائق (بالحق) أي بالعدل بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار، وقيل بين النبيين الذين جيء بهم مع الشهداء، وبين أممهم، وقيل بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب درجاتهم والأول أولى.
(وقيل الحمد لله رب العالمين) القائلون هم المؤمنون، حمدوا الله على قضائه بينهم وبين أهل النار بالحق كما قال: (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)، وقيل القائلون هم الملائكة حمدوا الله تعالى على عدله في الحكم وقضائه بين عباده بالحق، وبدأ سبحانه هذه الآية بالحمد، وختمها بالحمد، للتنبيه على تحميده في بداية كل أمر ونهايته، والحمد الأول على صدق الوعد وإيراث الجنة، وهذا على القضاء بالحق، فلا تكرار فيه، وروي من حديث ابن عمر أن رسول الله ﷺ قرأ على المنبر آخر الزمر فتحرك المنبر مرتين.

صفحة رقم 154

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سورة غافر
وهي سورة المؤمن وتسمى سورة الطول وهي خمس وثمانون آية
وقيل اثنتان وثمانون آية قاله القرطبي، وهي مكيّة في قول عطاء وجابر وعكرمة، قال الحسن إلا قوله: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) لأن الصلوات نزلت بالمدينة وقال ابن عباس وقتادة إلا آيتين نزلتا بالمدينة وهما (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ) والتي بعدها، وكذا نص عليه السيوطي في الإتقان، وفي لب الأصول في أسباب النزول، قال ابن عباس أنزلت حم المؤمن بمكة، وعن سمرة بن جندب قال نزلت الحواميم جميعاً بمكة.
وأخرج محمد بن نصر وابن مردويه عن أنس بن مالك سمعت رسول الله - ﷺ - يقول " إن الله أعطاني السبع الحواميم مكان التوراة، وأعطاني الراءات إلى الطواسين مكان الإنجيل، وأعطاني ما بين الطواسين إلى الحواميم مكان الزبور، وفضلني بالحواميم والمفصل، ما قرأهن نبي قبلي، وقال ابن عباس إن لكل شيء لباباً، وإن لباب القرآن حم، قال ابن مسعود الحواميم ديباج القرآن، وعنه قال: " إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنق فيهن " (١).
وعن سعد بن إبراهيم الحواميم تسمى العرائس، رواه الدارمي في مسنده، وقال الجوهري آل حم سور في القرآن، فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب، وبه قال الحريري في درة الغواص قال أبو عبيدة الحواميم على غير قياس، والأولى أن تجمع بذوات حم انتهى، فتلخص من مجموع هذه الأخبار أن هذه السور السبع تسمى الحواميم، وتسمى ال حم، وتسمى ذوات حم فلها جموع ثلاثة خلافاً لمن أنكر الأول منها.
وأخرج البيهقي في الشعب عن خليل بن مرة أن رسول الله - ﷺ - قال " الحواميم سبع وأبواب النار سبع يجيء كل حم منا يقف على باب من هذه الأبواب، يقول اللهم لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرؤني ".
_________
(١) السيوطي في الدر ٥/ ٣٤٤.

صفحة رقم 155

بسم الله الرحمن الرحيم

حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)
(بسم الله الرحمن الرحيم

صفحة رقم 157
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية