آيات من القرآن الكريم

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ

﴿والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ فأين الخلق عند ذلك؟ قال: " هم كرقم في الكتاب ".
وروى ابن الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: إن السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما في يد الله تبارك وتعالى كخردلة في يد أحدكم.
قال أبو محمد مؤلفه ( C) : ويجب على أهل الدين والفضل والفهم أن يجروا هذه الأحاديث التي فيها ذكر اليد والإصبع ونحوه على ما أتت، وألا يعتقد في ذلك جارحة (ولا تشبيه، فليس كمثل ربنا) شيء. ومن توهم في ذلك جارحة فقد شبه الله سبحانه وعدل عن الحق
ثم قال: ﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، أي: تنزيهاً له وتبرية من السوء والشرك.
قوله تعالى ذكره ﴿وَنُفِخَ فِي الصور فَصَعِقَ﴾ - إلى قوله - ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾، أي: ونفخ إسرافيل في القرن فمات من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله. وهذه هي النفخة الثانية.

صفحة رقم 6378

وقيل: الصور جمع صورة.
فالمعنى: ونفخ إسرافيل في صورة بني آدم فماتوا. والأول أكثر.
وقوله: ﴿إِلاَّ مَن شَآءَ الله﴾. قال السدي وغيره: هو جبريل وميكائيل وملك الموت.
وكذلك روى أنس عن النبي ﷺ: " لا يموتون في هذه النفخة (صلوات الله عليهم) ثم يموتون بعد ذلك، فلا يبقى إلا الله الحيّ القيوم، ثم يحيي الله تعالى إسرافيل عليه السلام ويأمره أن ينفخ في القرن لإحياء الخلق بإذن الله تعالى. والله المميت للخلق بالنفخة التي هي نفخة الصعق وهو المحيي للخلق بالنفخة التي هي نفخة الأحياء ".

صفحة رقم 6379

قال ابن جبير: عنى بذلك (شهداءهم) حول العرش (متقلدو السيوف).
وقيل: استثناء الشهداء، إنما هو في [نفخة الفزع. وهي الأولى.
وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " ينفخ في الصور ثلاث نفخات]: النفخة الأولى، نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين، يأمر الله جل ذكره إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، فمن استثنى حين يقول: ﴿فَفَزِعَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله﴾؟
قال: أولئك الشهداء. (وإن ما يصير) الفزع إلى الأحياء. أولئك أحياء عند

صفحة رقم 6380

ربهم يرزقون (ووقاهم الله) فزع ذلك اليوم وأمنهم.
ثم يأمر الله تعالى إسرافيل بنفخة الصعق فيقول: نفخة الصعق، فيصعق أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شئت، فيقول له وهو أعلم: من بقي؟ فيقول بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقي حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل وإسرافيل.
(وينظر الله العرش، فيقول: يا رب، تميت جبريل وميكائيل وإسرافيل!).
فيقول له جل وعز: اسكت، إني كتاب الموت على من كان تحت عرشي.
ثم يأتي ملك الموت فيقول: رب، مات جبريل وميكائيل فيقول الله تعالى وهو أعلم: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقي حملة عرشك، وبقي جبريل وميكائيل وإسرافيل.
(وينظر الله العرش، فيقول: يا رب، تميت جبريل وميكائيل وإسرافيل!).
فيقول له جل وعز: اسكت، إني كتبت الموت على من كان تحت عرشي.
ثم يأتي ملك الموت فيقول: رب، مات جبريل وميكائيل فيقول الله تعالى وهو أعلم: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي (لا تموت وبقي) حملة عرشك وبقيت أنا، فيقول له: فليمت حملة عرشي، فيموتون، ويأمر الله تعالى العرش فيقبض الصور.
ثم يأتي ملك الموت، فيقول: يا رب، قد مات حملة عرشك، فيقول: ومن بقي؟ - وهو أعلم - فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت أنا، فيقول: أنت خلق من خلقي خُلِقْتَ لما رأيت فمَتْ، فيموت ".

صفحة رقم 6381

وروي أن النبي ﷺ قال: " أتاني ملك الموت فقال: يا محمد، اختر: نبياً ملكاً، أو نبياً عبداً. فأومأ إليَّ جبريل أن تواضع.
قال: فقلت: نبياً عبداً. فأعطيت خصلتين: جعلت أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، فأرفع رأسي فأجد (موسى آخذاً) بالعرش فالله أعلم، بعد الصعقة الأولى أم لا ".
وفي حديث آخر: " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، فأكون أول من يرفع رأسه. فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع / رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله تعالى ".

صفحة رقم 6382

وفي حديث آخر: " فلا أرى أحداً إلا موسى متعلقاً بالعرش، فلا [أدري، أممن استثنى] الله جل ثناؤه ألا تصيبه النفخة أو بعث قبلي ".
وقوله: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أخرى﴾، يعني: نفخة البعث.
﴿فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " ما بين النفختين [أربعون]، ثم ينزل الله جل ذكره من السماء ماء فينبتون كما يُنْبَتُ البقْلُ. قال: وليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عَظْم واحد وهو عَجْبُ الذَّنْب ومنه يُرَكَّبُ الخلق يوم القيامة ".

صفحة رقم 6383

وكان أصحاب النبي ﷺ يتأولون الأربعين أربعين سنة.
وقال الحسن: لا أدري، أهي أربعون سنة، أم أربعون شهراً، أم أربعون ليلة، أم أربعون ساعة.
قال قتادة: ذكر لنا أنه يبعث في تلك الأربعين مَطَر يُقَالُ له مطر الحياة، حتى تطيب الأرض وتهتز وتنبت أجساد الناس نبات البقل، ثم ينفخ فيه الثالثة فإذا هم قيام ينظرون.
قال النبي ﷺ: " يبعث الله المؤمنين يوم القيامة جُرْداً مُرْداً بنو ثلاثين سنة ".

صفحة رقم 6384

وقال أبو الزعراء عن عبد الله أنه قال: يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه، فلا يبقى الله بين السماوات والأرض - إلا من شاء الله - إلا مات. ثم يرسل الله من تحت العرش مَنَيَّا كمني الرجال جسمانهم ولحمانهم من ذلك كما تنبت الأرض، ثم قرأ عبد الله ﴿والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً﴾ [فاطر: ٩]- إلى قوله - ﴿كَذَلِكَ النشور﴾ [فاطر: ٩] قال: ويكون بين النفختين ما شاء الله ثم يقوم ملك فينفخ فيه فتنطلق كل نفس إلى جسدها.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا﴾، أي: أضاءت.
يقال: أشرقت الشمس إذا أضاءت وَصَفَت، وَشَرَقَت إذا طلعت.
وذلك حين يجيء الرحمان لفصل القضاء بين خلقه.
وروي أن الأرض يومئذ أرض من فضة تضيء وتشرق بنور ربها لا بشمس ولا بقمر.
والمعنى: أضاءت الأرض بنور (خلقه الله).
فإضافة النور إليه تعالى على طريق خلقه له مثل قوله: ﴿هذا خَلْقُ الله﴾ [لقمان: ١١] تبارك وتعالى.
وقيل: معناه: أشرقت بعد الله تعالى وحُكمه الحق تبارك وتعالى لأن له نوراً

صفحة رقم 6385

كنور الشمس والضياء، وهو أعظم وأجل من ذلك، ليس كمثله شيء. وهذا كقوله تعالى: ﴿ الله نُورُ السماوات والأرض﴾ [النور: ٣٥]، أي: بِهُدَاه يهتدي أهل السماوات والأرض. لم يُرِدِ النُّور الذي هو الضياء، ولو كان ذلك، لم يوجد ظلام لأنه باق في الليل والنهار.
وقد ثبتت الأحاديث عن النبي ﷺ أنه قال: " تنظرون إلى الله سبحانه لا تضامون في رؤيته ".
وقد اختلف في هذه اللفظة على أربعة أوجه:
- لا تُضامُون - مُخَفَّفاً -، أي: لا يلحقكم ضيم كما يلحق في الدنيا في النظر إلى الملوك.
- والوجه الثاني: لا تُضامُّون - مشدداً -، أي: لا ينضم بعضكم لبعض ليسأله أن يريه إياه.
- والوجه الثالث: (لا تُضارُون) - مخففاً -، أي: لا يلحقكم ضير في رؤيته من ضارَه يضيرُه.
- والوجه الرابع: (لا تُضارُّون) - مشدداً، أي: لا يخالف بعضكم

صفحة رقم 6386

بعضاً في صحة رؤيته. يقال: ضاررته مضارة، أي: خالفته.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَوُضِعَ الكتاب﴾، يعني: كتاب أعمال العباد وحسابهم.
وقيل: هو اللوح المحفوظ.
﴿وَجِيءَ بالنبيين والشهدآء﴾، أي: جيء بالنبيين ليسألهم ربهم عما أجابت به] أممهم وردت عليهم في الدنيا.
والشهداء، يعني: الذين يشهدون على الأمم. وهو قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ [البقرة: ١٤٣]، أي: عدلاً ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس﴾ [البقرة: ١٤٣].
وقيل: عنى بالشهداء هنا: الذين قتلوا في سبيل الله. والأول (أولى وأبين).
وقال السدي: الشهداء: الذين استشهدوا في طاعة الله تعالى.
وقال ابن زيد: هم الحفظة يشهدون على الناس بأعمالهم.

صفحة رقم 6387
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية