آيات من القرآن الكريم

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ

ولا بكونه مالكا لمقاليد السموات والأرض، وعبدوا أصناما جمادات لا تضر ولا تنفع، ومن فعل مثل ذلك فهو في غاية الجهل.
٦- إن الشرك والكفر محبط مبطل لجميع أعمال الكفار والمشركين، ولو كانت صالحة، فلا ثواب لهم عليها في الآخرة، بسبب أرضية الكفر التي قامت عليها.
ومن ارتد أيضا ومات على الكفر، لم تنفعه طاعاته السابقة، وحبطت أعماله كلها، لقوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ، فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ، فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ [البقرة ٢/ ٢١٧]. وعليه من حج ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام لا يجب عليه إعادة الحج.
٧- السموات والأرض كلها تحت ملك الله وقدرته وتصرفه، وليس ذلك بجارحة لأنه نزه نفسه عنها فقال: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ أي تنزه وتقدس عن أن تجعل الأصنام شركاء له في المعبودية.
نفختا الصور والفصل في الخصومات وإيفاء كل واحد حقه
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٨ الى ٧٠]
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠)

صفحة رقم 52

الإعراب:
يَنْظُرُونَ حال من ضميره.
البلاغة:
يَنْظُرُونَ يُظْلَمُونَ يَفْعَلُونَ بينها توافق الفواصل في الحرف الأخير، مما يوحي بروعة البيان وكمال الجمال.
المفردات اللغوية:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ النفخة الأولى التي يموت بها الخلائق كلهم، والصُّورِ بوق أو قرن ينفخ فيه فَصَعِقَ مات أو غشي عليه إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قيل: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فإنهم يموتون بعد ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى النفخة الثانية للبعث من القبور فَإِذا هُمْ جميع الخلائق الموتى قِيامٌ قائمون من قبورهم يَنْظُرُونَ ينتظرون ما يفعل بهم.
وَأَشْرَقَتِ أضاءت بِنُورِ رَبِّها بما أقام فيها من العدل، وما قضى به من الحق وَوُضِعَ الْكِتابُ وضع كتاب الأعمال أو صحائف الأعمال للحساب وَالشُّهَداءِ الذين يشهدون للأمم وعليهم من الملائكة والمؤمنين وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وقضي بين العباد بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ شيئا وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وصلت كل نفس إلى حقها، وحصلت على الجزاء وَهُوَ أَعْلَمُ عالم بِما يَفْعَلُونَ فلا يحتاج إلى شاهد.
المناسبة:
بعد بيان أدلة عظمة الله وكمال قدرته بتصرفه في الكون وتدبيره، وخلقه كل شيء، ذكر الله تعالى مقدمات يوم القيامة الدالة أيضا على تمام القدرة وعظمة السلطان، وهي نفختا الصور مرتين، الأولى للإماتة، والثانية للبعث من القبور، ثم الفصل بالحق والعدل بين الخلائق للحساب والجزاء، وإيصال الحق إلى كل واحد.

صفحة رقم 53

التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن هول يوم القيامة وما فيه من الآيات العظيمة الباهرة الدالة على كمال القدرة وتمام العظمة الإلهية، فيقول:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ، فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى، فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ أي هذه هي النفخة الأولى للموت، حيث ينفخ إسرافيل في الصور الذي هو بوق أو قرن، فيموت من الفزع وشدة الصوت أهل السموات والأرض، والصعق: الموت في الحال.
إلا من شاء الله ألا يموت حينئذ كجبرائيل وميكائيل وإسرافيل نفسه الذين يموتون بعد ذلك. قال قتادة: لا ندري من هم؟.
ثم ينفخ فيه نفخة أخرى للبعث من القبور، فيقوم الخلق كلهم أحياء على أرجلهم ينظرون أهوال القيامة وما يقال لهم أو ينتظرون ما يفعل بهم، بعد أن كانوا عظاما ورفاتا، كما قال تعالى: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ، فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ [النازعات ٧٩/ ١٣- ١٤] وقال سبحانه: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ، فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ، وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء ١٧/ ٥٢] وقال جل وعلا: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ، إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [الروم ٣٠/ ٢٥].
ثم ذكر الله تعالى بعض أحوال يوم القيامة:
١- وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها أي أضاءت أرض المحشر وأنارت بتجلي الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء، وبما أقامه الله من العدل بين أهلها، وما قضى به من الحق بين عباده.
٢- وَوُضِعَ الْكِتابُ أي وضعت كتب وصحائف أعمال بني آدم بين

صفحة رقم 54

يدي أصحابها، إما باليمين وإما بالشمال، كما قال تعالى: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً [الإسراء ١٧/ ١٣] وقال سبحانه: مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف ١٨/ ٤٩].
٣- ٤: وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ أي وجيء بالأنبياء إلى الموقف، ليسألوا عما أجابتهم به أممهم، كما قال تعالى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء ٤/ ٤١] وجيء أيضا بالشهود الذين يشهدون على الأمم من الملائكة الحفظة التي تقيد أعمال العباد كما قال تعالى:
وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق ٥٠/ ٢١] والسائق: يسوق للحساب، والشهيد يشهد عليها، وكذا من أمة محمد ص الذين يشهدون على الأمم بما بلغتهم به رسلهم، كما قال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة ٢/ ١٤٣].
وكذلك يجاء بالشهداء المؤمنين الذين استشهدوا في سبيل الله، فيشهدون يوم القيامة بالبلاغ على من بلّغوه، فكذّب بالحق.
وبعد فصل الخصومات، بيّن تعالى أنه يوصل إلى كل شخص حقه، فقال معبرا عن هذا المعنى بأربع عبارات:
١- وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أي وقضي بين العباد بالعدل والصدق.
٢- وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي لا ينقصون من ثوابهم، ولا يزاد في عقابهم، ويكون جزاؤهم على قدر أعمالهم، كما قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، أَتَيْنا بِها، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ [الأنبياء ٢١/ ٤٧] وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء ٤/ ٤٠]

صفحة رقم 55

٣- وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ أي وفيت وأعطيت كل نفس جزاء ما عملت من خير أو شر.
٤- وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ أي والله عالم بما يفعل العباد في الدنيا، من غير حاجة إلى كاتب ولا حاسب ولا شاهد، وإنما وضع الكتاب، وجيء بالنبيين والشهداء لتكميل الحجة، وقطع المعذرة. وأتى بهذا الحكم للدلالة على أنه تعالى يقضي بالحق عن علم تام، فلا يحتمل وجود أي خطأ في ذلك الحكم. والمقصود:
بيان أن كل مكلف يصل إلى حقه.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- يكون يوم القيامة نفختان: النفخة الأولى منهما يموت بها الخلق، ويحيون في الثانية. والذي ينفخ في الصور هو إسرافيل عليه السلام. وقد قيل:
إنه يكون معه جبريل،
لحديث ابن ماجه في السنن عن أبي سعيد الخدري قال:
قال رسول الله ص: «إن صاحبي الصور بأيديهما قرنان يلاحظان النظر، متى يؤمران»
وحديث أبي داود عن أبي سعيد الخدري أيضا قال: «ذكر رسول الله ص صاحب الصور، وقال: عن يمينه جبرائيل، وعن يساره ميكائيل».
٢- اختلف في المستثنى من هم؟ فقيل: هم الشهداء متقلّدين أسيافهم حول العرش، لحديث مرفوع عن أبي هريرة ذكره القشيري، وحديث عبد الله بن عمر الذي ذكره الثعلبي. وقيل: إنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام،
لحديث أنس الذي ذكره الثعلبي والنحاس أن النبي ص تلا: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ، فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ فقالوا: يا نبيّ الله من هم الذين استثنى الله تعالى؟ قال: «هم جبريل وميكائيل

صفحة رقم 56

وإسرافيل وملك الموت»
ثم ذكر أنه يؤمر جبريل بإماتة نفس إسرافيل وميكائيل وملك الموت، ثم يميت الله جبريل، ففي هذا الحديث: «إن آخرهم موتا جبريل عليه وعليهم السلام».
قال القرطبي: وحديث أبي هريرة في الشهداء أصح. وقال قتادة: الله أعلم بثنياه، أي استثنائه.
٣- يكون البعث: بأن يبعث الأموات من أهل الأرض والسماء أحياء من قبورهم، وتعاد إليهم أبدانهم وأرواحهم، فيقومون ينظرون، ماذا يؤمرون، أو ينتظرون ما يفعل بهم.
٤- تستنير أرض المحشر وتضيء بعدل الله وقضائه بالحق بين عباده، والظلم ظلمات، والعدل نور. أو إنها تستنير بنور خلقه الله تعالى، فيضيء به الأرض.
وقال أبو جعفر النحاس: وقوله عز وجل: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها يبين هذا الحديث المرفوع من طرق كثيرة صحاح:
«تنظرون إلى الله عز وجل، لا تضامّون في رؤيته» «١»
أي لا يلحقكم ضيم كما يلحقكم في الدنيا في النظر إلى الملوك.
٥- إن أحوال الحكم والقضاء سبع: أن يوضع كتاب الأعمال بين آخذ بيمينه وآخذ بشماله، ويجاء بالنبيين والشهداء، فيسألون عما أجابت الأمم أنبياءها، ويقضى بين الناس بالصدق والعدل، ولا يظلمون، فلا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم، وتوفى كل نفس ما عملت من خير أو شر، والله أعلم بما فعلت كل نفس في الدنيا.

(١) وهو يروى على أربعة أوجه: لا تضامون، ولا تضارون، ولا تضامّون، ولا تضارّون. أي لا يلحقكم ضير.

صفحة رقم 57
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية