آيات من القرآن الكريم

وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ

ثالثها- تمني الرجعة إلى الدنيا، كما قال: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ: رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ، كَلَّا، إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها [المؤمنون ٢٣/ ٩٩- ١٠٠].
٥- أجاب الله تعالى عن كلامهم بأن قال: التعلل بفقد الهداية باطل، لأن الهداية كانت حاضرة، والأعذار زائلة، ولكن العبد كذب بالقرآن، وتكبر عن اتباع آياته، وكان من الكافرين بها، الجاحدين لها.
حال المشركين المكذبين وحال المتقين يوم القيامة
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٠ الى ٦١]
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦١)
الإعراب:
تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ الَّذِينَ: مفعول تَرَى ووُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ: جملة اسمية في موضع نصب على الحال، واستغني عن الواو لمكان الضمير في قوله: وُجُوهُهُمْ. ولو نصب وُجُوهُهُمْ على البدل من الَّذِينَ لكان جائزا حسنا.
لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ حال، أو استئناف لبيان المفازة.
المفردات اللغوية:
كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ بنسبة الولد والشريك إليه وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ لما ينالهم من الشدة، ويعتريهم من الذل والحسرة مَثْوىً مقام أو مأوى لِلْمُتَكَبِّرِينَ عن الإيمان والطاعة.
والاستفهام: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ تقرير وإثبات لأنهم يرون كذلك.

صفحة رقم 42

وَيُنَجِّي اللَّهُ من جهنم الَّذِينَ اتَّقَوْا الشرك الذي هو الكذب على الله بِمَفازَتِهِمْ بفوزهم بالجنة وفلاحهم، بأن يجعلوا في الجنة، وتفسيرها بالسعادة والعمل الصالح إطلاق لها على السبب، فإن سبب منجاتهم العمل الصالح، ويجوز أن يسمى العمل الصالح بنفسه مفازة، لأنه سببها.
المناسبة:
بعد وعيد المشركين بما سبق من أهوال القيامة، ووعد المتقين بالعفو والمغفرة والنعيم، ذكر الله تعالى نوعا آخر من الوعيد والوعد، وهو حال الفريقين يوم القيامة، حال المكذبين، وحال المتقين، فتسودّ وجوه الفريق الأول، وتبيضّ وجوه الفريق الثاني.
التفسير والبيان:
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ أي واذكر أيها الرسول خبرا مهما هو حين ترى يوم القيامة الذين كذبوا على الله في دعواهم له شريكا وصاحبة وولدا، وجوههم مسودة بكذبهم وافترائهم، لما أحدق بهم من شدة وحزن وكآبة، ولما شاهدوه من العذاب وغضب الله ونقمته.
إن في جهنم مسكنا ومقاما للمتكبرين عن طاعة الله، الذين أبوا الانقياد للحق. والكبر: هو بطر الحق وغمط الناس، كما في الحديث الصحيح. وفي
حديث آخر أخرجه أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو عن النبي ص: «يحشر المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذّرّ في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم..».
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ، لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ هذا حال الفريق الآخر في مواجهة فريق المشركين المكذبين، وهو أن الله ينجي الذين اتقوا الشرك ومعاصي الله من عذاب جهنم، ينجيهم بفوزهم، أي بنجاتهم

صفحة رقم 43

من النار، وفوزهم بالجنة، وينفي السوء والحزن عنهم يوم القيامة، بل هم آمنون من كل فزع.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيتان على شيئين:
الأول- اسوداد وجوه الكفار المشركين الذين كذبوا على الله بنسبة الشريك والولد إليه، مما أحاط بهم من غضب الله ونقمته، والزج بهم في نار جهنم، في أشد حالات الذل والمهانة والصغار.
الثاني- نجاة المتقين الشرك والمعاصي من النار، وفوزهم بالجنة. والآية الثانية في شأنهم تدل على أن المؤمنين لا ينالهم الخوف والرعب يوم القيامة، وتأكد هذا بقولهم: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [الأنبياء: ٢١/ ١٠٣].
وقد فسر النبي ص هذه الآية في حديث أبي هريرة، قال: «يحشر الله مع كل امرئ عمله، فيكون عمل المؤمن معه في أحسن صورة، وأطيب ريح، فكلما كان رعب أو خوف، قال له: لا ترع، فما أنت بالمراد به، ولا أنت بالمعنيّ به، فإذا كثر ذلك عليه قال: فما أحسنك! فمن أنت؟ فيقول: أما تعرفني؟ أنا عملك الصالح، حملتني على ثقلي، فو الله لأحملنك، ولأدفعنّ عنك، فهي التي قال الله: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ، لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.

صفحة رقم 44
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية