آيات من القرآن الكريم

بَلَىٰ قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ

قوله: ﴿بلى﴾ : حرفُ جوابٍ وفيما وقعَتْ جواباً له وجهان، أحدُهما: هو نَفْيٌ مقدرٌ. قال ابنُ عطية: «وحَقُّ بلى أَنْ تجيْءَ بعد نفيٍ عليه تقريرٌ، كأنَّ النفسَ قالَتْ: لم يَتَّسِعْ لي النظرُ ولم يَتَبَيَّنْ لي الأمرُ». قال الشيخ: «ليس حَقُّها النفيَ المقررَ، بل حَقُّها النفيُ، ثم حُمِل التقريرُ عليه، ولذلك أجاب بعضُ العربِ النفيَ المقررَ ب نعم دونَ بَلى، وكذا وقع في

صفحة رقم 436

عبارةِ سيبويه نفسه». والثاني: أنَّ التمنيَ المذكورَ وجوابَه متضمنان لنَفْيِ الهدايةِ، كأنه قال: لم أهتدِ، فَرَدَّ الله عليه ذلك. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: هَلاَّ قُرِنَ الجوابُ بما هو جوابٌ له، وهو قولُه: ﴿لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي﴾ ولم يَفْصِلْ بينهما. قلت: لأنه لا يَخْلو: إمَّا أَنْ يُقَدَّم على إحدى القرائنِ الثلاثِ فيُفَرَّقَ بينهنَّ، وإمَّا أن تُؤَخَّرَ القرينةُ الوسطى. فلم يَحْسُنِ الأولُ لِما فيه من تَبْتير النَّظْم بالجمع بين القرائنِ، وأمَّا الثاني فلِما فيه من نَقْضِ الترتيبِ وهو التحسُّر على التفريط في الطاعةِ ثم التعلُّلُ بفَقْدِ الهدايةِ ثم تمنِّي الرَّجْعَة، فكان الصواب ما جاءَ عليه: وهو أنَّه حكى أقوالَ النفسِ على ترتيبها ونَظْمِها، ثم أجاب مِنْ بينِها عَمَّا اقتضى الجوابَ».
وقرأ العَامَّةُ «جاءَتْكَ» بفتح الكاف فكذّبْتَ واستكبرتَ، وكنتَ، بفتح التاءِ خطاباً للكافر دونَ النفس. وقرأ الجحدريُّ وأبو حيوةَ وابن يعمر والشافعيُّ عن ابن كثير، ورَوَتْها أمُّ سَلَمَةَ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وبها قرأ أبو بكر وابنتُه عائشةُ رضي الله عنهما، بكسرِ الكاف والتاءِ خطاباً للنفسِ. والحسن والأعرج والأعمش «جَأَتْكَ» بوزنِ «جَفَتْك» بهمزةٍ دون ألفٍ. فتحتمل أَنْ تَكونَ قَصْراً كقراءةِ قُنْبل ﴿أَن رَّأهُ استغنى﴾ وأَنْ يكونَ في الكلمةِ قَلْبٌ: بأَنْ قُدِّمَتِ اللامُ على العين، فالتقى ساكنان فحُذِفَتِ الألفُ لالتقائِهما، نحو: رَمَتْ وغَزَتْ.

صفحة رقم 437
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية