آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ

وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ الوكيل القائم على الأمر حتى يكمله اى وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى وما وظيفتك الا البلاغ وقد بلغت أي بلاغ وفى الآية اشارة الى ان القرآن مذكر جوار الحق للناس الذين نسوا الله وجواره فمن تذكر بتذكيره واتعظ بوعظه واهتدى بهدايته كانت فوائد الهداية راجعة الى نفسه بان تنورت بنور الهداية فانمحى عنها آثار ظلمات صفاتها الحيوانية السبعية الشيطانية الموجبة لدخول النار (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) فانه يوكله الى نفسه وطبيعته فتغلب عليه الصفات الذميمة فيكون حطب النار (وَما أَنْتَ) يا محمد (عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) تحفظهم من النار إذا كان فى استعدادهم الوقوع فيها وفى الحديث (انما مثلى ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها وانا آخذ بحجزكم تقحمون فيه) والحجز جمع الحجزة كالكدرة وهى معقد الإزار خصه بالذكر لان أخذ الوسط أقوى فى المنع واصل تقحمون بالتشديد تتقحمون وفيه اى فى النار على تأويل المذكور يعنى انا آخذكم حتى أبعدكم عن النار وأنتم تدخلون فيها بشدة. ومعنى التمثيل ان النبي عليه السلام فى منعهم عن المعاصي والشهوات المؤدية الى النار وكونهم متقحمين متكلفين فى وقوعها مشبه بشخص مشفق يمنع الدواب عنها وهن يغلبنه وفى الحديث اخبار عن فرط شفقته على أمته وحفظهم من العذاب ولا شك فيه لان الأمم فى حجر الأنبياء كالصبيان الأغبياء فى أكناف الآباء صلوات الله عليهم وسلامه وفى الحديث (ان مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة اخرى انما هى قيعان لا تمسك ماء فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع لذلك رأسا) اى لم يلتفت اليه بالعمل ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به انتهى فعلم العالم العامل المعلم كالمطر الواقع على التربة الطيبة وعلم العالم المعلم الغير العامل كالمطر الواقع على الاجادب واما الذي لا يقبل الهدى أصلا فكان كالارض التي لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فكما انها ليس فيها ماء ولا كلأ فكذا الكافر والجاهل ليس فيه علم ولا عمل فلا لنفسه نفع ولا لغيره اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها يقال توفاه الله قبض روحه كما فى القاموس والأنفس جمع نفس بسكون الفاء وهى النفس الناطقة المسماة عند اهل الشرع بالروح الإضافي الإنساني السلطاني فسميت نفسا باعتبار تعلقها بالبدن وانصياعها باحكامه والتلبس بغواشيه وروحا باعتبار تجردها فى نفسها ورجوعها الى الله تعالى. فالنفس ناسوتية سفلية والروح لاهوتية علوية قالوا الروح الإنساني جوهر بسيط محرك للجسم وليس هو حالا فى البدن كالحلول السرياني ولا كالحلول الجواري ولكن له تعلق به تعلق التدبير والتصرف والروح الحيواني اثر من آثار هذا الروح على ما سبق منى تحقيقه فى سورة الاسراء عند قوله تعالى (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) فهو من الروح الإنساني كالقمر من الشمس فى استفاضة النور والبهائم تشارك فيه الإنسان وهو الروح الذي يتصرف فى تعديله وتقويته علم الطب ولا يحمل الامانة والمعرفة والتراب يأكل محله وهو البدن العامي لان الله تعالى حرم على الأرض

صفحة رقم 113

ان تأكل أجساد الأنبياء والصديقين والشهداء بخلاف الروح الإنساني فانه حامل الامانة والمعرفة والايمان ويتصرف فيه علم الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة بتوسط الحكماء الإلهيين ولا يأكله التراب وهو باعتبار كونه نفسا هو النبي والولي والمشار اليه بانا والمدرج فى الخرقة بعد مفارقته عن البدن والمسئول فى القبر والمثاب والمعاقب وليس له علاقة مع البدن سوى ان يستعمله فى كسب المعارف بواسطة شبكة الحواس فان البدن آلته ومركبه وشبكته وبطلان الآلة والمركب والشبكة لا يوجب بطلان الصياد نعم بطلت الشبكة بعد الفراغ من الصيد فبطلانها غنيمة إذ يتخلص من حملها وثقلها ولذا قال عليه السلام (الموت تحفة المؤمن) اما لو بطلت الشبكة قبل الصيد فقد عظمت فيه الحسرة والندامة ولذا يقول المقصرون (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) الآية. والموت زوال القوة الحساسة
كما ان الحياة وجود هذه القوة ومنه سمى الحيوان حيوانا ومبدأ هذه القوة هو الروح الحيواني الذي محله الدماغ كما ان محل الروح الإنساني القلب الصنوبري ولا يلزم من ذلك تحيزه فيه وان كانت الأرواح البشرية متحيزة عند اهل السنة. ثم ان الإنسان مادام حيا فهو انسان بالحقيقة فاذا مات فهو انسان بالمجاز لان انسانيته فى الحقيقة انما كانت بتعلق الروح الإنساني وقد فارقه: وفى المثنوى

جان زريش وسبلت تن فارغست ليك تن بي جان بود مرداريست «١»
ومعنى الآية يقبض الله الأرواح الانسانية عن الأبدان بان يقطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرا وباطنا وذلك عند الموت فيزول الحسن والحركة عن الأبدان وتبقى كالخشب اليابس ويذهب العقل والايمان والمعرفة مع الأرواح وفى الوسيط (حِينَ مَوْتِها) اى حين موت أبدانها وأجسادها على حذف المضاف يقول الفقير ظاهره يخالف قوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) فان المفهوم منه ان الموت يطرأ على النفوس لا على البدن اللهم الا ان يقال المراد ان الله تعالى يتوفى الأرواح حين موت أبدانها بمفارقة أرواحها عنها وأسند القبض اليه تعالى لانه الآمر للملائكة القابضين وفى زهرة الرياض التوفى من الله الأمر بخروج الروح من البدن لو اجتمعت الملائكة لم يقدروا على إخراجه فالله يأمره بالخروج كما امره بالدخول ومن الملائكة المعالجة وإذا بلغت الحنجرة يأخذها ملك الموت على الايمان او الكفر انتهى على ان من خواص العباد من يتولى الله قبض روحه كما روى ان فاطمة الزهراء رضى الله عنها لما نزل عليها ملك الموت لم ترض بقبضه فقبض الله روحها واما النبي عليه السلام فانما قبضه ملك الموت لكونه مقدم الامة وكما قال ذو النون المصري قدس سره الهى لا تكلنى الى ملك الموت ولكن اقبض روحى أنت ولا تكلنى الى رضوان وأكرمني أنت ولا تكلنى الى مالك وعذبنى أنت نسأل الله الفضل على كل حال وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها قوله فى منامها متعلق بيتوفى المقدر. المنام والنوم واحد وهو استرخاء اعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد اليه وقيل هو ان يتوفى الله النفس من غير موت كما فى الآية وقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وهذه التعريفات كلها صحيح ينظرات مختلفة والمعنى
(١) در اواسط دفتر چهارم در بيان باز كشتن بحكايت غلام كه رقعه نوشت سوى شاه إلخ

صفحة رقم 114

ويتوفى الأنفس التي لم تمت فى منامها اى يتوفاها حين نومها بان يقطع تعلقها عن الأبدان وتصرفها فيها ظاهرا لا باطنا فالنائم يتنفس ويتحرك ببقاء الروح الحيواني ولا يعقل ولا يميز بزوال الروح الإنساني ومثل النوم حال الانسلاخ عند الصوفية الا ان المنسلخ حال اليقظة أقوى حالا وشهودا من المنسلخ حال النوم وهو النائم وعبر عن الموت والنوم بالتوفى تشبيها للنائمين بالموتى لعدم تميزهم ولذا ورد النوم أخو الموت وعن على رضى الله عنه ان الروح يخرج عند النوم ويبقى شعاعه فى الجسد فلذلك يرى الرؤيا فاذا انتبه عاد روحه الى جسده بأسرع من لحظة- ويروى- ان أرواح المؤمنين تعرج عند النوم الى السماء فمن كان منهم طاهرا اى على وضوء اذن له فى السجود لله تعالى تحت العرش ومن لم يكن منهم طاهرا لم يؤذن له فيه فلذلك يستحب ان ينام الرجل على الوضوء لتصدق رؤياه ويكون له مع الله معاملات ومخاطبات قال بعضهم خلق الله الأرواح على اللطافة والأجساد على الكثافة فلما أمرت بالتعلق بالأجساد انقبضت من الاحتجاب بها فجعل الله النوم والانسلاخ سببا لسيرها فى عالم الملكوت حتى يتجدد لها المشاهدة وتزيد الرغبة فى قرب المولى وانما يستريح العبد ويجد اللذة فى النوم لانه فى يد الله وهو ارحم الراحمين ويضطرب ويجد الألم فى الموت لانه فى يد ملك الموت وهو أشد الخلائق أجمعين فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ إمساك شىء تعلق به وحفظه والقضاء الحكم اى يمسك انفس الأموات عنده ولا يردها الى البدن وذلك الإمساك انما هو فى عالم البرزخ الذي تكون الأرواح فيه بعد المفارقة من النشأة الدنيوية وهو غير البرزخ بين الأرواح المجردة والأجسام اى غير عالم المثال الذي كان النوم او الانسلاخ سببا للدخول فيه لان مراتب تنزلات الوجود ومعارجه دورية والمرتبة التي قبل النشأة الدنيوية هى من مراتب التنزلات ولها الاولية والتي بعدها هى من مراتب المعارج ولها الآخرية وايضا الصور التي تلحق الأرواح فى البرزخ الأخير انما هى صور الأعمال ونتائج الافعال السابقة فى النشأة الدنيوية بخلاف صور البرزخ الاول فلا يكون شىء منهما عين الآخرة لكنهما يشتركان فى كونهما عالما روحانيا وجوهرا نورانيا غير مادى مشتملا على مثال صور العالم وَيُرْسِلُ الْأُخْرى اى ويرسل انفس الاحياء وهى النائمة الى أبدانها عند اليقظة والنزول من عالم المثال المقيد ولعالم المثال شبه بالجوهر الجسماني فى كونه محسوسا مقداريا وبالجوهر العقلي المجرد فى كونه نورانيا فجعل الله عالم المثال وسطا شبيها بكل من الطرفين حتى يتجسد اولا ثم يتكاثف ألا ترى ان حقيقة العلم الذي هو مجرد يتجسد بالصورة التي فى عالم المثال إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو الوقت المضروب لموتها وهو غاية لجنس الإرسال اى لا لشخصه حتى يرد لزوم ان لا يقع نوم بعد اليقظة الاولى وعن سعيد بن جبير ان أرواح الاحياء وأرواح الأموات تلتقى فى المنام فيتعارف منها ما شاء الله ان يتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى أجسادها الى انقضاء مدة حياتها وفى الاسئلة المقحمة يقبض الروح حال النوم ثم يمسك الروح التي قضى الموت على صاحبها ووافق نومه اجله انتهى. فيكون قوله فيمسك متفرعا على قوله والتي

صفحة رقم 115

لم تمت ويؤيده قوله عليه السلام (إذا أوى أحدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فانه لا يدرى ما خلف عليه ثم يقول باسمك ربى وضعت جنبى وبك ارفعه ان أمسكت نفسى فارحمها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) وفيه اشارة الى ان المقصود من الحياة هو الصلاح وما عداه ينبغى ان يكون وسيلة اليه إِنَّ فِي ذلِكَ اى فيما ذكر من التوفى على الوجهين والإمساك فى أحدهما والإرسال فى الآخر لَآياتٍ عجيبة دالة على كمال قدرته وحكمته وشمول رحمته لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فى كيفية تعلق الأرواح بالأبدان وتوفيها عنها تارة بالكلية كما عند الموت وإمساكها باقية بعد الموت لا تفنى بفناء الأبدان وما يقربها من السعادة والشقاوة واخرى عن ظواهرها فقط كما عند النوم وإرسالها حينا بعد حين الى انقضاء آجالها وانقطاع أنفاسها وفى الكواشي (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيستدلون على ان القادر على ذلك قادر على البعث كما قال الكاشفى [براى كروهى كه تفكر كنند در امر أماته كه مشابه نوم است ودر أحيا كه
مماثلتست به يقظه ودر تورات مذكور است كه اى فرزند آدم چنانچهـ در خواب ميروى بميرد و چنانچهـ بيدار ميكردى برانگيخته شوى] فالموت باب وكل الناس داخله وفى الحديث القدسي (ما ترددت فى شىء انا فاعله كترددى فى قبض نفس عبدى المؤمن) لما كان التردد وهو التحير بين الشيئين لعدم العلم بان الأصلح أيهما محالا فى حق الله تعالى حمل على منتهاه وهو التوقف يعنى ما توقفت فيما افعله مثل توقفى فى قبض نفس المؤمن فانى أتوقف فيه وأريه ما اعددت له من النعم والكرامات حتى يميل قلبه الى الموت شوقا الى لقائى. ويجوز ان يراد من تردده تعالى إرسال اسباب الهلاك الى المؤمن من الجوع والمرض وغيرهما وعدم إهلاكه بها ثم إرسالها مرة اخرى حتى يستطيب الموت ويستحلى لقاءه كذا فى شرح السنة (يكره الموت) استئناف جواب عمن قال ما سبب ترددك أراد به شدة الموت لان الموت نفسه يوصل المؤمن الى لقاء الله فكيف يكرهه المؤمن وفى الحديث (ان أحدكم لن يرى ربه حتى يموت)

تا نميرد بنده از هستى تمام او نبيند حق تعالى والسلام
مرك پيش از مرك امنست اى فتى اين چنين فرمود ما را مصطفى
قال بعضهم [واز موت كراهت داشتن بنده را سبب آنست كه محجوبست از ادراك لذت وصال وكمال عزتى كه او را بعد از موت حاصل خواهد شد] (وانا اكره مساءته) اى ايذاءه بما يلحقه من صعوبة الموت وكربه (ولا بد له منه) اى للعبد من الموت لانه مقدر لكل نفس قال بعضهم [واگر چهـ حق تعالى كراهت دارد كه روح چنان بنده قبض كند اما چون وقت آيد از غايت محبت كه با بنده دارد حجاب جسم كه نقاب رخساره روح است براندازد]
حجاب چهره جان ميشود غبار تنم خوشا دمى كه ازين چهره پرده برفكنم
فعلى العاقل ان يتهيأ للموت بتحصيل حضور القلب وصفاء البال فان كثيرا من ارباب الحال والمقال وقعوا فى الاضطراب عند الحال: وفى المثنوى

صفحة رقم 116
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية