
(هؤلاء إلى النار ولا أبالي) ممن اختاروا الكفر على الإيمان والضلال على الهدى فاستحقوه، أيقدر أحد أن ينجيهم منه كلا «أَفَأَنْتَ» يا حبيبي تقدر «تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ١٩» كلا لا تستطيع ذلك البتة لدخولهم في حكمه الأزلي ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، قال ابن عباس يريد به أبا لهب ولكن الآية عامة كما ترى يدخل فيها كل من حقت عليه كلمة العذاب من جميع الكفار لأنها مسوقة في أضداد الموصوفين بالآية المتقدمة التي حكمها عام أيضا، قال تعالى «لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ» هذا استدراك بين ما ليشبه النقيضين والضدّين وهم المؤمنون والكافرون وأحوالهما، والمراد بالمتقين هنا الموصوفون بتلك الخصال العالية والأخلاق السامية «لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ» جمع غرفة وهي العلّية «مَبْنِيَّةٌ» بعضها فوق بعض «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» لتمام الزينة وكمال النظارة لا لحاجة الشرب لأن أهل الجنة لا يكلفون السقيا منها فإذا أرادوا الشرب ناولهم الخدم ما يشتهون من أنواع الأشربة، وهذا الذي ذكر من الإكرام للمتقين هو «وَعْدَ اللَّهِ» لهم بذلك على لسان رسلهم وعدا مؤكدا «لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ ٢٠» الذي وعده عباده وحاشاه من ذلك وهو الآمر عباده بإنجازه. روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدريّ الغابر في الأفق من الغرب أو المشرق لتفاضل ما بينهم، فقالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
قال تعالى «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً» بحسب ما نرى راجع الآية ٤٤ من سورة هود المارة «فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ» أنهارا وعيونا وجداول وبركانا تخرج من عروق الجبال والأرض كعروق الجسد في الحيوان التي تجري فيها الدماء «ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ» بالماء النازل على وجه الأرض أو بالمستقر بالبرك والعيون والجاري في الجداول والأنهار إذا سقى به الأرض بالدلاء والنواعير والآلات الحديدية والسيح وغيره «زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ» أخضر وأسود وأزرق وأبيض وأحمر وأصفر وما بين ذلك من الألوان، لأنك إذا مزجت بعضها ببعض يظهر منها ألوان أخر

لأن أصل الألوان أربعة: أبيض وأسود وأحمر وأخضر، فإذا مزجت الأبيض مع الأحمر صار أخضر وهكذا «ثُمَّ يَهِيجُ» يثور والمراد بالهيجان هنا والله أعلم أن يجف وييبس وهذا من مجاز المشارفة لأن الزرع إذا تم جفافه يشرف على أن يثور ويذهب من منابته وانه بعد تلك الألوان البهية المختلف أزهارها «فَتَراهُ مُصْفَرًّا» إذ تحيل لونه الكواكب والأرياح بما يضع الله فيها من التأثير وهو الملك القدير الذي أنبته من لا شيء «ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً» هشيما مفتتا بعد ما كان يهتزّ بالأرض الرابية به المزدهرة بنوّاره «إِنَّ فِي ذلِكَ» الإنزال والإدخال والإخراج والإنبات والألوان والجفاف والتفتيت «لَذِكْرى» عظيمة وعبرة كبيرة وعظة جسيمة «لِأُولِي الْأَلْبابِ ٢١» المنتفعين بعقولهم المستدلين بها على كمال قدرة الإله العظيم وفي إعادة هذا الزرع بعد يبسه وفتاته دليل على البعث بعد الموت، قال تعالى «أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ» فاهتدى به «فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ» وبصيرة ويقين من أمره وهذا ليس كمن طبع الله على قلبه فقسى وضل والعياذ بالله فتاه في ظلمات الجهل «فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» والقسوة جمود وصلابة في القلب ومما يزيدها كثافة الغفلة عن ذكر الله تعالى ومما يصقلها وينورها دوام ذكر الله، وإذا كانت النفس خبيثة الجوهر لا يزيدها سماع ذكر الله إلا كدورة لتراكم الرّين عليها وتلبد الصدأ، وإذا كانت طيبة الجوهر فذكر الله يصقلها ويرققها ويلينها لطهارتها ونظافتها وذلك كالشمس فإن حرارتها تعقد الماء ملحا وتلين الشمع الجامد وقد تذيبه بالنظر لجوهر كل وقابليته، هكذا ذكر الله وتلاوة كتابه إذا سمعها الكافر إزداد قلبه قساوة وجحودا وإذا سمعها المؤمن ازداد قلبه لينا ورقة وفناء في الله بحسب جوهر كل وقابليته، يؤيد هذا قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً... وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) الآية ١١٤ فما بعدها من سورة التوبة في ج ٣ فراجعها «أُولئِكَ» قساة القلوب «فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ٢٢» لا خفاء عليه، إذ حقت عليهم كلمة العذاب، وهذه الآية عامة في كل من هذا شأنه من الفريقين فيها، وما جاء أنها نزلت في أبي بكر الصديق وأبيّ بن خلف الزنديق أوفي حضرة الرسول الكامل وأبي جهل العاطل
صفحة رقم 534
أو في علي وحمزة وأبي لهب وولده لا يقيدها عن إطلاقها ولا يخصصها عن عمومها، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فيدخل فيها من شرح الله قلبه للإسلام من المشار إليهم وغيرهم وقساة القلوب المذكورون وأضرابهم دخولا أوليا وتشمل كل من على شاكلة الفريقين المرضي عنهم وعليهم والمغضوب عليهم من ساعة نزولها إلى قيام الساعة، وقد ألمعنا لهذا البحث في الآية ١٢٥ من سورة الأنعام المارة ففيها ما يشفي الغليل ويكفي النبيل، قال تعالى «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ» هو القرآن لأنه فاق ما تقدمه من الكتب والصحف كلها فضلا عن الأحاديث النبوية من جهة اللفظ، لأنه أفصح وأجزل وأبلغ في كل كلام، ومن جهة المعنى لأنه منزه عن التناقض والاختلاف، ومن جهة المضمون لاشتماله على كل ما أنزل الله عن الأنبياء السالفين، ومن جهة الإعجاز لأن الله تعالى تحدى بسورة منه الإنس والجن ومن جهة الأخبار بالغيب لأنه أخبر عما وقع قبل نزوله وأشار لما يقع بعد، ولفظ الحديث في الآية كناية عن أنه كلام محدّث به لا بمعنى أنه مقابل للقديم، ومن قال بالتلازم من الأشاعرة القائلين بحدوث الكلام اللفظي جعل الأوصاف الدالة على الحدوث لذلك الكلام اللفظي لا لكلام الله الأزلي الخالي عن الصوت والحرف، لأن كلام الله قديم كذاقه
والكلام في هذا يجر إلى الكلام بخلق القرآن وعدمه وقد عقدت له مطلبا خاصا في المقدمة فراجعه. وقد يطلق لفظ الحديث هنا على القرآن من باب المشاكلة فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول هذه الآية أن قوما من الصحابة قالوا يا رسول الله حدثنا بأحاديث حسان وبأخبار الدهر فنزلت. ثم وصف قوله أحسن الحديث لكونه «كِتاباً مُتَشابِهاً» في وعظه وحكمته وإعجازه وآياته ليصدق بعضه بعضا وكونه «مَثانِيَ» يثنى بالتلاوة ويكرر فيه الأمر والنهي والوعد والوعيد والقصص والأخبار والأمثال والأحكام «تَقْشَعِرُّ» ترجف وتضطرب وتتحرك «مِنْهُ» من سماعه والنظر إليه «جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ» عند سماع آيات العذاب والوعيد والتهديد، والاقشعرار هو تقبض الجلد تقبضا شديدا عند عروض خوف شديد ودهوم أمر هائل بغتة فيقال اقشعر جلده وقف شعره وقلوبهم أيضا تقشعر بدليل قوله «ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ» عند سماع آيات الرحمة.

مطلب في الصعق الذي يحصل لبعض الناس عند تلاوة القرآن وسماع الذكر:
روي عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا اقشعر جلد المؤمن وفي رواية العبد من خشية الله تعالى تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها.
وروي عن عبد الله ابن عروة بن الزبير قال لجدته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم كيف كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرىء عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم قال فقلت لها إن أناسا اليوم إذا قرىء عليهم القرآن خرّ أحدهم مغشيا عليه، قالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أنها استنكرت ما سمعته. وروي أن ابن عمر مر برجل من أهل العراق ساقط فقال ما بال هذا؟ قالوا إنه قرىء عليه القرآن أو سمع ذكر الله فسقط، قال ابن عمر إنا لنخشى الله وما نسقط، يريد انتقادهم. وقال ما كان هذا صنيع أصحاب محمد قال ابن سيرين: بيننا وبين هؤلاء أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطا رجليه ثم يقرأ القرآن من أوله إلى آخره (أي بحضوره على تلك الصفة) فإن رمى بنفسه فهو صادق. وقال عبد الله بن الزبير: جئت أمي فقلت وجدت قوما ما رأيت خيرا منهم قط يذكرون الله تعالى فيرعد أحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله تعالى فقالت لا تقعد معهم. ثم قالت رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا أفتراهم أخشى من أبي بكر وعمر. وقال قتادة في هذه الآية: إن الله نعت أولياءه بالقشعريرة والبكاء واطمئنان القلب إلى ذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما هذا من أهل البدع، وإنما هو من الشيطان.
وقال ابن جبير الصعقة من الشيطان. واعلم أن هذه الأخبار وأمثالها تنعى على السادة الصوفية صعقهم وتواجدهم وضرب رءوسهم بالأرض وأيديهم بعضها ببعض عند سماع القرآن وبأثناء الذكر والقصائد الإلهية والمحمدية وما هو منها في ذكر بعض الأكابر من العارفين، وعذرهم في ذلك حسبما تقوله مشايخهم لضعف القلب عن تحمل الوارد من معاني الآيات والأذكار وأوصاف الكاملين وما وقع منهم أو عليهم، فإن من يقع منه ذلك ليس في الكمال والمناقب كأصحاب رسول الله والتابعين في الصدر الأول لضعف قوة تحملهم، وهو دليل نقصهم عن مراتب الكمال، لأن

السالك لطريقهم إذا كمل رسخ وقوي قلبه ولم يصدر منه شيء من ذلك، ويقولون ليس في هذه الآية وشبهها أكثر من اثبات الاقشعرار واللين وليس فيها نفي اعترائهم حالة أخرى، بل في الآيات إشعار بأن المذكور فيها حال الراسخين الكاملين لقوله تعالى (يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) فعبر بالموصول ومقتضى معلومية الصلة أن لهم رسوخا في الخشية.
وفي كلام ابن سيرين ما يؤيد ذلك ومن حمل الأمر على غير الكاملين أجاز وقوعه من غيرهم ومتى ما كان الأمر ضروريا فلا اعتراض على من يتصف به وإنا نرى وقوع هذا كله من بعض المريدين لا منهم كلهم ولم نر هكذا أحوالا من مشايخهم بما يدل على أن الوصول لدرجة الكمال تحول دون ذلك أما ما يقع من بعض المتصوفة رياء وسمعة باختياره وقصده فذلك هو الذي تعوذت منه أسماء رضي الله عنها وقال فيهم قتادة وابن جبير وغيره ما قالوه آنفا، وقدمنا في الآية ٤٣ من سورة المزمل ج ١ ما يتعلق بها فراجعه، وله صلة في الآية ٣١ من سورة الرعد في ج ٣ وفي مراجعة هذا وذاك تعلم أن الصعق له أصل صحيح في الشرع فسلم له وإياك أن تعترض على هؤلاء السادة فإن لحومهم مسمومة والله تعالى ينتصر لهم لأنهم أولياؤه، وقد جاء في الحديث القدسي عن النبي صلّى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال:
من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وإن الله جلت عظمته لم يطلب محاربة أحد من عباده عدا صنفين هؤلاء وأكلة الربى إذ يقول جل قوله (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ) الآية ٢٨٠ من سورة البقرة في ج ٣. هذا وقد يكون من هؤلاء السادة من لا ناصر له إلا الله وقد حذر حضرة الرسول من ظلم من لا ناصر له، وروي عنه أنه قال: اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد ناصرا غير الله، وروى الطبراني في الكبير والضياء في المختار وابن أبي عاصم والخرائطي في مساوئ الأخلاق أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين «ذلِكَ» الحديث الحسن هو «هُدَى اللَّهِ» وقرآنه المنزل على رسوله من اللوح المحفوظ وكلامه الأزلي «يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ» هدايته إلى دينه القويم «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ» من قساة القلوب «فَما لَهُ مِنْ هادٍ ٢٣» يهديه البتة، قال تعالى «أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ

الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ»
بالأعمال الصالحة التي قدمها في دنياه كمن هو آمن منه كلا ليس سواء لأن غير المتقي ظالم وفي ذلك اليوم يهلك الظالمون بدليل قوله عز قوله «وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ» من قبل خزنة جهنم «ذُوقُوا» هذا العذاب جزاء «ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ٢٤» في الدنيا من الآثام، قال تعالى يا أكمل الرسل لا تحزن على ما ترى من قومك فقد «كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» رسلهم كما كذبوك هؤلاء «فَأَتاهُمُ الْعَذابُ» من عندنا بعد إصرارهم على الكفر بغتة «مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ» ٢٥ على حين غفلة وساعة غرة من حيث لا يخطر ببالهم وقوعه وفي حالة لا يتوخون بها حدوثه «فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ» الذل والهوان «فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ» وأشد وأعظم «لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ٢٦» ذلك علما يقينا لآمنوا واعتبروا من قبلهم ولما عبدوا ما لا يعقل ولا يبصر ولأخلصوا عبادتهم للإله الواحد ولما مسهم السوء. قال تعالى «وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ» يحتاج إليه الناظر في أمور الدنيا والدين «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ٢٧» ولم يتذكروا لأنهم لم يشغلوا حواسهم فيما خلقت لها فطمس الله عليها وحرمهم فوائدها وجعل هذا القرآن «قُرْآناً عَرَبِيًّا» بلغتك ولغة قومك «غَيْرَ ذِي عِوَجٍ» مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف وأنزله على خير رجل منهم ومن جنسهم «لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ٢٨» الكفر والتكذيب وقدم التذكر في الآية الأولى على التقوى في هذه الآية لأن الإنسان إذا تذكر وعرف الشيء ووقف على فحواه اتقاه واحترز منه واجتنبه، قال تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) متنازعون بخدمته يتجاذبونه بينهم لسوء أخلاقهم وقلة آدابهم (والشّكس السيء الخلق) «وَرَجُلًا» عبدا مملوكا أيضا «سَلَماً لِرَجُلٍ» خاصا له وحده «هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا» أي لا يستويان في الصفة والحالة، لأن الاستفهام هنا إنكاري لا يجاب إلا بالنفي «الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ٢٩» أن الله تعالى وحده هو المستحق للعبادة وهذا مثل ضربه الله تعالى للكافر الذي يعبد آلهة متعددة فلا يعلم أيهم يرضى منه وأيهم يسخط والمؤمن الذي يعبد الله وحده فهو على بينة من أمره. وليعلم أن إيراد المثل في