آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ

مالك بن دينار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب وما غضب الله على قوم إلا نزع منهم الرحمة- روى الحاكم وغيره عن سعد بن ابى وقاص قال انزل على النبي ﷺ القران فتلا عليهم زمانا فقالوا يا رسول الله لو حدثتنا واخرج ابن جرير عن عون بن عبد الله ان اصحاب رسول الله ﷺ ملوا ملة فقالوا لو حدثتنا فنزلت.
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ تقرير لقوله انّا أنزلنا إليك الكتاب وما بينهما معترضات وفى الابتداء باسم الله وبناء نزّل عليه تأكيد للاسناد اليه وتفخيم للمنزل واستشهاد على حسنه كِتاباً بدل من احسن الحديث او حال منه مُتَشابِهاً صفة لكتابا يعنى يشبه بعضه بعضا فى صحة المعنى والدلالة على المنافع العامة والحسن المعجز ويصدق بعضه بعضا مَثانِيَ صفة اخرى جمع مثناة اسم الظرف فانه ثنى فيه ذكر الوعد والوعيد والأمر والنهى والاخبار والاحكام وصف به الكتاب باعتبار تفاصيله فهو كقولك القران سور وآيات والإنسان عروق وعظام ولحم واعصاب او جعل تميزا من متشابها كقولك رايت رجلا جسيما حسنا شمائل او جمع مثنية اسم الفاعل فان آياته تثنى على الله لصفاته الكمال تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ خوفا لما فيه من الوعيد الجملة صفة ثالثة لكتابا ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ اى لذكر الله بالرحمة وعموم المغفرة- والإطلاق للاشعار بأن اصل امره الرحمة وان رحمته سبقت غضبه والتعدية بالى لتضمين معنى السكون والاطمينان وذكر القلوب لتقدم الخشية التي هى من عوارضها يعنى إذا ذكر عذاب الله فى آيات الوعيد من القران يخاف قلوب المؤمنين وتقشعر جلودهم والاقشعرار انقباض وتغير فى جلد الإنسان عند الخوف وإذا ذكر الله بالرحمة فى آيات الوعد من القران تلين جلودهم وتسكن قلوبهم- لمّا وصف الله القران بكونه مثانى؟؟؟ فيه ذكر الوعيد والوعد وصفه بما يتاثر به المؤمنون عند الوعيد والوعد فكان تقدير الكلام يخاف منه قلوب الذين يخشون ربهم وتقشعر جلودهم ثم تلين جلودهم وتطمئن قلوبهم الى ذكر الله

صفحة رقم 207

عن العباس رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه «اى تساقطت- نهايه منه ره» كما يتحاتت عن الشجر اليابسة ورقها- رواه الطبراني بسند ضعيف ورواه البغوي وفى رواية للبغوى إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله حرمه الله على النار- فان قيل بعض اهل العشق من الصوفية الكرام يغشى عليه عند استماع القران فهل هو من الأحوال الحميدة او القبيحة وقد شنع عليهم الامام محى السنة البغوي رحمة الله عليه فى تفسيره فقال قال قتادة هذا يعنى ما ذكر من اقشعرار الجلد من خشية الله نعت اولياء الله نعتهم الله بان تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم بذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم انما ذلك فى اهل البدع وهو من الشيطان أخبرنا عن عبد الله بن الزبير قال قلت لجدتى اسماء بنت ابى بكر كيف كان اصحاب رسول الله ﷺ يفعلون إذا قرئ عليهم القران قالت كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع عيونهم وتقشعر جلودهم قال فقلت لها ان نأسا إذا قرئ عليهم القران خرّ أحدهم مغشيّا عليه فقالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- وروى البغوي ان ابن عمر مرّ على رجل (من اهل العراق) ساقط فقال ابن عمر ما بال هذا قالوا انه إذا قرئى عليه القران وسمع ذكر الله سقط فقال ابن عمر انا لنخشى الله وما نسقط وقال ابن عمر ان الشيطان يدخل فى جوف أحدهم ما كان هكذا صنيع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- قلت وجه طريان هذه الحالة كثرة نزول البركات والتجليات مع ضيق حوصلة الصوفي وضعف استعداده وانما لم توجد هذه الحالة فى الصحابة رضى الله عنهم مع وفور بركاتهم لاجل سعة حواصلهم وقوة استعداداتهم ببركة صحبة النبي ﷺ واما غير الصحابة من الصوفية فعدم طريان تلك الحالة عليهم اما لقلة نزول البركات واما لسعة الحوصلة والعجب من الامام الهمام محى السنة البغوي رحمه الله كيف أنكر على اصحاب تلك الحالة وشنع عليهم ونسى قوله تعالى حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العلىّ الكبير وقد روى هو فى تفسير

صفحة رقم 208

تلك الاية عن النواس بن سمعان رضى الله عنه إذا أراد الله بالأمر تكلم بالوحى أخذت السماوات منه رجفة او قال رعدة شديدة خوفا من الله فاذا سمع ذلك اهل السماوات صعقو او خرّوا لله سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبرئيل الحديث- وروى البخاري عن ابى هريرة عن النبي ﷺ نحوه بلفظ إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا
لقوله كانه سلسلة على صفوان فاذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ الحديث- وقوله تعالى فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخرّ موسى صعقا.
وقول ابن عمر ان الشيطان يدخل فى جوف أحدهم وكذا استعاذة اسماء محمول على انهما زعما غشى ذلك الرجل تكلفا ومكرا ولذا نسباه الى الشيطان وانما كان انكار تلك الحالة منهما لعدم طريان الحالة عليهما وعلى أمثالهما بناء على وسعة الحوصلة وقوة الاستعداد- ويدل على ما قلت انه ذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القران فقال بيننا وبينهم ان يقعد أحدهم على ظهر بنية باسطا رجليه ثم يقرا عليهم القران من اوله الى آخره فان رمى بنفسه فهو صادق حيث علّق صدقه على رمى نفسه من ظهر بنية مرتفعة فعلم منه انه حمل صرعه على الكذب والتكلف- اعلم ان البشر أقوى استعدادا وأوسع حوصلة من الملائكة كما يشهد عليه قوله تعالى انّى جاعل فى الأرض خليفة الى قوله انّى أعلم ما لا تعلمون- وقوله تعالى انّا عرضنا الامانة على السّموات والأرض الاية ولاجل ذلك يأتى حالة الغشي على الملائكة كلّما سمعوا الوحى دون البشر واما البشر فاذا تمّ نزوله لا يتغير حاله الا نادرا وإذا تم عروجه وقصر نزوله يتغير غالبا واعلم ان الصوفي متى كان فى السكر يتغير حاله غالبا عند ذكر المحبوب فى الشعر والتغني ولذلك يستحبون السماع لكن تغير الحال عند سماع القران اشرف منه حالا لان عند استماع القران وتلاوته تتنزل البركات الاصلية المتعلقة بالتجليات الذاتية والصفات الحقيقية ولا سبيل إليها لاكثر الصوفية المحتبسين فى مقام ولاجل ذلك تراهم يتغير حالهم عند السماع ما لا يتغير عند تلاوة القران واما الذين صعدوا ذروة الأفق الأعلى ثم دنى رب العزة وتدلّى فكان قاب قوسين أفادني لا يتغير أحوالهم الا كما كان يتغير حال اصحاب رسول الله ﷺ رضى الله عنهم

صفحة رقم 209
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية