
خلقه وتسويته، إجلالا وإعظاما له، فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس، ولم يكن منهم جنسا بل كان من الجن فخانه طبعه، فاستنكف عن السجود له وخاصم ربه وادعى أنه خير من آدم، لأنه مخلوق من نار وآدم مخلوق من طين، والنار خير من الطين في زعمه، وقد خالف بذلك أمر ربه، فكفر به فأبعده وطرده من باب رحمته وحضرة فدسه مذموما مدحورا، فسأل النّظرة إلى يوم البعث، فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه، فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرّد وطغى وقال «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» فقال تعالى: «فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ».
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨٦ الى ٨٨]
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)
تفسير المفردات
من المتكلفين: أي المدّعين معرفة ما ليس عندهم، نبأه: أي ما أنبأ به من وعد ووعيد، بعد حين: أي بعد الموت.
الإيضاح
(قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) أي قل يا أيها الرسول لمشركى قومك: ما أسألكم على تبليغ ما يوحى إلىّ أجرا لا قليلا ولا كثيرا، وما عرفتمونى أتكلف ما ليس عندى حتى أنتحل النبوة وأتقوّل القرآن.
أخرج ابن عدى عن أبى برزة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال هم الرحماء بينهم، قال: ألا أنبئكم بأهل النار؟ قلنا بلى، قال هم الآيسون القانطون الكذابون المتكلفون».

وفي الصحيحين أن ابن مسعود قال: «أيها الناس من علم منكم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل: الله تعالى أعلم، قال الله تعالى لرسوله صلّى الله عليه وسلم: (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ).
(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي ما هذا القرآن إلا عظة للثقلين كافة، وكل ذى عقل سليم، وطبع مستقيم، يشهد بصحته وبعده عن البطلان والفساد.
ثم ختم السورة بتهديدهم لعلهم يرعوون عن غيهم فقال:
(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) أي إنكم إن أصررتم على ما أنتم عليه من الجهل وأبيتم إلا تقليد الآباء والأجداد فستعلمون حين الموت إن كنتم مصيبين في إعراضكم أو مخطئين.
وكان الحس البصري يقول: يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولا يعرضون عن اتباع الذكر وما فيه من صلاح للناس في الدنيا والآخرة.
ما تضمنته هذه السورة من العبر والمواعظ
(١) صلف المشركين وإعراضهم عن الحق، مع ضرب المثل لهم بالأمم الماضية التي حادت عن الحق فهلكت.
(٢) إنكارهم للوحدانية.
(٣) إنكارهم لنبوة محمد عليه الصلاة والسلام.
(٤) إنكارهم للبعث والحساب.
(٥) قصص داود وسليمان وأيوب وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من النبيين عليهم السلام.

(٦) وصف نعيم أهل الجنة.
(٧) وصف عذاب أهل النار، وتلاعن بعضهم بعضا، وسؤالهم عن المؤمنين لم لم يروهم في النار؟
(٨) قصص آدم عليه السلام.
(٩) قسم إبليس- ليغوينّ بنى آدم أجمعين إلا عباد الله المخلصين.
(١٠) أمر الله نبيه أن يقول للمشركين: ما أطلب منكم أجرا على تبليغ رسالتى ولا أنا بالذي يدّعى علم شىء هو لا يعرفه.
(١١) إن القرآن أنزل للثقلين كافة.
(١٢) إن المشركين بعد موتهم يعلمون حقيقة أمره.