- كان عقابه الإخراج من الجنة، والرجم بالكواكب والشهب، والطرد والإبعاد من رحمة الله إلى يوم القيامة، لأن اللعن منقطع حينئذ.
- أراد الملعون ألا يموت، فطلب تأخيره إلى يوم البعث، فلم يجبه الله إلى ذلك، وإنما أخره إلى الوقت المعلوم، وهو يوم يموت الخلق فيه، فأخّر إليه استهانة به.
- لما أمن إبليس الهلاك طغى وتمرد وتحدى ربه، وأقسم بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات والمعاصي، وإدخال الشبه عليهم، ودعوتهم إلى المعاصي، وقد علم أنه لا يتمكن إلا من الوسوسة، ولا يفسد إلا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه.
لهذا استثنى من تسلطه عباد الله الذين أخلصهم لطاعته وعبادته وعصمهم منه.
- أقسم الله بذاته، وأخبر أنه لا يقول إلا الحق أنه سيملأ جهنم من إبليس وأتباعه، عقابا على مخالفتهم أوامر الله، وإصرارهم على ارتكاب المعاصي.
حال الداعي وحال الدعوة ومعجزة القرآن
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٨٦ الى ٨٨]
قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)
الإعراب:
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ أصله: (لتعلمون) إلا أنه لما اتصلت به نون التوكيد الثقيلة أوجبت بناءه، لأنها أكدت الفعلية، فردته إلى أصله في البناء، فحذفت النون، فاجتمع ساكنان: الواو والنون، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وبقيت الضمة قبلها. والمعنى: لتعرفنّ، لذا تعدى إلى مفعول واحد. واللام: لام قسم مقدر، أي والله لتعلمن.
المفردات اللغوية:
ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على تبليغ الرسالة والوحي والقرآن. مِنْ أَجْرٍ جعل أو عوض.
الْمُتَكَلِّفِينَ المتقولين القرآن من تلقاء نفسي أو المتصنعين المتحلين بما ليسوا من أهله، فأنتحل النبوة والقول على الله. إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ما القرآن إلا عظة بليغة للإنس والجن والعقلاء، دون الملائكة.
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ لتعرفن يا كفار مكة وغيركم خبر صدقه وعاقبة خبره وهو ما فيه من الوعد والوعيد، بإتيانه يوم القيامة، وذلك لمن آمن به ومن أعرض عنه.
المناسبة:
هذه خاتمة شريفة لهذه السورة، يتبين فيها حال الداعي وهو الرسول ص وهو أنه لا يأخذ أجرا ومالا على هذه الدعوة، ويظهر فيها كيفية الدعوة وهي أنها لا تقوّل فيها وإنما هي وحي من عند الله، ودين يشهد بصحته العقل، وتتحدد فيها مهمة القرآن بأنه عظة للعالمين، وستظهر معجزته ووعده ووعيده يوم القيامة.
التفسير والبيان:
قُلْ: ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين من قومك: ما أطلب منكم من جعل أو مال تعطونيه على تبليغ رسالتي ووحي الله والنصح بالقرآن وغيره من الوحي، وما أنا من المتقوّلين على الله، حتى أقول ما لا أعلم، أو أدعوكم إلى غير ما أمرني الله بالدعوة إليه.
والتكلف: التصنع والتقول والاختلاق.
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ أي ما هذا القرآن، أو ما أدعوكم إليه إلا موعظة للخلق أجمعين، والعاقل من يشهد بصحته. ولِلْعالَمِينَ الإنس والجن. ونحو الآية: لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام ٦/ ١٩] وقوله تعالى:
وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود ١١/ ١٧].
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ لتعرفن أيها الكفار خبره وصدقه، من الدعوة إلى الله وتوحيده، والترغيب في الجنة، والتحذير من النار، بعد زمان قريب، إما بعد الموت، وإما يوم القيامة. قال الحسن البصري: يا ابن آدم، عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- لم يطلب النبي ص على تبليغ دعوته عوضا ماديا، ولم ينشد تحقيق مكسب مالي أو مطمع دنيوي كالحكم والسلطة والجاه، وهذا دليل على صدقه في نبوته، لأن من الظاهر أن الكذاب لا بدّ من أن يظهر طمعه في طلب الدنيا، وكان ص بعيدا عن الدنيا، عديم الرغبة فيها.
٢- لم يكن النبي ص متكلفا متقوّلا ولا متخرّصا ما لم يؤمر به من عند ربه، فهو مبلّغ وحي الله بأمانة متناهية دون زيادة ولا نقص. أخرج الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود قال: يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله عز وجل قال لنبيكم ص: قُلْ: ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ.
وأخرج ابن عدي عن أبي برزة قال: قال رسول الله ص: «ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: هم الرحماء بينهم، قال: ألا أنبئكم بأهل النار؟ قلنا: بلى، قال: هم الآيسون القانطون الكذابون المتكلّفون».
٣- تتلخص دعوة النبي ص في أصول ثمانية، هي الأصول المعتبرة في دين الله، ويشهد بصحتها كل ذي عقل سليم وطبع مستقيم وهي:
أولا- الدعوة إلى الإقرار بوجود الله.
ثانيا- الدعوة إلى تنزيه الله وتقديسه عن كل ما لا يليق به: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى ٤٢/ ١١].
ثالثا- الإقرار بكونه تعالى موصوفا بكمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة.
رابعا- الإقرار بكونه منزها عن الشركاء والأضداد.
خامسا- الامتناع عن عبادة الأوثان التي هي مجرد جمادات، ولا منفعة في عبادتها، ولا مضرة في الإعراض عنها.
سادسا- تعظيم الأرواح الطاهرة المقدسة، وهم الملائكة والأنبياء.
سابعا- الإقرار بالبعث والقيامة لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم ٥٣/ ٣١].
ثامنا- الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة «١».
٤- إن ما دعا إليه النبي ص من الوعد والوعيد والإيمان بالقرآن هو عظة بليغة للعالمين، أي الجن والإنس.
وسيعلم الكفار نبأ الذكر وهو القرآن أنه حق وصدق بعد زمان قريب، إما بعد الموت وإما يوم القيامة.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الزّمرمكيّة، وهي خمس وسبعون آية.
تسميتها:
سميت سورة الزمر لأن الله تعالى ذكر في آخرها زمرة الكفار الأشقياء مع الإذلال والاحتقار [٧١- ٧٢] وزمر المؤمنين السعداء مع الإجلال والإكرام [٧٣- ٧٥].
مناسبتها لما قبلها:
تظهر صلة هذه السورة بما قبلها وهي سورة ص من وجهين:
الأول- إنه تعالى ختم سورة ص واصفا القرآن بقوله: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ وابتدأ هذه السورة بقوله: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ فكأنه قيل: هذا الذكر تنزيل، فهما كالآية الواحدة، بينهما اتصال وتلاحم شديد.
الثاني- ذكر تعالى في آخر ص قصة خلق آدم عليه السلام، وذكر في القسم الأول من هذه السورة أحوال الخلق من المبدأ إلى المعاد، متصلا بخلق آدم المذكور في السورة المتقدمة. صفحة رقم 238
مشتملاتها:
موضوع هذه السورة الحديث عن التوحيد وأدلة وجود الله ووحدانيته، وعن الوحي والقرآن العظيم.
ابتدأت هذه السورة ببيان تنزيل القرآن الكريم من الله تعالى على رسوله ص، وأمر الرسول ص بإخلاص الدين لله، وتنزيه الله عن مشابهة المخلوقات، وتوضيح شبهة المشركين في اتّخاذ الأصنام آلهة شفعاء، وعبادتها وسيلة إلى الله تعالى، والنّعي عليهم في عبادة الأوثان.
وأردفت ذلك بإقامة الأدلة على وحدانية الله، من خلق السموات والأرض، وتعاقب الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر، وخلق الإنسان في أطوار مختلفة متعاقبة، ثم نددت بطبيعة المشرك وتناقضه حين يدعو الله حال الضر، وينساه حال الرخاء. ثم عادت لإيراد بعض هذه الأدلة كإنزال المطر وإنبات النبات.
ثم ذكرت مقارنة بين المؤمنين وبين الكافرين، حيث يسعد الأوائل في الدنيا والآخرة، ويشقى الآخرون فيهما، ويتمنون الفداء حين يرون العذاب.
وأشادت بعظمة القرآن الكريم حيث تقشعر من آياته جلود المؤمنين الخائفين، ثم تلين جلودهم وقلوبهم لذكر الله، على عكس المشركين الذين تنقبض قلوبهم عند سماع توحيد الله، كما أن القرآن يتضمن أمثالا للناس لعلهم يتذكرون.
ومن هذه الأمثال يتضح الفرق بين من يعبد إلها واحدا، وبين من يعبد آلهة متعددة لا تسمع ولا تجيب، كالعبد المملوك لسيد واحد، والمملوك لعدة شركاء متخاصمين فيه. ثم رد تعالى على المشركين الذين يتخذون الأصنام شفعاء من دون الله، ولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون.
وأخبر الله تعالى عن موت النّبي ص وموت أصحابه، وأن الله هو المهيمن على الأرواح، فيتوفّى بعضها في أجلها، ويترك بعضها إلى أجل آخر.
ثم فتح باب الأمل أمام المسرفين، ووعدهم بمغفرة ذنوبهم إذا تابوا، وأوضح ما يرى على وجوه الذين كذبوا على الله أهل النار يوم القيامة من كآبة وحزن.
وأعقب ذلك ببيان أحوال القيامة، وحدوث نفختين: الأولى للإماتة، والثانية للإحياء من القبور، ثم يأتي الحساب والقضاء بالحق، وإيفاء كل نفس ما عملت.
وختمت السورة بتقسيم الناس يوم القيامة فريقين: فريق الكافرين الذين يساقون زمرا وجماعات إلى جهنم، ويشاهدون من أهوال المحشر، وفريق المؤمنين الذين يساقون إلى الجنان وتحييهم الملائكة، ويشاهدون في الجنة النعيم المقيم الذي يستدعي الحمد التام لله رب العالمين، ويرون الملائكة حافين حول العرش يسبحون بحمد ربهم.
فضلها:
أخرج النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ص يصوم حتى نقول: ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم، وكان ص يقرأ في كل ليلة: بني إسرائيل- أي الإسراء- والزّمر.