
مِنْ شَكْلِهِ مثله أَزْواجٌ أصناف من العذاب والكناية في شكله راجعة إلى العذاب في قوله هذا.
وأما قوله هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ قال ابن عبّاس: هو أن القتادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للقادة هذا يعني الاتباع فَوْجٌ جماعة مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ النار، أيّ داخلوها كما دخلتم.
فقالت السادة: لا مَرْحَباً بِهِمْ يعني بالأتباع إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ كما صليناها، فقال الاتباع للسادة: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا أيّ شرعتم وسننتم الكفر لنا فَبِئْسَ الْقَرارُ أي قرارنا وقراركم، والمرحب والرحب السعة، ومنه رحبة المسجد.
قال أبو عبيدة: يقول العرب للرجل: لا مرحبا بك، أي لا رحبت عليك الأرض، أيّ اتسعت.
وقال القتيبي: معنى قولهم: مرحبا وأهلا وسهلا، أي أتيت رحبا وسعة، وأتيت سهلا لا حزنا، وأتيت أهلا لا غرباء، فأنس ولا تستوحش، وهي في مذهب الدعاء كما تقول: لقيت خيرا، فلذلك نصب «١».
قال النابغة:
لا مرحبا بغد ولا أهلا به | إن كان تفريق الأحبة في غد «٢» |
قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤) قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠)
قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا أي شرّعه وسنّه فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ على عذابنا.
وقال ابن مسعود: يعني حيات وأفاعي.
وَقالُوا يعني صناديد قريش وهم في النار ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ في دار الدّنيا، يعني فقراء المؤمنين أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا.
(٢) لسان العرب: ١٥/ ١١٧.

قرأ أهل العراق إلّا عاصما وأيوب: بوصل الألف، واختاره أبو عبيد قال: من جهتين:
إحداهما: أنّ الاستفهام متقدم في قوله: (ما لَنا لا نَرى رِجالًا).
والأخرى: أنّ المشركين لم يكونوا يشكون في اتخاذهم المؤمنين في الدّنيا سخريا، فكيف يستفهمون عمّا قد عملوه. ويكون على هذه القراءة بمعنى بل.
وقرأ الباقون: بفتح الألف وقطعها على الاستفهام وجعلوا (أم) جوابا لها مجازا:
أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا في الدّنيا وليسوا كذلك، فلم يدخلوا معنا النار.
أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ فلا نراهم وهم في النار، ولكن احتجبوا عن أبصارنا.
وقال الفراء: هو من الاستفهام الذي معناه التعجب والتوبيخ، فهو يجوز باستفهام ويطرحه.
وقال ابن كيسان: يعني أم كانوا خيرا منّا ولا نعلم نحن بذلك، فكانت أبصارنا تزيغ منهم في الدّنيا فلا نعدهم شيئا.
أخبرنا أبو بكر الحمشادي قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله ابن مسلم قال: حدثنا عصمة بن سليمان الجرار عن يزيد عن ليث عن مجاهد وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ.
قال: صهيب وسلمان وعمّار لا نراهم في النار أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا في الدّنيا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ في النار إِنَّ ذلِكَ الذي ذكرت لَحَقٌّ ثم بيّن فقال: تَخاصُمُ أي هو تخاصم أَهْلِ النَّارِ ومجاز الآية: أن تخاصم أهل النار في النار لحق قُلْ يا محمّد لمشركي مكة إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ مخّوف وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ يعني القرآن.
عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة، وروى معمر عنه يوم القيامة، نظيرها عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ «١».
أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ في شأن آدم وهو قولهم حين قال الله سبحانه لهم: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها «٢» الآية هذا قول أكثر المفسرين.
وروى ابن عبّاس عن النبي (عليه السلام) قال: «قال ربّي: أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى يعني الملائكة؟
(٢) سورة البقرة: ٣٠.