
قال أبو حيان: والظاهر أن قوله: هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ من قول رؤسائهم بعضهم لبعض.
٦- رد الأتباع على الرؤساء بقولهم: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أنتم دعوتمونا إلى العصيان فبئس القرار لنا ولكم. وقالوا أيضا: ربنا من سوّغ لنا هذا وسنّه وتسبب في عذابنا هذا فضاعف عذابه، عذابا على الكفر، وعذابا على الإضلال.
وكل كلام من الفريقين فيه زيادة تبكيت وإيلام وإزعاج للفريق الآخر.
٧- زعم الكفار في الدنيا أن أعداءهم في الدنيا وهم فقراء المؤمنين العرب أو الموالي غير العرب، كبلال وصهيب وسلمان من أهل النار، فافتقدوهم بحسب زعمهم في النار معهم، فلم يجدوهم، فلاموا أنفسهم على خطئهم باتخاذهم سخريا في الدنيا. وهذا لون آخر من التعذيب النفسي الداخلي.
قال مجاهد وغيره: يسألون أين عمار، أين صهيب، أين فلان، يعدون ضعفاء المسلمين، فيقال لهم: أولئك في الفردوس.
٨- إن هذا التخاصم والتنازع الذي يزعج أهل النار أمر واقع حتما في النار، وهو حق ثابت، يجب الإيمان به.
بعض أدلة صدق النبي ص
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٦٥ الى ٧٠]
قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩)
إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠)

الإعراب:
قُلْ: هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ: هُوَ نَبَأٌ مبتدأ وخبر، وعَظِيمٌ صفة، وأَنْتُمْ مبتدأ، وخبره مُعْرِضُونَ، وعَنْهُ متعلق بالخبر وهو مُعْرِضُونَ.
إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ: أَنَّما إما مرفوع نائب فاعل ل يُوحى وإما منصوب بتقدير حذف حرف الجر، أي بأنما أنا نذير، وإِلَيَّ يقوم مقام نائب الفاعل ل يُوحى والوجه الأول أوجه.
المفردات اللغوية:
قُلْ يا محمد لكفار مكة. مُنْذِرٌ مخوف بالنار. الْقَهَّارُ لخلقه. الْعَزِيزُ الذي لا يغلب أو الغالب على أمره.
الْغَفَّارُ الذي يغفر ما يشاء من الذنوب لمن يشاء.
قُلْ يا محمد للمشركين. هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ خبر مهم جدا. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ أي إن القرآن الذي أنبأتكم به وجئتكم فيه بما لا يعلم إلا بوحي هو مهم جدا، وأنتم معرضون عنه لتمادي غفلتكم، فإن العاقل لا يعرض عن مثله.
بِالْمَلَإِ الْأَعْلى الملائكة، وهم أشراف الخلق، أي ما كان لي من علم بكلام الملأ الأعلى.
إِذْ يَخْتَصِمُونَ في شأن آدم حين قال الله: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة ٢/ ٣٠].
إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي ما يوحى إلي إلا أني بيّن الإنذار.
المناسبة:
هذه الآيات عود على بدء السورة الداعية إلى التوحيد وإثبات نبوة النبي ص، والمعاد، فهي تقرير للتوحيد، ووعد ووعيد للموحدين والمشركين بسبب الإعراض عن دعوة النبي محمد ص، وإثبات للبعث الذي يفصل فيه بين المؤمنين والكافرين بعد إنذار النبي ص في الدنيا بعقاب من أنكر التوحيد والنبوة والمعاد.
وهذا دليل على أن السورة إلى آخرها في أحسن وجوه الترتيب والنظم.

التفسير والبيان:
قُلْ: إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ أي قل أيها الرسول للكفار بالله، المشركين به من أهل مكة وغيرهم، المكذبين لرسوله ص: إنما أنا مخوف لكم من عقاب الله وعذابه، مبلّغ أحوال عقاب من أنكر التوحيد والنبوة والمعاد، مثل عقاب الأمم السابقة في الدنيا كعاد وثمود، وأحوال عذاب جهنم في الآخرة.
وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ أي ليس هناك إلا إله واحد لا شريك له، قهار لكل شيء سواه، قد قهر كل شيء وغلبه.
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا، الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ أي مالك جميع السموات والأرض وما بينهما من المخلوقات، ومتصرف فيه، وهو الذي يغلب ولا يغلب، فلا يغالبه مغالب إذا عاقب العصاة، وهو غفار الذنوب لمن أطاعه، ولمن شاء من عباده إذا تاب، ولمن التجأ إليه.
ثم توعدهم تعالى على مخالفة أمر الله تعالى ورسوله ص والإعراض عن القرآن، فقال:
قُلْ: هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ، أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ أي قل أيها الرسول لمشركي مكة وغيرهم: إن هذا الذي أنبأتكم به من كوني رسولا منذرا، وأن الله واحد لا شريك له، وأن القرآن وحي منزل من عند الله، هو خبر عظيم مهم جدا، لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة، فهو ينقذكم من الضلالة إلى النور، لكنكم أنتم معرضون عما أقول، لا تتفكرون فيه. وفي هذا توبيخ لهم وتقريع، لكونهم أعرضوا عنه، فعليهم العدول عن خطأهم.
ثم ذكر تعالى ما يدل على نبوة محمد ص، فقال:
ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى، إِذْ يَخْتَصِمُونَ أي ما كان لي قبل أن

يوحى إلي علم باختلاف الملأ الأعلى في شأن آدم عليه السلام، وامتناع إبليس من السجود له، ومحاجته ربه في تفضيله عليه، فلولا الوحي من أين كنت أدري بتلك المغيبات.
إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي ما يوحى إلي إلا للإنذار الواضح، والتبليغ البيّن، لا لأمر آخر من تسلط أو ملك.
فقه الحياة أو الأحكام:
أبان الله تعالى في هذه الآيات بعض أدلة صدق النبي ص في نبوته، وأوضح بعض مهامه وواجباته.
أما مهمته: فهي إنذار من عصاه بالنار، وتخويف عقاب الله من أنكر التوحيد والنبوة والمعاد.
وكذلك تقرير التوحيد وهو أن لا إله إلا الله، المنزه عن الشريك والنظير، وأنه سبحانه القهار لكل شيء، وهذا يدل على كونه واحدا، وأن الذي جعل شريكا له لا يقدر على شيء أصلا، مثل هذه الأوثان والجمادات التي لا تضر ولا تنفع.
ولما كانت صفة الْقَهَّارُ توجب الخوف الشديد، أردفه تعالى بذكر صفات ثلاث له دالة على الرحمة والفضل والكرم:
أولها- كونه ربا للسموات والأرض والعناصر الأربعة (الماء، والهواء، والنار، والتراب) والمواليد الثلاثة (الإنس والجن والحيوان).
ثانيها- كونه عزيزا (أي منيعا قويا لا مثل له) فهو قادر على كل الممكنات، فهو يغلب الكل ولا يغلبه شيء.