
سورة ص
وهي ثلاثة آلاف وسبعة وستون حرفا، وسبعمائة واثنتان وثلاثون كلمة، وثمانية وثمانون آية.
من كتاب ثواب الأعمال: أخبرنا إبراهيم قال: حدّثنا سلام في إسناده قال: ومن قرأ سورة ص كان له من الأجر مثل جبل سخّره الله لداود عشرة حسنات، وعصم من أن يصرّ على ذنب صغير أو كبير «١».
حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن الحسن قال: حدّثنا أبو الربيع قال: حدّثنا ابن وهب قال:
حدّثني العطاف بن خلد عن عبد الرّحمن بن حرملة عن برد مولى سعيد بن المسيب: إنّ ابن المسيّب كان لا يدع أن يقرأ كل ليلة ص.
قال العطاف: فلقيت عمران بن محمّد بن سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك.
قال: بلغني أنّه ما من عبد يقرأها كلّ ليلة إلّا اهتز له العرش.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة ص (٣٨) : الآيات ١ الى ٧]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤)أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧)
ص قرأ العامة بالجزم، واختلفوا في معناه.
فقال الكلبي: عن أبي صالح، سئل جابر بن عبد الله وابن عباس عن ص فقالا: لا ندري.
وقال عكرمة: سأل نافع الأزرق عبد الله بن عباس عن ص فقال: كان بحرا بمكّة وكان عليه عرش الرّحمن، إذ لا ليل ولا نهار.

سعيد بن جبير: ص بحر يحيي الله به الموتى بين [النفختين].
الضحّاك: صدق الله. مجاهد: فاتحة السّورة. قتادة: اسم من أسماء القرآن. السدّي:
قسم أقسم الله سبحانه وتعالى به، وهو اسم من أسماء الله عزّ وجلّ. وهي رواية الوالبي عن ابن عبّاس.
محمد بن كعب القرظي: هو مفتاح أسماء الله، صمد، وصانع المصنوعات، وصادق الوعد.
وقيل: هو اسم السّورة، وقيل: هو إشارة إلى صدود الكفّار من القرآن.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق: صادِ بخفض الدّال، من المصادّاة، أي عارض القرآن بعملك وقابله به، واعمل بأوامره، وانته عن نواهيه.
وقرأ عيسى بن عمر صادَ بفتح الدّال، ومثله قافَ ونونَ، لاجتماع السّاكنين، حرّكها إلى أخف الحركات.
وقيل: على الإغراء.
وقيل في ص: إنّ معناه صاد محمّد قلوب الخلق واستمالها حتّى آمنوا به.
وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ قال ابن عباس ومقاتل: ذي البيان.
الضحاك: ذي الشرف، دليله قوله عزّ وجل: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ.
وقيل: ذي ذكر الله عزّ وجلّ.
واختلفوا في جواب القسم، فقال قتادة: موضع القسم قوله: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا كما قال سبحانه: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا. وقال الأخفش جوابه قوله: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ كقوله عزّ وجل: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا... وقوله: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ... إِنْ كُلُّ نَفْسٍ. وقيل:
قوله: إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ.
وقال الكسائي: قوله: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ.
وقيل:
مقدم ومؤخر تقديره بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ | وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ. |
وقال القتيبي من قال جواب القسم بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا قال: «بل» إنما تجيء لتدارك كلام ونفي آخر، ومجاز الآية أن الله أقسم ب ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ ويعني حمية جاهلية وتكبر. صفحة رقم 176

وَشِقاقٍ يعني خلاف وفراق.
كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا بالأيمان والاستغاثة عند نزول العقوبة وحلول النقمة بهم.
وَلاتَ حِينَ مَناصٍ وليس بوقت فرار ولا بر.
وقال وهب: وَلاتَ بلغة السريانية إذا أراد السرياني أن يقول وليس يقول: ولات.
وقال أئمة أهل اللغة: وَلاتَ حِينَ مفتوحتان كأنّهما كلمة واحدة، وإنّما هي «لا» زيدت فيها التاء كقولهم: ربّ وربّت، وثمّ وثمّت.
قال أبو زيد الطائي:
طلبوا صلحنا ولات أوان... فأجبنا أن ليس حين بقاء «١»
[وقال] آخر:
تذكّرت حبّ ليلى لات حينا... وأمسى الشيب فقطع القرينا «٢»
وقال قوم: إن التاء زيدت في حين كقول أبي وجزة السعديّ:
العاطفون حين ما من عاطف... والمطعمون زمان ما من مطعم «٣»
وتقول العرب: تلان بمعنى الآن، ومنه حديث ابن عمر سأله رجل عن عثمان رضي الله عنه فذكر مناقبه ثم قال: اذهب بها تلان إلى أصحابك يريد الآن «٤».
وقال الشاعر:
تولى قبل يوم بين حمانا... وصلينا كما زعمت تلانا «٥»
فمن قال: إن التاء مع «لا» قالوا: قف عليه لأن بالتاء [... ] «٦».
وروى قتيبة عن الكسائي أنّه كان يقف: ولاه، بالهاء، ومثله روي عن أهل مكة، ومن قال: إن التاء مع حين. قالوا: قف عليه ولا، ثم يبتدئ تحين مناص. وهو اختيار أبي عبيد قال: لأني تعمّدت النظر إليه في الأمام مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه عنه فوجدت التاء متصلة مع حين قد ثبتت: «تحين» «٧».
(٢) لسان العرب: ١٥/ ٤٦٨.
(٣) تاج العروس: ٩/ ١٨٨، وتفسير القرطبي: ٥/ ١٤٨.
(٤) تفسير القرطبي: ١٥/ ١٤٧- ١٤٩.
(٥) لسان العرب: ١٣/ ٤٣.
(٦) كلمة غير مقروءة.
(٧) أنظر المصدر السابق.

وقال الفراء: النوص بالنون التأخر، والبوص بالباء التقدم. وجمعهما امرؤ القيس في بيت فقال:
أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص | فتقصر عنها خطوة وتبوص «١» |
قال ابن عباس: كان كفار مكة إذا قاتلوا فاضطروا في الحرب قال بعضهم لبعض:
مناص، أي اهربوا وخذوا حذركم، فلما نزل بهم العذاب ببدر قالوا: مناص، فأنزل الله سبحانه وَلاتَ حِينَ مَناصٍ.
وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ. أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً.
وذلك
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسلم فشق ذلك على قريش وفرح به المؤمنون، فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش، وهم الصناديد والأشراف، وكانوا خمسة وعشرين رجلا، الوليد بن المغيرة وهو أكبرهم سنّا، وأبو جميل ابن هشام، وأبي وأميّة ابنا خلف، وعمر بن وهب بن خلف، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وعبد الله بن أميّة والعاص بن وائل، والحرث بن قيس، وعدي بن قيس، والنضر بن الحرث، وأبو البحتري بن هشام، وقرط بن عمرو، وعامر بن خالد، ومحرمة بن نوفل، وزمعة بن الأسود، ومطعم بن عدي، والأخنس بن سريق، وحويطب ابن عبد العزى، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، والوليد بن عتبة، وهشام بن عمر بن ربيعة، وسهيل بن عمرو، فقال لهم الوليد بن المغيرة: امشوا إلى أبي طالب. فأتوا أبا طالب فقالوا له: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، وإنّا أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك. فأرسل أبو طالب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم فدعاه فقال له: يا ابن أخ هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «وماذا يسألوني؟» فقال: يقولون ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك.
فقال النبي (عليه السلام) :«أتعطونني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟» فقال أبو جهل: لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ» «٢» [١٠٧]. فنفروا من ذلك وقاموا وقالوا:
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً كيف يسع الخلق كلهم إله واحد.
(٢) أسباب نزول الآيات: ٢٤٧.

إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ أي عجيب.
قال مقاتل: بلغة أزد شنوه.
قال أهل اللغة: العجيب والعجاب واحد كقولك كريم وكرام وكبير وو كبار وطويل وطوال وعريض وعراض وسكين حديد وحداد.
أنشد الفراء:
كحلقة من أبي رماح... تسمعها لاهة الكبار
وقال آخر:
نحن أجدنا دونها الضرابا... إنّا وجدنا ماءها طيابا «١»
يريد طيبا.
وقال عباس بن مرداس: تعدوا به سلمية سراعه. أي سريعة.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعيسى بن عمر: عجّاب بالتشديد. وهو المفرط في العجب.
فأنشد الفراء:
آثرت إدلاجي على ليل جرّة... هضيم الحشا حسانة المتجرد «٢»
وأنشد أبو حاتم:
جاءوا بصيد عجّب من العجب... أزيرق العينين طوال الذنب «٣»
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا يعني إلى أبي طالب فأشكوا إليه ابن أخيه وَاصْبِرُوا واثبتوا عَلى آلِهَتِكُمْ نظيرها في الفرقان لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها «٤».
إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ أي لأمر يراد بنا ما سَمِعْنا بِهذا الذي يقول محمّد فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ.
قال ابن عبّاس والقرظي والكلبي ومقاتل: يعنون النصرانية، لأن النصارى تجعل مع الله إلها.
(٢) لسان العرب: ٢/ ٢٧٢.
(٣) تاريخ دمشق: ٧/ ٤٢٢ ط. دار الفكر.
(٤) سورة الفرقان: ٤٢.