آيات من القرآن الكريم

جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﰿ

(مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ) أي يدعون فيها بألوان كثيرة من الفاكهة والشراب وهم متكئون على الأرائك، وإنما خص الشراب والفاكهة من بين ما يتنعم به فيها، لأن بلاد العرب قليلة الفواكه والأشربة، فالنفس إليها أشوق، وفي ذكرها أرغب، كما أن في ذلك إيماء إلى أن مطاعمهم لمحض التفكه والتلذذ دون التغذي لأنه إنما يكون لتحصيل بدل المتحلل، ولا تحلل فيها.
وبعد أن وصف المسكن والمأكول والمشروب وصف الأزواج فقال:
(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ) أي وعندهم نساء ذوات خفر قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا يلتفتن إلى غير بعولتهن، وهن متساويات في السن والجمال يجب بعضهن بعضا، وفي ذلك راحة عظيمة للأزواج، إذ في تباغض الضرائر النّصب والتعب والهمّ الكثير للزوج ولهنّ.
(هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ) أي هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة هو ما وعد الله به عباده المتقين، يصيرون إليه بعد نشورهم، وقيامهم من قبورهم.
ثم أخبر بأن نعيم الجنة دائم لا يزول ولا ينقطع فقال:
(إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) أي إن هذا النعيم وتلك الكرامة- لعطاء دائم غير مجذوذ ولا منقطع.
ونحو الآية قوله: «ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ» وقوله: «عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» أي مقطوع، وقوله: «لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» أي منقطع. وقوله:
«أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها».
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٥٥ الى ٦٤]
هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩)
قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)

صفحة رقم 130

تفسير المفردات
الطاغين: هم الكفار الذين تجاوزوا حدود الله وكذبوا رسله، يصلونها: أي يدخلونها ويقاسون حرها، والمهاد: كالفراش لفظا ومعنى، والحميم: الماء الشديد الحرارة، والغساق: شديد البرودة يغسق من صديد أهل النار، يقال غسقت العين: أي سال دمعها، من شكله: أي من مثل المذوق في الشدة والفظاعة، أزواج: أي أجناس، فوج:
أي جمع كثير من أتباعكم في الضلال، والاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها، لا مرحبا بهم. قال أبو عبيدة: العرب تقول لا مرحبا بك: أي لا رحبت عليك الأرض ولا اتسعت، من الأشرار: أي الأراذل الذين لا خير فيهم، يريدون بذلك المؤمنين، زاغت عنهم: أي مالت عنهم، والتخاصم: مخاصمة بعضهم بعضا ومدافعة كل منهم الآخر.
المعنى الجملي
بعد أن وصف سبحانه ثواب المتقين- أردفه بوصف عقاب الطاغين، ليكون ذلك متمما له، فيأتى الوعيد عقب الوعد، والترهيب إثر الترغيب، فيكون المرء بين

صفحة رقم 131

رجاء في الثواب وخوف من العقاب، فيزداد في الطاعة وينأى عن المعصية، وتلك وسيلة التهذيب والتأديب التي ترقى بها النفوس إلى سبيل الكمال في دنياها وآخرتها.
الإيضاح
(هذا) أي هذا الذي تقدم ما يكون جزاء للمؤمنين كفاء ما قدّموا من أعمال صالحة.
(وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) أي وإن للكافرين الخارجين عن طاعة الله المكذبين لرسله سوء المنقلب وشر العاقبة، ثم فسر ذلك بقوله:
(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ) أي هم يدخلون جهنم ويقاسون شديد حرها، فبئس فراشا هى ونحو الآية قوله: «لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ».
ثم أمرهم أمر تهكم وسخرية بذوق هذا العذاب فقال:
(هذا فَلْيَذُوقُوهُ) أي العذاب هذا، فليذوقوه.
ثم فصل أنواعه وبين ألوانه فقال:
(حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) أي لهم فيها ماء حارّ يشوى الوجوه، وماء بارد لا يستطاع شر به لبرودته. قال الحسن رضى الله عنه: الغساق عذاب لا يعلمه إلا الله تعالى، إن الناس أخفوا لله طاعة فأخفى لهم ثوابا في قوله: «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» وأخفوا معصية فأخفى لهم عقوبة.
ثم زاد في التهديد وبالغ في الوعيد فقال:
(وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) أي ليس الأمر مقصورا على هذا فحسب، بل لهم فيها أشباه وأمثال من مثله فظاعة وشدة كالزقوم والصعود والسموم.
وبعد أن وصف مساكنهم ومشاربهم حكى ما يتناجون به ويقوله بعضهم لبعض.
(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ) أي هم يتلاعنون ويتكاذبون، فتقول

صفحة رقم 132

الطائفة التي تدخل قبل الأخرى حين تقبل التي بعدها مع الخزنة والزبانية: هذا جمع كثيف داخل معكم، فلا مرحبا بهم.
قال ابن عباس في تفسير الآية: إن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع تقول الخزنة للقادة: هذا فوج داخل النار معكم، فيقول السادة: لا مرحبا بهم، والمراد بذلك الدعاء عليهم، قال النابغة:

لا مرحبا بغد ولا أهلا به إن كان تفريق الأحبّة في غد
ثم علل استيجاب الدعاء عليهم بقوله:
(إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) أي إنهم ذائقو حر النار مثلكم.
وهذا كلام من المتبوعين والرؤساء الذين أغووهم وأدخلوهم في الكفر، وحينئذ يردّ عليهم الداخلون من الأتباع ويقولون لهم:
(بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ) أي قال الأتباع وهم الفوج المقتحم للنار لأولئك الرؤساء: بل أنتم أحق منا بما قلتم (لا مرحبا بكم) فإنكم أغويتمونا ودعوتمونا إلى ما أفضى بنا إلى هذا المصير، وبئس النار المنزل والمستقر.
وهذا كلام يراد به التشفي منهم، لأنه مشترك بينهم.
ونحو الآية قوله: «كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها».
ثم ذكر مقالة أخرى للأتباع ذمّا لهم أيضا فقال:
(قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) أي قال الأتباع دعاء على رؤساء الضلال. ربنا آت من قدم لنا هذا العذاب- عذابا مضاعفا في النار، عذابا للضلال وعذابا للإضلال كما
ورد في الحديث «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها».
ونحو الآية قوله: «رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ» وقوله:
«رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً».

صفحة رقم 133
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية