
وخافها على نفسها.
ويروى أن أيوب عليه السلام لم يدع في بلائه، وصبر حتى نال ثلاثة أشياء، فعند ذلك دعا الله تعالى: وذلك أن صديقين له بالشام بلغهما خبره فتزودا ومضيا لزيارته فوجداه في منزله لم يبق منه إلا عيناه، فقالا له: أنت أيوب! فقال: نعم فقالا له: لو كان عملك - الذي رأيناه - يُفْضَى به إلى الله تعالى ما لقيت الذي نرى. فقال لهما: وأنتما تقولان ذلك لي! فَبَلَغَ ذلك منه.
والثانية أم امرأته قطعت ثلاثة ذوائب لها وباعتها في طعامه. فلما علك ذلك، عَظُمَ عليهن وبلغ ذلك منه. فهذه ثانثة والثالة: قبول امرأته من إبليس إذا أراد أن يحتال عليها، فعند ذلك تواعدها، وأقسم لئن شفاه الله ليضربها مائة ضربة. وعند ذلك دعا إلى الله فشفاه الله.
قوله تعالى ذكر: ﴿واذكر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ﴾ - إلى قوله - ﴿فَبِئْسَ المهاد﴾،
أي: اذكر إبراهيم وولده إسحاق، وولد ولد يعقوب. ومن قرأ " عِبَادَنَا " بالجمع، أدخل الجمع في العبودية وجعل ما بعده بدلاً منه.
ومن قرأ بالتوحيد خص إبراهيم بالعبودية وجعل ما بعده معطوفاً عليه.

وقوله: ﴿أُوْلِي الأيدي﴾.
قال ابن عباس: يقول: أولى القوة والعبادة. والأبصار: الفقه في الدين. الفقه في الدين. قال: مجاهد: أولي الأيدي: القوة في أمر الله تعالى والأبصار: العقول.
وقال قتادة: أُعطوا قوة في العبادة وبصراً في الدين.
وقال السدي: الأيدي: القوة في طاعة الله، والأبصار: البصر بعقولهم في دينهم.
وقيل: الأيدي: جمع يد، من النعمة، أي: هم أًحاب النعم التي أنعم الله تعالى عليهم بها.
وقيل: " هم أًحاب النعم والإحسان، لأنهم قد أحسنوا وقَدَّمُوا خيراً ".
وأصل " اليد " أن تكون للجارحة، ولكن لما كانت القوة فيها، سميت القوة

يداً. والبصر هنا عُني به بصر القلب الذي به معرفة الأشياء.
وأجاز الطبري أن يكون المعنى أنهم أصحاب الأيدي عند الله تعالى بالأعمال الصالحة التي قدموها تمثيلاً باليد تكون عند الرجل الآخر. وقرأ عبد الله: " أولي الأيدي " بغير ياء على معنى أولي التأييد والمعونة من الله لهم.
ويجوز أن يكون مثل الأول لكن أسقط الياء واكتفى بالكسرة.
وذكر الطبري عن السدي أنه قال: تزوج (إسحاق بامرأة) فحملت بغلامين في بطن، فلما أرادت أن تضع، اقتتل الغلامان في بطنها أيهما يخرج أولاً. فقال أحدهما للأخر: لئن خرجت قبل لأعترضن في بطن أمي فلأقتلنها! فتأخر الآخر وخرج القائل ذلك، فسمي عيصا لعصيانه في بطن أمه، وخرج الثاني فسمي يعقوب لأنه خرج آخراً بعقب عيصا. وكان يعقوب أكبرهما في البطن لكن عيصا خرج قبله. والروم من ذرية عيصا.
ثم قال: ﴿إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدار﴾.

من نَوَّن " خالصة " / جعل " ذكرى " بدلاً من " خالصة ".
والمعنى: إنّا اخترناهم واختصصناهم بأن يذكروا معادهم ويعملوا له. (فلا هَمَّ لهم غيره). هذا قول مجاهد والسدي، وهو اختيار الطبري.
والاختيار عنده على قراءة من أضاف أن يكون المعنى: بخالصة ما ذكر في الدار الآخرة.
ويجوز أن يكون رفع " ذكرى الدار " على إضمار مبتدأ.
وقيل: المعنى: اختصوا بأن يذكروا الناس الدار الآخرة ويدعوهم إلى طاعة الله تعالى، قاله قتادة.
ومن قرأ بالإضافة فمعناه: إنا اختصصناهم بأفضل ما في الآخرة؛ قاله ابن

زيد.
وقال مجاهد أيضاً: المعنى في الإضافة: إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم.
وقال الفضيل: هو الخوف الدائم في القلب.
وقال ابن جبير: معناه: عقبى الدار.
وعن مجاهد أيضا - في الإضافة - معناه: بخالصة أهل الدار.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار﴾، أي: لمن الذين صَفَوْا من الذنوب (ومن الأدانس) واختيروا.
والأخيار، جمع خير، على التخفيف كميْت وأموات.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿واذكر إِسْمَاعِيلَ واليسع وَذَا الكفل وَكُلٌّ مِّنَ الأخيار﴾، أي: أذكرهم يا محمد وما أبلوا فيه من طاعة الله تعالى فَتَأَسَّ بهم، وأسلك مناهجهم في الصبر على ما نالك في الله جل ذكره.
وسمي ذو الكفل بذلك، لأنه تكفل بعمل رجل صالح يقال، إن ذلك الرجل كان يصلي في كل يوم مائة صلاة، فتوفي؛ فتكفل ذو الكفل بعمله.

وقيل: إنه تكفل بأمر أنبياء من أنبياء الله تعالى فخلصهم من القتل فسمي ذا الكفل. والكفل في كلام العرب: الحَظُّ والنصيب.
وقيل: تكفل لبعض الملوك بالجنة فكتب له كتاباً بذلك وقيل: لم يكن نبياً وقوله ﴿وَكُلٌّ مِّنَ الأخيار﴾، أي: كل هؤلاء من الأخيار المذكورين.
ثم قال تعالى: ﴿هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾، أي: هذا القرآن ذكر لك يا محمد ولقومك.
وقيل: معناه: هذا ذكر جميل لهؤلاء في الدنيا، وإن لهم في الآخرة مع هذا لحسن مرجع.
وقيل: معنى: وإن للمتقين لحسن مئاب، أي: لمن اتقى الله فأطاعه لحسن مرجع ومنقلب.
ثم بين ذلك فقال: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾، أي: جنات إقامة وثبات، قال قتادة: سأل عمر كعباً: ما عدن؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قصور في الجنة من ذهب يسكنها النبيئون والصديقون والشهداء وأئمة العدل.
وقال ابن عمر: " جنة عدن: قصر في الجنة، له خمسة آلف باب، على كل باب

خمسة آلاف خَيْرَة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد ".
وقوله ﴿مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأبواب﴾، أي: تفتح لهم الأبواب منها بغير فَتْحِ سكانها لها بيد، أو بمعاناة، ولكن تنفتح بالأمر دون الفعل.
قال الحسن: " تُكَلَّم، فتتكلم، انفتحي، انغلقي ".
و" مفتحة ": نعت ل " جَنَّتات "، والضمير محذوف، والتقدير: مفتحة لهم الأبواب منها.
ثم قال تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا﴾، أي: في الجنات ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾، أي: بفاكهة وشراب من الجنة فيأتيهم على ما يشتهون.
ثم قال تعالى: ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف أَتْرَابٌ﴾، أي: وعند هؤلاء الذين تقدم ذكرهم نساء قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يُرِدْنَ غيرهم، ولا يَمدُدن أعينهن إلى

سواهم، قاله قتادى وغيره.
وقال السدي: قًصرت أطرافهن وقلوبهن وأسمعاهن على أزواجهن فلا يُرِدْنَ غيرهم.
قال مجاهد: " أتراب: أمثال ". وقال السدي: مستويات. وقيل: معناه: على سن واحد. وقيل: معناه: أحباب لا يتباغضن ولا يتعادين ولا يتغايرن ولا يتحاسدن. رُوي ذلك (أيضاً عن السدي).
وأصله في اللغة، أنهن أقران.
﴿هذا ذِكْرٌ﴾ تام عند أبي حاتم على أن يكون " المتقون " عام لا يراد به من

تقدم ذكر.
فإن أردت به من تقدم ذكره من النبيين - على معنى: هذا ذكر جميل لهؤلاء الأنبياء في الدنيا، وإن لهم لحسن مصير في الآخرة - (لم تقف) على ذكر " لأنه جملة واحدة في معنى واحد ". ثم قال: ﴿هذا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحساب﴾.
من قرأ بالياء، فمعناه: هذا ما يوعد هؤلاء المتقون ليوم الجزاء.
ومن قرأ بالتاء / جعله على المخاطبة، أي: هذا الذي تقدم ذكره من النعيم هو ما توعدون ليوم تجزى كل نفس بما كسبت.
ثم قال: ﴿إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾، أي: إن ما تقدم ذكره لَرِزق الله تعالى المتقين كرامة لهم ليس له من فراغ ولا انقطاع، وذلك أنهم كلما أخذوا ثمرة عادت مكانتها أخرى.
ثم قال: ﴿هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾، أي: لَشَرَّ مَرجِع ومصير منقلب.
ثم بيَّن ذلك ما هو فقال: ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المهاد﴾، أي: فبيس الفراش الذي افترشوه لأنفسهم بأعمالهم السيئة.
والوقف على " هذا " حسن، ثم يبتدئ بـ: ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ﴾، على معنى: الأمر