
قيل: الصافنات: هو الخيل.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الصافنات: هن القائمات على ثلاث قوائم، رافعات إحدى الرجلين، أو إحدى اليدين على طرف الحافر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الصافنات: هن القائمات لا غير؛ وعلى ذلك ما روي عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " من تمنى أن يقوم له الرجال صفوناً -أي: قيامًا- فليتبوأ مقعده من النار " أو كلام نحوه. والجياد: قيل: السراع، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢)
دل ما سبق من ذكر الصافنات الجياد بالعشي على أن قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) إنما أراد به تواري الشمس بالحجاب؛ إذ ليس شيء يتوارى بالحجاب في ذلك الوقت سوى الشمس.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) حتى شغلني عن ذكر ربي؛ إذ المحبة يجوز أن يكنى بها عن الإيثار، واللَّه أعلم.
والثاني: إني أحببت حب الخير حبا حتى شغلني عن ذكر ربي حتى توارت الشمس بالحجاب على التقديم والتأخير، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حُبَّ الْخَيْرِ) يجوز أن يكنى بالخير عن الخيل نفسه؛ على ما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة "، سمى الخيل: خيرًا؛ فعلى ذلك قوله - تعالى -: (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي)، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: صفونها: قيامها وبسطها قوائمها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣)
قال عامة أهل التأويل: أي: جعل يعقر سوق الخيل ويضرب أعناقها -والسوق: هو جماعة الساق- لما شغلته عن ذكر ربه وعن صلاة العصر حتى غفل عنها، فجعل

يقطع سوقها ويضرب أعناقها كفارة عما شغل عن ذكر ربه، ثم إن ثبت ما ذكروا من عقر السوق والأعناق أنه على الحقيقة فهو يخرج على وجهين:
أحدهما: أنه كان ذلك في شريعته جائزًا، وإن كان في شريعتنا لا يجوز، نحو ما ذكر عنه من تعذيب الهدهد وغيره حين تفقده ولم يجبه حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ...) الآية، فمثله لا يجوز تعذيب الطير في شريعتنا؛ فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكروا من عقر الخيل وضرب الأعناق له جائزًا في شريعته وإن كان ذلك لا يجوز عندنا، واللَّه أعلم.
أو أن يكون ذلك منه قبل النهي عن القتل، ثم جاء النهي عنه بعد ذلك فحرج عليه ذلك وعلينا جميعًا.
وجائز أن يخرج تأويل الآية على غير حقيقة عقر الساق وضرب الأعناق لكن ما ذكر من الأعناق يكون كناية عن الذبح، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ) كناية عن التسليم إلى الناس، أو أن يكون ما ذكر من المسح بالساق والأعناق كناية عن مسح وجهها ورأسها بعدما ردوها عليه، والتسليم إلى الناس من غير أن كان هناك عقر أو ذبح أو كفارة عما غفل عن ذكر ربه.
قال الحسن: قال سليمان - عليه السلام -: واللَّه لا يشغلن عن عبادة ربي أحد ما عليك، لكن كشف عراقبها وضرب أعناقها.
ثم اختلف في تلك الخيل التي عرضت عليه، فشغلته عن ذكر اللَّه، ففعل ما ذكر: قَالَ بَعْضُهُمْ: إنها خيول، أخرجها الشياطين من مروج البحر لسليمان - عليه السلام - لها أجنحة تعدو وتطير.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا، ولكن كانت خيلا ورثها من أبيه داود - عليه السلام - وكان دواد - عليه السلام - أصابها من العمالقة، وقال: وما بقي في أيدي الناس من الخيل فمن نسل بقية تلك الخيل، واللَّه أعلم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا، ولكن أهل دمشق من العرب وأهل نصيبين جمعوا جموعًا لسليمان - عليه السلام - فأصاب منهم ألف فرس عراب، فعرض عليه الخيل حتى شغلته عن ذكر ربه، ففعل ما ذكر من قطع العراقيب وضرب الأعناق، واللَّه أعلم.
وعن الحسن في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) قال: كسر عراقيبها وضرب أعناقها، فأبدله اللَّه خيرًا منها، وأرسل الريح (تَجْرِي بِأَمْرِهِ...) الآية.